الكونغرس و"الشراكة الاستراتيجية" مع إسرائيل

11 ديسمبر 2014

شيمون بيريس متحدثاً في الكونغرس الأميركي (26يونيو/2014/Getty)

+ الخط -

أقر مجلس النواب الأميركي، مطلع الشهر الجاري، "قانون الشراكة الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية". وكان مجلس الشيوخ قد صادق عليه في سبتمبر/أيلول الماضي. ولم يبق سوى توقيع الرئيس عليه، ليدخل حيز التنفيذ، بعد أيام. وجاء القانون ثمرة جهود اللوبي الإسرائيلي ومعه رجال من الكونغرس، ترجمة لموقف الأخير "الموحّد والكامل في دعم إسرائيل، باعتبارها الحليف الأول لنا في المنطقة"، كما قالت السيناتور الديمقراطي، برباره بوكسر، المتحدرة من عائلة يهودية، والتي قادت المساعي في هذا الخصوص.

ويوفر لقانون امتيازات كبيرة لإسرائيل في جوانب عديدة في العلاقات بين الجانبين. أهمها أنه يحوّل الالتزام الأميركي السياسي إلى التزام قانوني، بضمان التفوّق العسكري لإسرائيل، بحيث تبقى "أقوى من خصومها مجتمعين". وينص هذا القانون على زيادة كمية الأسلحة الأميركية المخزنة لدى إسرائيل، لغرض استخدامها في أوقات الطوارئ، وجعلها بحجم توازي قيمته حوالي ملياري دولار بدلاً من 200 مليون كما كانت. والمعروف أن إسرائيل استعانت بهذا المخزون في حربها أخيراً على غزة، ومن خلال إجراء بسيط لا يقتضي أكثر من إشعار البنتاغون بحاجتها مثل هذه الخطوة. وبذلك، تصبح لديها ترسانتين: واحدة من خلال الدعم العسكري السنوي الذي يزودها بأحدث الأسلحة. والثانية بتسليمها مفتاح جزء من الترسانة الاحتياطية الأميركية. وكأن ترسانة واحدة لا تكفيها، لمواصلة وتصعيد عدوانيتها في المنطقة وقضمها الأراضي الفلسطينية، من خلال تمددها الاستيطاني المتواصل.

وبموجب هذا القانون، تدخل إسرائيل، أيضاً، في نادي الدول القليلة التي تحظى بمعاملة خاصة لدى الولايات المتحدة، لجهة التسهيلات في إجراءات الزيارات ودخول رعايا هذه الدول ومجالات التبادل والتعاون في النواحي المشتركة. فهو، من هذه الناحية، أعطى لهذه الامتيازات التي كانت قائمة قوة القانون.

لا شك أن القانون يرمي إلى "تعميق العلاقات مع إسرائيل إلى حدّ غير مسبوق"، كما قالت بوكستر. صحيح أن هذه العلاقات قوية وعميقة، بما فيه الكفاية، لكن وضعها في إطار قانوني ملزم يبقى ضمانة تحميها من الاهتزازات. مع ذلك، يشير توقيته إلى أغراض أخرى، رمى إلى تحقيقها، فرضتها الظروف والمستجدات الراهنة، والتي حملت الكونغرس على الاستعجال في الموضوع، لتوجيه أكثر من رسالة في أكثر من اتجاه. من إدارة أوباما التي توترت علاقاتها مع حكومة نتنياهو إلى أوروبا.

