الكاظمي أمام تحدي تنفيذ تفاهماته مع الأميركيين

22 اغسطس 2020
تفتح الزيارة مجالاً لتعقيد المشهد العراقي (شيب سوموديفيلا/Getty)
+ الخط -

تنتظر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تحديات عدة جديدة لدى عودته إلى بغداد، أفرزتها التفاهمات الأخيرة التي توصل إليها خلال لقاءاته في واشنطن مع المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب. ويأتي ذلك خصوصاً فيما تبدو إيران غير مرتاحة لهذه التفاهمات، وفق ما يؤكد مسؤولون عراقيون مقربون منها، معتبرين أن نتائج الزيارة زادت من حجم التدخل الأميركي في بلادهم، عبر العقود والاتفاقيات المختلفة التي وقعت، أبرزها مع شركات طاقة ونفط أميركية، فضلاً عن الاتفاق على عودة برامج وكالة التنمية الأميركية "يو أس إيد" إلى العراق. وتعتبر هذه الجهات أن الحديث عن انسحاب القوات الأميركية من العراق في غضون 3 سنوات، ثم الإعلان عن تشكيل لجان فنية لمتابعة الملف، ما هي إلا محاولة تخدير ومماطلة واضحة، لا يجب أن يتم التسليم بها كموعدٍ يُعطل أو يوقف مطالبات إخراج هذه القوات من البلاد.

تجتمع القوى العراقية الرافضة للوجود الأميركي بهدف تقييم الزيارة

وأكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أمس الجمعة، أن لقاءه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب كان مهماً وناجحاً، وأنه للمرة الأولى يرى "مواقف أميركية واضحة ومتفهمة لمطالب حكومة العراق". وقال الكاظمي إن اللقاء شهد "إعادة تقييم للوجود الأميركي" في بلاده، معلناً تأكيد ترامب الانسحاب الأميركي خلال 3 سنوات. وبيّن أن بغداد لديها فرصة للاستفادة من الشراكة مع واشنطن، تؤسس لعلاقة جديدة تبنى على أساس ندّي.

في المقابل، قال نائبان عراقيان عن تحالف "الفتح"، أبرز قوى المعسكر السياسي الحليف لإيران، إن أول شروط الموافقة على منح الثقة للكاظمي كانت إخراج القوات الأميركية من العراق، معتبرين أن الزيارة لم تحقق هذا الشرط. وكشف المصدران، لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعاً سيعقد خلال اليومين المقبلين بين أبرز القوى السياسية الرافضة للوجود الأميركي في البلاد، وهي "الفتح" بزعامة هادي العامري و"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، بهدف دراسة نتائج الزيارة، وبحث تفاهمات الكاظمي مع الأميركيين.

ولفت أحد المصدرين إلى أن الإيرانيين "غير مرتاحين" لنتائج الزيارة، ويجزمون أن ما تم الاتفاق عليه هو "أكثر من المعلن"، متحدثاً عن أن الزيارة التي أجراها أمس الجمعة، السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي إلى شخصية سياسية بارزة في العاصمة العراقية تعتبر حليفة لإيران، "من المرجح أنها أجريت لمناقشة زيارة الكاظمي".
وكان لافتاً نشر وكالة أنباء "فارس" الإيرانية بياناً، قالت إنه من "فصائل المقاومة العراقية"، وتهدّد فيه هذه الفصائل بتصعيد عسكري، في حال عدم انسحاب القوات الأميركية من العراق، وذلك بعد ساعات قليلة من انتهاء المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب والكاظمي في البيت الأبيض، أول من أمس الخميس. وذكر البيان أنه "بعد ذهاب رئيس الوزراء إلى أميركا، كنا ننتظر أن يعمل كما وعد بأن يمثل العراق الأبي وشعبه الغيور لتحقيق السيادة، لا أن يملى عليه من أحمق متفنن بسرقات الشعوب وإراقة الدماء، ليعود بمشاريع، بعضها تسويقية، وبعضها للنهب والسرقة والاستعمار والتوسع الجديد للهيمنة الأميركية على مقدرات العراق". وتابع البيان "نتفاجأ من أن زيارة رئيس الوزراء لم تتضمن تنفيذ قرار إخراج القوات المحتلة الأميركية بشكل كامل"، مضيفاً أنه "مع عودة رئيس الوزراء من غير تحقيق قرار الشعب والبرلمان والحكومة، وما قطعه من وعد على نفسه معنا ومع القوى العراقية بأن يكون رجل دولة بحجم العراق، يدافع عن سيادة بلده وينهي الاحتلال الأميركي، فإن المقاومة العراقية لها الحق القانوني والمشروع بالانتقال من مرحلة العمل المقاوم التدريجي، إلى مرحلة التصعيد واستهداف كل المصالح الأميركية وزلزلة الأرض تحت قواتهم المحتلة".

