اللامساواة: الاقتصادات العربيّة تدفع ضريبة التهميش الاجتماعي والجندري

10 يونيو 2015
التمييز الاجتماعي والاقتصادي يؤثر على مستقبل المجتمعات العربية(العربي الجديد)
+ الخط -
تغيب المساواة بمختلف مستوياتها داخل العديد من الدول العربية، ما يرتب كلفة اقتصادية باهظة، وتبعات على انخفاض النمو، وتدني معدلات التعليم، وزيادة الهوّة بين مختلف الشرائح الاجتماعية، لترزح الطبقات الوسطى والفقيرة تحت رحمة الظروف المعيشية اليومية الصعبة.

ورغم استبشار الشعوب العربية بتغيير واقعها بعد ثورات "الربيع العربي"، إلا أن الأوضاع سرعان ما عادت إلى نقطة الصفر، لتنهش مظاهر غياب المساواة في الحياة اليومية للمواطن العربي، ومستقبل الأجيال المقبلة.

وحسب تقرير صادر عن "مجموعة البنك الدولي" في شهر أبريل/ نيسان من السنة الحالية، بعنوان "نحو عقد اجتماعي جديد"، فإن أهم العوائق التي تواجه الاقتصادات العربية تتلخّص في "غياب تكافؤ الفرص في إنشاء الشركات، وغياب الديمقراطية والمساواة في مختلف نواحي الحياة". هذه العوائق التي رصدها التقرير، أحبطت توقعات النمو الاقتصادي في العديد من الدول، والتي كانت تراوح ما بين 4 إلى 5% بعد التغيّرات السياسية التي شهدتها أكثر من دولة عربية، لكن اليوم لا تتجاوز في أحسن الأحوال 2.5%.

اقرأ أيضا: البؤساء: آلاف الفقراء العرب يعيشون ويأكلون من القمامة

وقال مدير مشروع "منبر الحرية"، الدكتور في الاقتصاد نوح الهرموزي، إن أشكال عدم المساواة في الدول العربية متفاوتة ومختلفة حسب كل دولة، وتتعدى أشكال التمييز في الجنس أو الانتماء الطبقي والاجتماعي، لتصل إلى التمييز بسبب الانتماء الديني أو الطائفي، ما يجعل الاقتصادات العربية رهينة التفكير من منطلق الانتماء إلى العشيرة أو الطائفة، كما هو الحال، حسب المتحدث نفسه، في دول مثل الأردن، مصر، لبنان، العراق وغيرها.


وأوضح الهرموزي، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن الشكل الأبرز لغياب المساواة يتمثل في عدم شمولية القانون، أي أن المواطنين العرب لا يخضعون جميعهم لضوابط القاعدة القانونية ذاتها، وذلك ما يفرز باقي أشكال عدم المساواة في الشغل والاستثمار وبين الجنسين.

وترصد "العربي الجديد" بالأرقام، حجم غياب المساواة داخل مختلف المجالات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية، ما يجعل عجلة النمو عاجزة عن الدوران لصالح الفئات الاجتماعية العربية الهشة.

اقرأ أيضا: الاقتصادات العربية ملعونة بالنزاعات المذهبية

إذ عند الحديث عن غياب المساواة في الدول العربية، يطفو إلى السطح تهميش دور المرأة في المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتهميش ملايين الكفاءات النسائية بسبب خلفيات ترتبط بالعادات والتقاليد وبعض الممارسات المتعصبة دينياً، حيث إن نسبة مشاركة الإناث في الحياة الاقتصادية في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حسب مجموعة البنك الدولي، لا تتجاوز 21.6%، ما يعني أن نسبة الـ78% المتبقية ليست سوى طاقة اقتصادية مفقودة ومستبعدة عن الدورة الإنتاجية.


ويضاف غياب المساواة في التعليم إلى هموم المواطن العربي، حيث إن التقرير ذاته رصد أن 70% من طلاب مصر يلجأون إلى الدروس الخصوصية بسبب تدني مستوى التعليم العام، ما يجعل أبناء الفقراء الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليفها في وضع سيئ. ويُحرَم عدد كبير من الأطفال العرب من إكمال دراستهم بسبب غياب المساواة في ولوج التعليم، حسب تصريح عضو "اليونيسف" دينا كريساتي، خلال المؤتمر الإقليمي الأخير للدول العربية حول التربية.

وأشار "التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2015"، الصادر عن منظمة "اليونسكو"، إلى أن "جميع الدول العربية لم تحقق أهداف التعليم للجميع"، وحققت 20% فقط من هذه الدول شروط تعميم التعليم الابتدائي.

ومن جهة أخرى، يعاني المواطنون في دول مصر، الأردن والمغرب من تغيّب ما بين 20% إلى 30% من الأطر الطبية عن المستشفيات، ما يضطرهم إلى اللجوء للمصحات الخاصة التي تفرض فواتير باهظة على المرضى.

اقرأ أيضا: القلق: الأزمات تعمق المخاوف في الاقتصادات العربية

ويعد غياب المساواة في الاستثمار من بين أبرز تجليات غياب المساواة في المنطقة العربية. وأوضح تقرير "مجموعة البنك الدولي" أن الشركات الصغيرة لا تستطيع الاستمرار بسبب "وضع الاقتصاد الكلي، وعدم اليقين في ما يتصل بالبيئة التنظيمية، وعدم الاستقرار السياسي، وتفشي الفساد". وسجلت المنطقة العربية، حسب المصدر نفسه، أدنى نسبة ولوج للشركات الصغيرة إلى السوق في مقارنة مع المستويات العالمية، رغم أن هذه الشركات تساهم في خلق معظم الوظائف عربياً، حيث وفرت في تونس مثلاً بين عامي 1996 و2010 ما نسبته 96% من إجمالي صافي خلق الوظائف.


وتكاد تنعدم المساواة في العالم العربي حتى بالنسبة لأساسيات الحياة الأولى، والمتمثلة في تزويد المواطنين بالكهرباء والماء الصالح للشرب.

وأبرزت مجموعة من التقارير الدولية، أن هذه الخدمات تسجل نسباً متدنية عربياً، ما يؤثر على الإنتاجية، حيث قدّرت "مجموعة البنك الدولي" نسبة الخسائر الاقتصادية عربياً بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي بـ6.1% من الناتج. وقدّرت "منظمة الأمم المتحدة للأغذية" نصيب الفرد العربي من مياه الشرب بـ500 متر مكعب سنوياً، أي أقل من نصف المعدل العالمي الذي يقدّر بـ1200 متر مكعب سنوياً.

اقرأ أيضا: المياه "العكرة" ثقب في جيب العرب (ملف)
دلالات
المساهمون