أدى الشيخ صباح الأحمد أدواراً إيجابية في المنطقة، علاوة على تكريمه دولياً في الأمم المتحدة عام 2014، باعتباره "قائداً إنسانياً"، وإعلان الكويت "مركزاً إنسانياً عالمياً"، بفعل جهودها الخيرية والإغاثية حول العالم. كما ساهم الشيخ صباح في حلّ الخلافات الخليجية ــ الخليجية في عام 2014، وساهم في نزع فتيل الأزمة الطائفية في بلده، التي كادت تتفجّر على إثر تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت العام الماضي.
تولّى الشيخ صباح الحكم بالكويت بعد نقل سلطات أمير البلاد، سعد العبد الله السالم الصباح، إليه، بصفته رئيساً لمجلس الوزراء. وبايعه مجلس الأمة بالإجماع، أميراً للبلاد، بسبب الحالة الصحية السيئة للشيخ سعد السالم (15 يناير ـ 24 يناير 2006)، التي لم تُمكّنه من تولي مهامه، بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح (31 ديسمبر/كانون الأول 1977 ـ 15 يناير 2006). أقسم الشيخ صباح القسم الدستوري أمام مجلس الأمة، كأول أمير للبلاد يقوم بهذا منذ 1965.
الأوضاع الداخلية في الكويت
شهدت الكويت خلال السنوات القليلة الماضية أزمة سياسية خانقة، قام على إثرها أمير البلاد بحل مجلس الأمة أكثر من مرة، ثم تم إقرار قانون "الصوت الواحد" في انتخابات مجلس الأمة الكويتي، الذي تم تحصينه من قبل المحكمة الدستورية، مما نتج عنه مقاطعة المعارضة، التي تُعرف بـ"كتلة الأغلبية" للانتخابات في 2013، وخروجها خارج البرلمان، حتى اللحظة.
وتعود جذور الأزمة بين الحكومة الكويتية والمعارضة إلى عام 2009، عندما أصرّ مجلس الأمة على استجواب رئيس الوزراء ناصر المحمد. انتهت الاستجوابات بالمطالبة برحيل رئيس الوزراء في احتجاجات شعبية، إلى أن قدّم المحمد استقالته لأمير البلاد، والذي سمى جابر المبارك الصباح رئيساً للوزراء.
بعد قبول استقالة المحمد، قام الشيخ صباح بحل مجلس الأمة قبل إتمام فترته الدستورية، ودعا أمير البلاد لانتخابات مبكرة. لاحقاً جرت انتخابات 2012، التي أنتجت مجلساً تهيمن عليه المعارضة الكويتية بشكل واضح، بعد سيطرة "كتلة الأغلبية" على 35 مقعداً من أصل 50 مقعداً في المجلس. وبعد إبطال مجلس 2012، تم تشكيل "كتلة الأغلبية" التي قاطعت الانتخابات بعد صدور "مرسوم الصوت الواحد".
اقرأ أيضاً: مسؤول عراقي ينفي وصول قوات أميركية جديدة
جاءت لحظة مقاطعة "كتلة الأغلبية" للانتخابات، كذروة للأزمة السياسية التي شهدتها الكويت، بالتزامن مع تحوّل مسيرة "كرامة وطن" في 2012 كذروة للحراك الكويتي المعارض، إثر تجمّع عشرات الآلاف من الكويتيين، مطالبين بما أسموه "إعادة السيادة إلى الأمة"، ورافضين لما اعتبروه "افتئاتاً على الدستور والإرادة الشعبية". الاحتجاجات التي واجهها الأمن الكويتي بقوة، عرّضت الكويت لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية.
تجاوزت الكويت هذه الأزمة ظاهرياً، بانتخاب مجلس جديد للأمة، قاطعته المعارضة. لكن هذا التجاوز الظاهري، يخفي الكثير من الأزمات والتباينات بين المعارضة والسلطة، التي تظهر جلياً في قضايا إقليمية، كمواجهة النفوذ الإيراني في الكويت والمنطقة.
لكن عهد الشيخ صباح حمل سابقة تاريخية إيجابية على مستوى مجلس الأمة أيضاً، عبر الاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة الكويتية، ما أدى إلى فوز نساء عدة بانتخابات المجلس، في سابقة تاريخية. مما اعتبر تتويجاً لسنوات من النضال السياسي لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في المجال العام، الذي لم يقرّه المجلس إلا في عهد الشيخ صباح الأحمد، أحد أبرز أنصار هذا التوجه.
