القرود والتكيُّف

25 اغسطس 2020
هاجمت القرود المنازل بعد ضمان قلة من يحرسونها(أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

ما كنت لأصدق تلك الحادثة لولا أنني رأيتها بأمّ عيني. كنت جالساً خلف المتدربين من سكان القرى حول محمية الدندر، في السودان، عام 2004، في واحدة من الدورات التدريبية التي هدفت إلى خلق سياج اجتماعي حول المحمية. ولأن موقع إعداد الطعام كان ملتصقاً بقاعة التدريب والمتحف الطبيعي في تلك الوحدة، التي أنشأها مشروع تطوير المحمية في معسكر (قلقو السياحي)، فقد كان من اليسير علي متابعة حركة قرود (التِّقِل) وهي تحوم حول المكان بحثاً عن الطعام، وهي التي تؤثر الاقتراب الحذِر من البشر ليقينها بأنها تكون في مأمن من المفترسات. والشاهد أنّ عريناً للأسود يقع أسفل المعسكر عند سفح الوادي، وأنّ أصواتها تصيب هذه القرود بالذعر، مثلما تخيف القادمين إلى المعسكر من السياح وطلاب العلوم بالجامعات، وأهل القرى الذين نجمعهم في كل مرة بغرض التدريب وتقييم أنشطتهم وتقويمها.
عثر أحد القرود على قطعة خبز وبصلة، فالتقط الأولى بيمناه والأخرى بيسراه، وبدأ يقضم جزءاً من هنا، وآخر من هناك، ليكتشف أنّ البصلة تحتاج جهداً أكثر لأكلها، وفي لقطة خاطفة نقلها إلى يمناه، بينما نقل قطعة الخبز إلى يسراه، وقد بدا أنه أكثر راحة ورضا.
أهو ذكاء القرود أم أنّ التجربة علمته أنّ يمناه أقوى من يسراه؟
أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة كاليفورنيا بالشراكة مع جامعة هارفارد، أنّ نمط التفكير ليس عادة إنسانية فقط، فالقرود قادرة على تعلُّم القواعد. وهناك تشابه في طرق التفكير، بعدما وجدوا تقارباً بين البشر وقرود (المكاك)، في ما يخص الاستدعاء الذاتي، تلك العملية التي تعني تكرار الشيء، وترتيب الكلمات أو الجمل أو الرموز التي تعبّر عن الأوامر أو المشاعر أو الأفكار المعقدة.

موقف
التحديثات الحية

حدّثنا أفراد حرس الصيد في ذلك المعسكر أنّهم تخلوا عن طابور الصباح، إذ كانوا يجتمعون إلى قائدهم بعد سماع الصافرة، التي باتت إشارة تنتظرها القرود لتهاجم الغرف ومخزن المؤونة. وأصبحت القرود تتواجد على الشارع الإسفلتي الرابط بين شرق ووسط البلاد، في ساعة محدّدة من النهار، في وقت مرور حافلات السفر، بعدما اكتشفت أنهم يتخلّصون من فضلات الوجبات في ذلك المكان بين الجبال، بما أنّ الأمر يتعلق بتكاثرها في ظلّ تناقص المفترسات في المحمية، وبتناقص كميات غذائها من منتوج الغابة.
حدث الأمر ذاته في دارفور، قبل سنوات، فعلى أثر الهجمة الشرسة على النمور من أجل استخدام جلودها في صناعة الأحذية الفاخرة، تزايد عدد القرود، وبات منتوج الغابة لا يكفيها، فهاجمت المزارع، وعندما استعان المزارعون بأفراد أسرهم لحراسة المحصول، هاجمت القرود المنازل بعد ضمان قلة من يحرسونها. 
وهذه وتلك من نتاج تدخل الإنسان السالب في المنظومات البيئية محدثاً الخلل في توازنها الطبيعي، وفي الوقت ذاته، تأكيد على قدرة المخلوقات على التكيُّف مع ما حولها من متغيرات.

المساهمون