الكتاب السياسي: حاجة أم تقليد؟

11 ابريل 2016
كريستين توبيرا وهي تغادر الإليزيه، يناير2016 (Getty)
+ الخط -
على بعد أسبوع واحد من استقالتها من وزارة العدل الفرنسية، على خلفية ما اعتبرته خلافات سياسية كبيرة داخل الحكومة، وعلى ضوء الاختلاف الحاد حول قضية التعديل الدستوري الذي يهم بالأساس مقتضى التجريد من الجنسية، بالنسبة للمتابعين في قضايا الإرهاب، من ذوي الجنسية المزدوجة، أصدرت كريستين توبيرا، في بداية فبراير/شباط الماضي، كتابها الجديد "همهمات إلى الشبيبة".

الخروج المفاجئ لهذا الكتاب، بدا منسجماً مع ذكاء تواصلي جيد، وقعت عليه أيقونة اليسار الفرنسي، في تدبير مرحلة ما بعد استقالتها، سواء انطلاقا من جملتها الصغيرة القوية "في بعض الحالات، أن تقاوم معناه أن تصمد. وفي حالات أخرى أن تقاوم معناه أن ترحل، والتي صاغتها في تغريدة تاريخية، على تويتر، دقائق قبل استقبالها في الإليزيه من طرف الرئيس ورئيس الوزراء، للإعلان عن قبول استقالتها، أو من خلال ندوة صحافية فور تقديمها الاستقالة، وهو أمر نادراً ما يقع في حالات كهذه، تم أساساً من خلال خروج مشهدي سيظل عالقا في الأذهان، عندما غادرت بكل بساطة وزارة العدل بساحة "فاندروم" على متن دراجتها الهوائية.

قبل ذلك بقليل، وبالضبط في الأسبوع الأخير من يناير، شهدت الساحة السياسية الفرنسية صدور الكتاب الجديد للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، بعنوان "فرنسا: من أجل الحياة"، وهو الكتاب الذي يندرج في سياق العودة القوية لزعيم اليمين الجمهوري للمشهد الحزبي، وينخرط في أفق الانتخابات الرئاسية لعام 2017.

بالإضافة إلى الكتابين المذكورين، تتزاحم داخل المكتبات الفرنسية، العديد من الإصدارات الحديثة الموقعة من طرف زعماء وقادة سياسيين من مختلف الحساسيات والاتجاهات. آلان جوبيه عمدة بوردو؛ الوزير الأول السابق، والمرشح للرئاسة عن معسكر اليمين، يواصل إصدار مؤلفات توضح مشروعه السياسي، فبعد كتابه المخصص للمدرسة العمومية "مسالكي من أجل المدرسة " يصدر مؤلفا جديدا ضمّنه تصوره لطبيعة ووظائف الدولة الفرنسية "من أجل دولة قوية".

في مقال صادر في جريدة ليبراسيون الفرنسية (28 يناير/كانون الثاني 2016 )، يستعرض الكاتب الصحافي المعروف آلان دوهاميل ما يسميه "استراتيجية الكتاب السياسي"، لدى الطبقة السياسية الفرنسية، حتى أنه كاد يتحول إلى ما يسميه تقليدا أدبيا مواكبا للرئاسيات الفرنسية، منذ بدايات الجمهورية الخامسة.

والواقع أن هذا التقليد، يجر وراءه خلفية تاريخية عميقة لزواج معلن بين السياسة والثقافة في جمهورية الأنوار، جعلت كتابا كبار يلجون عوالم السياسة من بوابة الكتابة، كما شاءت أن يساهم كتاب وأدباء مشاهير آخرون، في لحظات مفصلية من تاريخ بلادهم السياسي من خلال منجزهم الروائي أو الأدبي.

بعيدا عن هذه الخلفية، فالكتاب السياسي هنا يعد تأليفا في باب الذاكرة، وليس جهدا تنظيريا يتطلب كفاءة خاصة، ولا عملا تخيليا يحتاج لحساسية أدبية رفيعة، ولا دراسة بخلفية أكاديمية وجامعية محكمة. إنه ببساطة مجرد مرافعة للفاعل السياسي دفاعا عن أفكاره ومشروعه وقناعاته، لكن في كثير من الحالات فإن شرط الراهنية والسياق السياسي الخاص لزمن الكتابة، لا يمنع من الحصول في النهاية على أعمال قوية استطاعت أن تتجاوز لحظتها التاريخية، لتصبح جزءا من كلاسيكيات الأدب السياسي الفرنسي، كما هو الحال مثلا بالنسبة لمؤلفات فرانسوا ميتران "الانقلاب الدائم/ نصيبي من الحقيقة"، أو كتاب بيير مانديس فرانس "الجمهورية الحديثة".

(كاتب وباحث مغربي)


المساهمون