تهديدات إرهابية للكويت
شهد المجتمع الكويتي أصعب أوضاعه خلال الفترة الماضية، ربما منذ الاحتلال العراقي في 1990. وتعرّض السلم الأهلي والتعايش بين الكويتيين إلى تهديدات خارجية حقيقية، تمثلت في الإرهاب، إن كان من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو من إيران وأذرعتها في المنطقة.
وقد كانت الفترة الماضية دموية في الكويت، وبدت التجربة الكويتية مهددة في صميم تعايشها، بعد استهداف مسجد الإمام الصادق في الكويت من قبل "داعش". ما أدى إلى استنفار الكويتيين ضد العملية، ابتداء من أمير البلاد، الذي زار موقع الحادث بعد أقلّ من ساعة من الانفجار، لتأتي كلمته الشهيرة "هذولا عيالي" (هؤلاء أهلي) في وصف الضحايا والجرحى، لتُعبّر عن مقدار الأسى الذي أصاب الكويت لحظتها، في محاولة من أمير البلاد تجنيب الكويت فتنة طائفية، يبدو أنه نجح في إبعاد شبحها.
لاحقاً، كشف الأمن الكويتي عن مخطط آخر، يهدد التعايش والسلم الأهلي في الكويت، تمثّل بتخزين "خلية العبدلي" أو "خلية حزب الله" لترسانة هائلة من الأسلحة، بالإضافة إلى التخابر مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. القضية التي صدرت في حق المتهمين فيها أحكام ابتدائية بالإعدام والسجن، تأتي في سياق سلسلة التدخلات الإيرانية في المنطقة، التي ظنّت الكويت أنها ستكون في منأى عنها، باتخاذ خطوات إيجابية تجاه إيران. كان من ضمنها تهنئة الشيخ صباح للمرشد الإيراني علي خامنئي بمناسبة الاتفاق النووي، ومجاملته بتسميته "مرشداً للمنطقة". الأمر الذي أثار الكثير من الجدل في وقته.
الكويت، التي كانت متأرجحة في مواقفها من طهران، وتميل لليونة معها، انضمّت لدول الخليج في موقفها الصلب ضد إيران، الذي قادته السعودية إثر اقتحام المقار الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد الإيرانيتين. بل ذهبت أبعد من هذا، باستدعاء سفيرها من طهران. الخطوة التي كانت مساهمة في صنع تضامن عربي مع الرياض، في مواجهتها الحالية لإيران، قد تشير إلى تحول في سياسات أمير البلاد، التي تحولت من مهادنة إيران، إلى مواجهتها بشكل أكثر وضوحاً، وإن لم تكن هذه الخطوات كافية في نظر المعارضة الكويتية، التي تريد من الحكومة الكويتية التعامل مع الخطر الإيراني بسياسات أكثر جذرية.
التجربة الكويتية التنموية خارجياً
أدت الكويت دوراً تنموياً مهماً على المستوى العربي والدولي منذ الستينيات، فقد ساهم "الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية" في دعم الاقتصاديات العربية النامية. إن كان في الخليج، أو بقية دول المنطقة العربية. وقد شهد الصندوق تنامياً واستمراراً في أعماله في عهد الشيخ صباح الأحمد. وانعكس هذا التوجه الكويتي في دعم الدول العربية، على إحدى أقسى الأزمات التي يعيشها العرب اليوم، وهي تداعيات الثورة السورية، وما نتج عن وحشية النظام السوري من تشريد وقتل ودمار للبلاد.
وقد سحبت الكويت سفيرها من دمشق، وأعلنت قطيعتها للنظام من أغسطس/آب 2011، ضمن موقف خليجي (سعودي ـ بحريني مسبوق بموقف قطري) متزامن. لاحقاً، احتضنت الكويت، وبشكل فعّال، المؤتمرين الأول والثاني للدول المانحة لإغاثة الشعب السوري. وقد أعلن أمير الكويت، دعم السوريين في مؤتمر المانحين الأول بمبلغ 300 مليون دولار، وفي المؤتمر الثاني أعلن عن 500 مليون دولار أخرى، من القطاعات الحكومية والأهلية في الكويت. الأمر الذي جعل الكويت في عهد الشيخ صباح أكثر الدول، على الإطلاق، دعماً للاجئين السوريين، عبر برامج الأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً: الكويت تخفض ميزانية الديوان الأميري