وفي ما بدا ترجمة سريعة لذلك في بغداد، أعلنت القوات الأمنية العراقية مقتل مدني بهجوم جنوبي بغداد، استهدف رتلاً عسكرياً لـ"التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة، كما أعلنت إحباط هجوم مماثل بصاروخين لاستهداف رتل عسكري آخر.
وحول ذلك، اعتبر القيادي في تحالف "الفتح" النائب كريم عليوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن نتائج الزيارة "لم تحقق الأهداف الوطنية المطلوبة من الكاظمي، خصوصاً في ما يتعلق بإخراج القوات الأميركية المحتلة، ما سيدفع البرلمان إلى استجواب رئيس الوزراء لعدم تطبيقه قرار البرلمان الذي صوّت عليه مطلع العام الحالي بإخراج القوات الأميركية من البلاد، والذي يعد قراراً ملزماً تطبيقه". ولفت إلى أن "بقاء القوات الأميركية في العراق فترة طويلة، سيدفع إلى تصعيد العمل العسكري من قبل بعض الفصائل ضدها، خصوصاً أن الوجود الأميركي يعتبر احتلالاً"، محمّلاً رئيس الوزراء "مسؤولية أي تصعيد في المشهد الأمني".

الإيرانيون غير مرتاحين لنتائج الزيارة، ويجزمون أن ما تم الاتفاق عليه هو أكثر من المعلن 

في المقابل، رأى القيادي في جبهة "الإنقاذ العراقية"، أثيل النجيفي، أنه "من الواضح عدم تلقي الفصائل المسلحة المدعومة من إيران نتائج زيارة الكاظمي إلى البيت الأبيض بصدر رحب"، جازماً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "هذه الفصائل ستصعد من استهدافها سياسياً أو عسكرياً لإفشال الكاظمي وأي اتفاق عراقي أميركي". وأضاف النجيفي أن "على رئيس الوزراء فرض إرادة الدولة العراقية، وألا تكون تلك الفصائل قادرة على ليّ ذراع الدولة وإجبارها على الانصياع لمطالبها".
ولفت القيادي في جبهة "الإنقاذ العراقية" إلى أن "الفصائل المسلحة المدعومة من إيران لن تتنازل بسهولة، لكنها في الوقت ذاته لا تمتلك أدوات كبيرة لفعل شيء كثير، خصوصاً إذا ما تصرف الكاظمي بحسم معها".

وتعليقاً على نتائج الزيارة، رأى الخبير العراقي إحسان الشمري أنها "تعتبر خطوة إلى الأمام بشكل عام"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن النتائج جاءت جيدة جداً على المستوى الاقتصادي، وخصوصاً بالنسبة للدعم الذي من الممكن أن يقدمه صندوق النقد الدولي للعراق"، مشدداً على "وجود رغبة متبادلة بين بغداد وواشنطن لإنعاش اتفاقية الإطار الاستراتيجي".
أما بشأن الوجود الأميركي، فاعتبر الشمري أن الكاظمي "توصل إلى نقطة وسط، عبر اشتراط زمني بتحديد 3 سنوات للانسحاب، وهو ما يعتقد رئيس الحكومة ربما أنه يلبي إلى حدّ كبير طموحات بعض الأطراف العراقية، خصوصاً حلفاء إيران والفصائل المسلحة، لكن خرج رفض استباقي واضح لها". ورأى أن "هذا الرفض سيعقد المشهد أمام الكاظمي لدى عودته إلى بغداد على مستوى تنفيذ الاتفاقيات أو إذا ما حصل استهداف للأهداف والمصالح الأميركية"، ما يجعل الأخير، بحسب رأيه، "أمام أزمات عدة سياسية أمنية، وقد تفتح مساحة لصراع جديد بينه وبين حلفاء إيران، تتجاوز السياسة، ما يضع المشهد البلاد أمام سيناريوهات عدة، وتشمل أصعدة مختلفة".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون