الكونغرس .. بعد سيطرة الجمهوريين

08 نوفمبر 2014

أوباما في مؤتمر صحافي بعد فوز الجمهوريين (5 نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -

بدت معركة الكونغرس الأميركي، التي جرت يوم الثلاثاء في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وكأنها كانت استفتاء حول رئاسة باراك أوباما وسياساته، أكثر مما كانت انتخابات يتنافس فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري حول برامج وتوجهات مختلفة. وقد نجح الجمهوريون في جعلها كذلك، من جهةٍ لأنه ليس لديهم أجندة قابلة للتسويق. ومن جهة ثانية، لأنه كان في اعتقادهم أن سياسة التخويف، التي اعتمدوها ضد الرئيس، الذي هبط رصيده، يمكنها أن تؤتي ثمارها. وهكذا كان إلى حدّ بعيد. وقد تضافرت عدة عوامل ساعدت على تحقيق الغرض. 

فهناك حالة من الإحباط المديد وعدم الرضى، لدى الرأي العام الأميركي. تحسّن الأوضاع الاقتصادية بقي في حدوده الدنيا، ومن دون أن تصل مردوداته إلى غالبية الطبقة الوسطى. وقد انعكس ذلك في ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع. حتى في صفوف الأقليات، وخصوصاً الأميركيين السود الذين يشكلون أحد ثوابت قاعدته الانتخابية.

فكانت النتيجة أن الناخب الأميركي، إما تجاهل الانتخابات – والأكثرية فعلت – وامتنع عن التصويت تعبيراً عن رفضه الحزبي، أو أدلى بصوته ليعاقب الحزب الموجود في البيت الأبيض، وبالتحديد الرئيس أوباما، الذي عقدت الآمال الكبيرة على رئاسته، التي لم تقو على ترجمة هذه الآمال. وبذلك خطف الجمهوريون الأكثرية، بنتيجة معاقبة رئاسة أوباما، وحققوا "انتصار السلبية"، كما كتبت "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها. فقد قامت حملتهم الانتخابية على توظيف الاستياء العام على أحسن وجه، في حين تميزت حملة الديمقراطي بالارتباك التماسك. بعض مرشحيه ابتعدوا عن الرئيس، باعتباره عبئاً عليهم. أعطوا بذلك خصمهم الجمهوري ما يعزز حملته المضادة على أوباما.

العامل الثاني كان المال الانتخابي، الذي تدفق بسخاء غير مسبوق على الحملة، التي بلغت كلفتها 4 مليارات دولار. رقم غير مسبوق في مثل هذه الانتخابات. ولا بدّ من الإشارة، هنا، إلى التمويل الكبير الذي صبّ في حملة الجمهوريين من كبار المتمولين، مثل "الأخوين كوك"، والملياردير اليهودي، شالدن أدلسون، المعروف بتبرعاته السخية لتعزيز الاستيطان الإسرائيلي، والذي خصص ملايين الدولارات لدعم حملة الجمهوريين.

والمعروف أن المحكمة العليا سبق لها، أخيراً، أن شرّعت لامحدودية تمويل الانتخابات، بزعم أنه وجه من وجوه حرية التعبير. فذلكة أثارت دهشة كثيرين، لما تنطوي عليه من خطر تحويل العملية الانتخابية إلى سلعةٍ، قابلة للشراء مع كل ما يتأتى عن ذلك من تشويه للممارسة الديمقراطية.

في هذا الصدد، لا بدّ من الإشارة، أيضاً، إلى عوامل أخرى، ساهمت في إشغال البيت الأبيض، وبالتالي، إبعاده عن الاهتمام بالمعركة. ففي عزّ الحملة، تفجرّت قضية داعش وسقوط الموصل وما تناسل عنها من تداخل وتعقيد على الساحتين العراقية والسورية، فضلاً عن إشكاليات الموقف التركي. ترافقت معها الأزمة الأوكرانية، وما شهدته من اقتحام روسي مربك لواشنطن.

ثم جاء انفجار داء إيبولا في غرب أفريقيا، والذي وصلت شظاياه إلى الساحة الأميركية. كل هذه المستجدات شكلت تحدياتٍ نوعية تطلبت معالجات فورية، وأخذت الكثير من جهد البيت الأبيض، على حساب اهتمامه بالحملة الانتخابية.

الآن، بات الرئيس أوباما في موقع الدفاع. علاقته الصعبة، وشبه المعطلة، مع الكونغرس السابق، ربما صارت أصعب لتطويق هذا الاحتمال. وجه الرئيس دعوة إلى قيادات الكونغرس للاجتماع معهم (أمس الجمعة)، في محاولة لوضع خريطة تعاون بينهما للسنتين الباقيتين من ولايته. فالكونغرس الجمهوري لم يعد من مصلحته، أو هكذا يفترض، مواصلة المشاكسة والتعطيل. الآن، هو في موقع القرار. يفترض أن يساهم في تفعيل عملية الحكم، وإلاّ جرت محاسبته في انتخابات الرئاسة، بعد سنتين. كذلك من مصلحة الرئيس أوباما تقديم تنازلات معينة، وليس بالضرورة جوهرية، لتسهيل تمرير ما أمكنه من برامجه، ولو بالحد الأدنى.

خدمة للمتبقي من رئاسته كما لتركته. الواقعية السياسية قد تفرض التعاون بين الجانبين. لكن، ذلك غير مضمون في ضوء الخلفية التي حكمت العلاقة بينهما طوال السنوات الست الماضية. وقد يستمر الجمود والتعطيل إلى غاية انتهاء ولاية أوباما، مع ما يحمله ذلك من مجازفةٍ بمعركة الرئاسة بعد سنتين، خصوصاً بالنسبة إلى الجمهوريين، المعروف أنهم لم يتعاملوا مع رئاسة أوباما سوى بسياسة الإعاقة. وربما لعب الرئيس على نقطة التخوف هذه، واعتمد تشدده لوضع الجمهوريين في الموقع المحرج. 

ما لا جدال فيه أن رئاسة أوباما باتت معطوبة أكثر من ذي قبل. فالرئيس، بالكاد، يقوى على تقليل خسارته. هذا إذا أمكنه ذلك. لكنْ، هناك فرصة تكمن في احتمال توسّع شقة الخلاف بين اليمين المتشدد والجناح التقليدي في صفوف الجمهوريين، فهناك شرخ بين الفريقين، بل تزاحم مرشح للتفاقم، مع اقتراب معركة الرئاسة، وقد يلعب الرئيس على هذا التباين.

 لكن الساحة أمامه ضيقة. وإذا كان من غير المتوقع أن يكون لنتائج الانتخابات انعكاساتها المهمة في مجال السياسة الخارجية، خصوصاً في الشرق الأوسط، إلاّ أنه من شبه المؤكد أن إسرائيل لا بدّ وأن تستقوي أكثر فأكثر بالكونغرس الجمهوري، في اشتباكها مع الإدارة التي توترت علاقاتها، أخيراً، مع حكومة نتنياهو.