فليس من باب المصادفة أن يسارع الكونغرس، قبل نفاذ صلاحيته بأسابيع قليلة، إلى إنجاز هذا القانون، وكأنه كان في سباق مع الوقت. كما لا يبدو من المصادفة أن يتزامن هذا الحرص مع توالي موجة تصويت برلمانات أوروبية على الاعتراف بدولة فلسطين. فمثل هذا التوجه الأوروبي، المتوقع استمراره، شكل نقطة تحوّل، ولو أنه ما زال في حدوده الرمزية. كسر حاجز الخوف وتجاوز الممنوع. وبذلك، أعطى إشارة الانطلاق لبدء عملية اعتراف الحكومات التي باتت عملية وقت، على ما يبدو من نقاشات دارت في هذا السياق، خصوصاً في مجلس العموم البريطاني، فضلاً عن قرار الحكومة السويدية. وكان ملاحظاً أن الردود الأميركية، في وسائل الإعلام وأوساط صناع الرأي، على هذا التصويت، انطوت على شيء من التسليم بأن هذه الموجة غير قابلة للارتداد. على الأقل في أوروبا. وهذا أمر مربك لجماعات إسرائيل وأنصارها في الساحة الأميركية، لما له من انعكاس وتأثير على ثقافة الاحتضان الكامل لإسرائيل. فأن تبدأ انتفاضة الاعتراف بدولة فلسطين في أوروبا، تطور يقلق هذه الجهات التي عملت على استعجال إقرار هذا القانون، لزيادة تطمين إسرائيل، كما لبعث رسالة إلى الحلفاء الأوروبيين بأن اعترافهم بفلسطين مرفوض في واشنطن، وأن الردّ الأميركي عليه جاء على شكل تعزيز التقارب مع إسرائيل، وبما يؤكد على رفض الكونغرس انتقال عدوى الاعتراف هذه، طالما بقيت الدولة العبرية رافضة الدولة الفلسطينية.

في ضوء هذه الخطوة من الكونغرس، والتي لا شك أن إسرائيل ستعمل على توظيفها والاستقواء بها، خصوصاً في زمن الكونغرس الجديد القادم مع حلول العام الجديد؛ تبرز مهمتان أمام العرب والفلسطينيين: الأولى، أن يُصار إلى تسريع رفع مشروع جامعة الدول العربية إلى مجلس الأمن، القاضي بتحديد سقف لإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، في عام 2016. فهذه الخطوة لم يعد جائزاً التمهل فيها. الجمعية العمومية للأمم المتحدة اعترفت بدولة فلسطينية تحت الاحتلال منذ 2013. آن الأوان لتفعيل هذا القرار، من خلال الآليات الدولية وطلب الانتساب دولة إلى عضويتها. حتى لو كان هناك احتمال في العودة إلى المفاوضات، فإن مثل هذا التوجه الدولي من شأنه تعزيز وضع المفاوض الفلسطيني، وليس إضعافه. وتجربة أوسلو تؤكد ذلك. وتتمثل المهمة الثانية في ضرورة تكثيف التحرك في الساحة الأوروبية، لتسريع وتيرة التصويت في بقية البرلمانات، مع التركيز على حمل الحكومات الأوروبية، لكي تستجيب لدعوات ممثلي شعوبها، والاعتراف الرسمي بدولة فلسطين. فبقدر ما تمضي أوروبا في هذا التوجه الذي شقت طريقه، بقدر ما يبهت قانون "الشراكة الاستراتيجية" الذي أقره الكونغرس، بحيث يصبح خطوة معزولة وخارج السياق. ويتوقف ذلك، إلى حدّ بعيد، على مدى الجهود المطلوبة من العرب والمنظمات والهيئات العربية، الموجودة على الساحة الأميركية، بذلها، لتوظيف زخم الاعتراف الأوروبي، وبما يعطي الدفع اللازم لعملية ترويجه لدى الدوائر والأوساط الأميركية المؤثرة في صياغة الرأي، وبلورة الأفكار الضاغطة على صنّاع القرار. فالتصويت الأوروبي حجة قوية، لتسويق فكرة الاعتراف في الولايات المتحدة، والحث على اعتمادها. خصوصاً وأن إدارة أوباما تعطي إشارات إلى أنها عازمة على اتخاذ خطوات عملية بشأن موضوع الاستيطان، حسب المعلومات المتداولة في الأيام الأخيرة. فهناك احتمال أن يقوم الرئيس في الربع الأخير من ولايته بشيء ما نوعي، في ضوء قناعاته ونفوره المعروف من نتنياهو والسياسات الاستفزازية الإسرائيلية.