جولة في أسواق قطاع غزة المختلفة، كفيلة بأن تلفت انتباهك إلى ضعف الحركة الشرائية الواضحة على مختلف البضائع، بما في ذلك المواد الغذائية، بالرغم من تناثر العروض والهدايا المطروحة من قبل التجار على السلع، لتحريك المبيعات.
وباتت المتاجر تخلو من الزبائن والمشترين، إلا في حالات نادرة كأيام صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، أو صرف السلف المالية الخاصة بموظفي حكومة غزة السابقة، والتي سرعان ما تنتهي في أيام محدودة لا تتجاوز ثلاثة إلى أربعة أيام، في أحسن الأحوال.
وأضحت كلمة "عروض" و"تنزيلات هائلة" هي السمة الأبرز للعديد من المحال التجارية على مختلف أنواعها، من المواد الغذائية ومرورًا باللحوم والملابس وغيرها من البضائع، وليس انتهاءً ببعض مواد البناء كالسراميك وغيرها.
وشهدت الشهور الأخيرة الماضية إغلاق العديد من المنشآت أبوابها، لا سيما في ظل تراجع السيولة المالية الموجودة في السوق بفعل الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بإحالة آلاف الموظفين للتقاعد وتواصل خصوماتها، وعدم حل أزمة موظفي حكومة غزة السابقين حتى الآن.
ويخشى مراقبون أن يتجه المشهد الاقتصادي في القطاع، الذي يفرض عليه الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا للعام الحادي عشر على التوالي، نحو الانهيار الكامل بفعل استمرار حالة الكساد، وضعف القدرة الشرائية، وتراجع حركة الاستيراد عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الواقع أقصى جنوبي القطاع.
أسواق جامدة
ويقول التاجر محمد المدهون لـ "العربي الجديد" إن الأسواق تشهد حالة من التراجع والكساد بشكل غير مبسوق في شتى المجالات، خصوصًا في الشهور الأخيرة، في ظل استمرار الخصومات المفروضة على آلاف الموظفين التابعين للسلطة، وعدم انتظام رواتب موظفي حكومة غزة.
ويؤكد المدهون أن الأسواق لا تتحرك بشكل فعلي إلا في أوقات صرف الرواتب ولأيام بسيطة ومحدودة، ثم سرعان ما تعود حالة الكساد مجددًا، في الوقت الذي يلجأ فيه الكثير من التجار للسماح لزبائنهم بالاستدانة، بالإضافة إلى تقديم تخفيضات وهدايا في حال شرائهم بمبالغ مالية معينة.
ويضيف أن الواقع الاقتصادي في القطاع بات قاسيًا كثيرًا على التجار، في ظل تراجع الأحوال الاقتصادية والمعيشية للسكان، وعدم وجود أي أفق بحل الأزمات التي يعاني منها أكثر من مليوني مواطن، بالرغم من المصالحة وتسلّم حكومة التوافق مهامها.
ومنذ نهاية مارس/آذار الماضي، تفرض السلطة الفلسطينية إجراءات تصفها الفصائل الفلسطينية بالعقابية تجاه سكان القطاع، تمثلت في تقليص الكهرباء الإسرائيلية الواصلة لها عبر التوقف عن دفع فاتورتها الشهرية، وخصم 30% من رواتب موظفي القطاع، وإحالة عدد كبير منهم للتقاعد.
تعويل على المصالحة
ويأمل الكثيرون أن تتوقف هذه الإجراءات مع إنجاز اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والذي جرى التوقيع عليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تسلمت الحكومة مهامها بشكل رسمي، إلا أن هذه الإجراءات ما تزال مستمرة.
يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، إن المشهد في القطاع يسير نحو المزيد من الانهيار، في ظل استمرار الأزمات الحالية واستمرار حالة الجباية من دون الوصول إلى حل ينهي أزمة موظفي غزة أو زيادة الإنفاق الحكومي على القطاع.
