اللاجئون ووجه أوروبي قبيح

17 مارس 2016
+ الخط -
"الاتفاق يتمثل نهاية الهجرة غير المنظمة إلى أوروبا".. هذا ما قاله رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، تعليقاً على الاتفاق المشين بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن وقف تدفق اللاجئين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتم توقيعه في الثامن من مارس/ آذار الحالي في مقر الاتحاد في بروكسل.
إنه "اتفاق لا أخلاقي"، هذا أقل ما يقال في اتفاقٍ يتلاعب بآلام البشر البؤساء. اللاجئون هم الأضعف في الصراعات الدموية. ترى أوروبا في استمرار موجة الهجرة غير الشرعية عن طريق تركيا خطراً عليها، وهي تريد أن توقف هذه الهجرة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الإنسان التي تغنت بها طوال الوقت. ولكن، عندما قدّرت أن استمرار منح هذه الحقوق التي تدّعيها تهدّدها، فإنها عملت على بناء سد في وجه البؤساء، لوقف هذا التدفق.
يقوم الاتفاق على الأسس التالية: إعادة كل المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون من تركيا إلى اليونان، على أن يتحمل الاتحاد الأوروبي نفقات إعادة هؤلاء إلى تركيا. توطين لاجئ سوري واحد من تركيا في الاتحاد الأوروبي، مقابل كل سوري يعاد إلى تركيا من اليونان. تسريع الإجراءات الخاصة بالسماح للمواطنين الأتراك بالسفر إلى الدول الأوروبية، من دون تأشيرة، إذ من المؤمّل إنهاء العمل بنظام التأشيرة في يونيو/ حزيران المقبل. الإسراع في صرف مبلغ ثلاثة مليارات يورو، كان الاتحاد الأوروبي قد وعد تركيا بها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إضافة إلى مبلغ مماثل لمساعدة الأتراك على التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين. اتخاذ الخطوات الكفيلة بالاستعداد لإصدار قرار بفتح فصول جديدة من مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
شرحت الناطقة باسم المفوضية الأوروبية لشؤون الهجرة، ناتاشا بيرتو، نظام الإعادة حسب الاتفاق، لشبكة بي بي سي البريطانية، قائلة: سينقل كل المهاجرين الذين ينقذون في المياه اليونانية إلى إحدى الجزر اليونانية، حيث تؤخذ تفاصيلهم. وبعد ذلك، سيعاد المهاجرون غير الشرعيين إلى تركيا، حيث ستؤخذ تفاصيلهم ثانية، وإذا وجد أنه "لا حق لهم في الحماية الدولية" (الذي لا يشمل حالياً إلا السوريين)، سيعادون إلى بلدانهم الأصلية، كما سيعاد كل المهاجرين الذين ينقذون في المياه التركية إلى تركيا مباشرة التي تقرّر مصيرهم.
وقد تم تشكيل قوات من حلف شمال الأطلسي، تعمل على مراقبة الاتفاق وتنفيذه. وقبل أيام،
أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إرسال ثلاث بوارج عسكرية للمشاركة في عمليات الحلف الأطلسي، للتصدّي لتهريب المهاجرين في بحر إيجه. وجاء في بيان أصدره في التاسع من مارس/ آذار الجاري "علينا أن نكسر تجارة المهربين المجرمين وردع الأشخاص المتكدسين في مراكب متداعيةٍ من خوض غمار هذه الرحلة الخطرة وغير المجدية"، متجنباً الكلام عن اللاجئين الباحثين عن الحماية، وهم الأكثر تضرراً من هذا الاتفاق. وإذا كان من غير الصحيح الدفاع عن مهربي البشر، فإن الاتفاق فعلياً لا يهدف إلى محاربة هؤلاء، إنما يهدف إلى محاربة الهجرة غير الشرعية، والتي تتشكل أساساً من ضحايا الصراعات، والتي عادة ما يقدم عليها الناس الذين لم تعد أمامهم أي خيارات، سوى ركوب الموت من أجل الخلاص من الموت نفسه. لذلك، كانت مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية لمنظمة العفو الدولية، إيفرنا مكغوان، محقة عندما قالت "انحدر الزعماء الأتراك والأوروبيون إلى الدرك الأسفل، بتفريطهم بحقوق وكرامة بعض من أضعف البشر في العالم، وأقلهم حيلة". ولا شك أن الترحيل الجماعي ليس "غير أخلاقي" وحسب، بل هو مخالفٌ لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بشأن اللاجئين، والموقعة عام 1951 أيضاً، وصدّق عليها الاتحاد الأوروبي.
أسوأ ما في الاتفاق، هو قاعدة "واحد مقابل واحد"، أي استقبال الاتحاد الأوروبي لاجئاً سورياً شرعياً من تركيا في مقابل كل لاجئ سوري غير شرعي يعاد إلى تركيا. وهو يعني معاقبة اللاجئين السوريين الذين يحاولون الخلاص من أوضاعهم المأساوية، بإعادتهم إلى المكان الذي جاؤوا منه، وأخذ لاجئين، بدلاً منهم، لم يحاولوا الهجرة غير الشرعية، وهو ما يرسل رسالة إلى اللاجئين السوريين في تركيا، مفادها بأن أي محاولة للهجرة غير الشرعية ستجعلكم تخسرون الاثنتين، الشرعية وغير الشرعية. وذلك يعني معاقبة البائسين على محاولتهم الخلاص من بؤسهم. وفكرة "واحد مقابل واحد" تجعل الحكومة التركية قادرةً على الدفاع عن هذا الاتفاق، ليس بوصفه يقدم إنجازات لتركيا، سعت طويلاً للحصول عليها من الاتحاد الأوروبي، مثل دخول المواطنين الأتراك بلا تأشيرة دخول، وإعادة فتح ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بل تستطيع الحكومة التركية الادعاء بأنها لا تحتفظ باللاجئين السوريين، طالما أن الاتحاد الأوروبي يأخذ عدداً مماثلاً من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا. ولتنفيذ الاتفاق، على الاتحاد الأوروبي أن يعيد تصنيف تركيا بوصفها بلداً آمنا، حتى يستطيع إعادة اللاجئين إليها، بوصفها بلداً ثالثا. وليس من المأمول أن يتم تنفيذ "واحد مقابل واحد" فعليا، فليس للاتحاد الأوروبي تاريخ مشرّف في التعامل مع اللاجئين السوريين في تركيا. فحسب منظمات حقوق الإنسان، فإن الاتحاد الأوروبي لم يستقبل سوى 800 لاجئ سوري شرعي قادمين من تركيا، على الرغم من أن اتفاق العام 2015 ينص على استقبال 22500. وهذا ما يعطي الانطباع بأن استقبال لاجئين بدلاء عن غير الشرعيين قد يكون وعداً أوروبياً مستقبلياً أجوف.
تستعين أوروبا العاجزة عن صد موجة اللاجئين بتركيا لبناء جدار الصد هذا، ولذلك قدمت لها تنازلاتٍ، ما كان يمكن أن تقدمها بدون هذه الأزمة. ولكن رزمة الحل تظهر، بوضوح، وجه أوروبا القبيح، وإطاحتها حقوق الإنسان، ما يجعل الحرب على اللاجئين اليائسين مشينةً بحق القيم الأوروبية التي تتبجح بها هذه الدول.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.