ويوضح أبو جياب، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن التراجع في الحركة الشرائية لدى المواطن الغزي أدى إلى تراجع واضح وملموس في حركة الاستيراد عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، الذي يمثل شريان حياة بالنسبة لتجار غزة.
ويلفت إلى أنه، ومنذ تسلّم حكومة التوافق إدارة المعابر ومهامها في غزة في أعقاب اتفاق المصالحة، تراجع حجم الواردات للقطاع من البضائع بنسبة تصل إلى 40%، حيث كان قبل ذلك متوسط حجم الشاحنات التي تصل إلى ما بين 650 إلى 750 شاحنة، في الوقت الذي وصلت عليه حاليًا 450 شاحنة إلى 500 شاحنة في أفضل الأحوال.
ويشير أبو جياب إلى أن إجمالي الإنفاق الحكومي شهريًا على القطاع كان لا يتجاوز 60 مليون دولار وجميعه متمثل في الإنفاق الخاص بفاتورة الرواتب، في الوقت الذي انخفض إلى النصف بنحو 30 مليون دولار، بعد الإجراءات الأخيرة، وهو ما تسبب في عجز واضح بالسيولة النقدية.
ويضيف أن القطاع يحتاج شهريًا إلى نحو 100 مليون دولار كسيولة نقدية متوفرة في أيدي السكان بمختلف الشرائح، كي يساهم ذلك في انتعاش الحركة والقوة الشرائية في الأسواق، وحتى لا يساهم في إغلاق المزيد من المؤسسات الاقتصادية.
زيادة الإنفاق
وحسب المختص في الشأن الاقتصادي فإن الحل الأمثل لحالة الكساد وتراجع القوة الشرائية يتمثل في قيام الحكومة بمسؤولياتها تجاه غزة، عبر زيادة الإنفاق الحكومي وتعزيز السيولة النقدية الموجودة، خصوصًا أن الحل الأمثل لدى أصحاب المنشآت والمصالح التجارية حاليًا هو التوقف عن العمل.
ويقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، سمير أبو مدللة، لـ "العربي الجديد"، إن الفترة الأخيرة شهدت أعلى نسبة للبطالة في غزة، حيث وصلت في آخر إحصائية إل نحو 46.6%، 60% منهم من الشباب، في الوقت الذي بلغت معدلات الفقر والفقر المدقع أكثر من 65%، في حين يعتمد أكثر من 80% من السكان على المساعدات الإغاثية.
ويشير أبو مدللة إلى أن الفترة التي أعقبت شهر مارس/آذار من العام الجاري زادت فيها حالة الكساد، لا سيما وأن الكثير من موظفي السلطة ملتزمون بقروض لصالح البنوك، وكانت نسبة الخصم التي تمثلت في 30% هي المحرك الأبرز للسوق المحلي.
وينوه إلى أن 80% من موظفي السلطة الفلسطينية ملتزمون بقروض لصالح البنوك، ما زاد من حالة الكساد، لا سيما وأن رواتب الموظفين تعتبر ركيزة أساسية للكثير من المشاريع والمصالح الاقتصادية العاملة في القطاع، في ظل غياب القطاع الخاص عن العمل.
ويرى أستاذ الاقتصاد أن إنجاز المصالحة وقيام الحكومة بمهامها في القطاع من شأنها إنعاش المشهد الاقتصادي، خصوصًا في حال دعمت القطاع الخاص الذي يعتبر المساهم الأكبر في ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يتطلب رفع الإجراءات، خاصة الخصومات المفروضة على الموظفين منذ تسعة شهور.
وعن إمكانية توقف المزيد من المشاريع والمصالح التجارية عن العمل في غزة، لم يستبعد أبو مدللة ذلك، خصوصًا في حال استمر المشهد الاقتصادي على حاله، لا سيما وأن الأزمة بدأت تطاول قطاعات وشرائح تجارية واسعة بفعل الإجراءات والعقوبات التي بدأت تلقى بظلالها على الجامعات والكليات، خاصة في ظل استمرار الحصار المفروض، للعام الحادي عشر على التوالي.
اقــرأ أيضاً
وباتت المتاجر تخلو من الزبائن والمشترين، إلا في حالات نادرة كأيام صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، أو صرف السلف المالية الخاصة بموظفي حكومة غزة السابقة، والتي سرعان ما تنتهي في أيام محدودة لا تتجاوز ثلاثة إلى أربعة أيام، في أحسن الأحوال.
وأضحت كلمة "عروض" و"تنزيلات هائلة" هي السمة الأبرز للعديد من المحال التجارية على مختلف أنواعها، من المواد الغذائية ومرورًا باللحوم والملابس وغيرها من البضائع، وليس انتهاءً ببعض مواد البناء كالسراميك وغيرها.
وشهدت الشهور الأخيرة الماضية إغلاق العديد من المنشآت أبوابها، لا سيما في ظل تراجع السيولة المالية الموجودة في السوق بفعل الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بإحالة آلاف الموظفين للتقاعد وتواصل خصوماتها، وعدم حل أزمة موظفي حكومة غزة السابقين حتى الآن.
ويخشى مراقبون أن يتجه المشهد الاقتصادي في القطاع، الذي يفرض عليه الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا للعام الحادي عشر على التوالي، نحو الانهيار الكامل بفعل استمرار حالة الكساد، وضعف القدرة الشرائية، وتراجع حركة الاستيراد عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الواقع أقصى جنوبي القطاع.
أسواق جامدة
ويقول التاجر محمد المدهون لـ "العربي الجديد" إن الأسواق تشهد حالة من التراجع والكساد بشكل غير مبسوق في شتى المجالات، خصوصًا في الشهور الأخيرة، في ظل استمرار الخصومات المفروضة على آلاف الموظفين التابعين للسلطة، وعدم انتظام رواتب موظفي حكومة غزة.
ويؤكد المدهون أن الأسواق لا تتحرك بشكل فعلي إلا في أوقات صرف الرواتب ولأيام بسيطة ومحدودة، ثم سرعان ما تعود حالة الكساد مجددًا، في الوقت الذي يلجأ فيه الكثير من التجار للسماح لزبائنهم بالاستدانة، بالإضافة إلى تقديم تخفيضات وهدايا في حال شرائهم بمبالغ مالية معينة.
ويضيف أن الواقع الاقتصادي في القطاع بات قاسيًا كثيرًا على التجار، في ظل تراجع الأحوال الاقتصادية والمعيشية للسكان، وعدم وجود أي أفق بحل الأزمات التي يعاني منها أكثر من مليوني مواطن، بالرغم من المصالحة وتسلّم حكومة التوافق مهامها.
ومنذ نهاية مارس/آذار الماضي، تفرض السلطة الفلسطينية إجراءات تصفها الفصائل الفلسطينية بالعقابية تجاه سكان القطاع، تمثلت في تقليص الكهرباء الإسرائيلية الواصلة لها عبر التوقف عن دفع فاتورتها الشهرية، وخصم 30% من رواتب موظفي القطاع، وإحالة عدد كبير منهم للتقاعد.
تعويل على المصالحة
ويأمل الكثيرون أن تتوقف هذه الإجراءات مع إنجاز اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والذي جرى التوقيع عليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تسلمت الحكومة مهامها بشكل رسمي، إلا أن هذه الإجراءات ما تزال مستمرة.
يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، إن المشهد في القطاع يسير نحو المزيد من الانهيار، في ظل استمرار الأزمات الحالية واستمرار حالة الجباية من دون الوصول إلى حل ينهي أزمة موظفي غزة أو زيادة الإنفاق الحكومي على القطاع.
ويوضح أبو جياب، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن التراجع في الحركة الشرائية لدى المواطن الغزي أدى إلى تراجع واضح وملموس في حركة الاستيراد عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، الذي يمثل شريان حياة بالنسبة لتجار غزة.
ويلفت إلى أنه، ومنذ تسلّم حكومة التوافق إدارة المعابر ومهامها في غزة في أعقاب اتفاق المصالحة، تراجع حجم الواردات للقطاع من البضائع بنسبة تصل إلى 40%، حيث كان قبل ذلك متوسط حجم الشاحنات التي تصل إلى ما بين 650 إلى 750 شاحنة، في الوقت الذي وصلت عليه حاليًا 450 شاحنة إلى 500 شاحنة في أفضل الأحوال.
ويشير أبو جياب إلى أن إجمالي الإنفاق الحكومي شهريًا على القطاع كان لا يتجاوز 60 مليون دولار وجميعه متمثل في الإنفاق الخاص بفاتورة الرواتب، في الوقت الذي انخفض إلى النصف بنحو 30 مليون دولار، بعد الإجراءات الأخيرة، وهو ما تسبب في عجز واضح بالسيولة النقدية.
ويضيف أن القطاع يحتاج شهريًا إلى نحو 100 مليون دولار كسيولة نقدية متوفرة في أيدي السكان بمختلف الشرائح، كي يساهم ذلك في انتعاش الحركة والقوة الشرائية في الأسواق، وحتى لا يساهم في إغلاق المزيد من المؤسسات الاقتصادية.
زيادة الإنفاق
وحسب المختص في الشأن الاقتصادي فإن الحل الأمثل لحالة الكساد وتراجع القوة الشرائية يتمثل في قيام الحكومة بمسؤولياتها تجاه غزة، عبر زيادة الإنفاق الحكومي وتعزيز السيولة النقدية الموجودة، خصوصًا أن الحل الأمثل لدى أصحاب المنشآت والمصالح التجارية حاليًا هو التوقف عن العمل.
ويقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، سمير أبو مدللة، لـ "العربي الجديد"، إن الفترة الأخيرة شهدت أعلى نسبة للبطالة في غزة، حيث وصلت في آخر إحصائية إل نحو 46.6%، 60% منهم من الشباب، في الوقت الذي بلغت معدلات الفقر والفقر المدقع أكثر من 65%، في حين يعتمد أكثر من 80% من السكان على المساعدات الإغاثية.
ويشير أبو مدللة إلى أن الفترة التي أعقبت شهر مارس/آذار من العام الجاري زادت فيها حالة الكساد، لا سيما وأن الكثير من موظفي السلطة ملتزمون بقروض لصالح البنوك، وكانت نسبة الخصم التي تمثلت في 30% هي المحرك الأبرز للسوق المحلي.
وينوه إلى أن 80% من موظفي السلطة الفلسطينية ملتزمون بقروض لصالح البنوك، ما زاد من حالة الكساد، لا سيما وأن رواتب الموظفين تعتبر ركيزة أساسية للكثير من المشاريع والمصالح الاقتصادية العاملة في القطاع، في ظل غياب القطاع الخاص عن العمل.
ويرى أستاذ الاقتصاد أن إنجاز المصالحة وقيام الحكومة بمهامها في القطاع من شأنها إنعاش المشهد الاقتصادي، خصوصًا في حال دعمت القطاع الخاص الذي يعتبر المساهم الأكبر في ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يتطلب رفع الإجراءات، خاصة الخصومات المفروضة على الموظفين منذ تسعة شهور.
وعن إمكانية توقف المزيد من المشاريع والمصالح التجارية عن العمل في غزة، لم يستبعد أبو مدللة ذلك، خصوصًا في حال استمر المشهد الاقتصادي على حاله، لا سيما وأن الأزمة بدأت تطاول قطاعات وشرائح تجارية واسعة بفعل الإجراءات والعقوبات التي بدأت تلقى بظلالها على الجامعات والكليات، خاصة في ظل استمرار الحصار المفروض، للعام الحادي عشر على التوالي.