بين حروب الداخل والخارج: القرار الأميركي الضائع لإدارة أضاعت بوصلتها

15 ديسمبر 2017
العشوائية والتخبط تغلب على صناعة القرار في إدارة ترامب(Getty)
+ الخط -

"عندما يكثر الطباخون تحترق الطبخة". مثل شعبي ينطبق تمامًا على واقع حال إدارة الرئيس، دونالد ترامب، هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى؛ فبعد مرور سنة تقريبًا عليها، ما زالت صناعة قرارها، وبالذات الخارجي، عشوائية ومتخبطة. تعدد وتنابذ مهندسي سياستها وتضارب غاياتها، أثار المخاوف من احتمال انزلاقها في مسارات يحذر المراقبون من مخاطرها الكبيرة، خاصة وأن الكوابح المعوّل عليها داخل الإدارة، بدت أحياناً غير قادرة على منع قرارات متهورة، مثل الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

في جولة خارجية قبل يومين، عرض وزير الخارجية ريكس تيلرسون على كوريا الشمالية الدخول في "حوار غير مشروط في جلسته الأولى". قال "إن الإدارة على استعداد للتحدث مع كوريا الشمالية وجهاً لوجه في أي وقت.. ولو عن حالة الطقس أو عن شكل طاولة التفاوض. المهم أن نتقابل". برّر طرحه الجديد بأنه "ليس من المعقول ربط التفاوض، بموافقة كورية مسبقة على التخلي عن برنامجها النووي الذي استثمرت فيه الكثير".

طرحه العملي يشاركه فيه جمهور واسع من خبراء السياسة الخارجية في واشنطن، الذين يرون أن على الولايات المتحدة التعايش في آخر المطاف، مع كوريا نووية مقيّدة بضوابط. وبذلك، أوحى الوزير بأن ثمة تحولاً هاماً قد جرى في سياسة الإدارة تجاه الأزمة الكورية، وأنها تركت لغة "التدمير" والحرب وعادت إلى لغة الدبلوماسية.

لكن قبل أن يجف حبر تصريحه، سارع أمس مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، الجنرال هربرت ماكمستر، إلى نسف مقاربة تيلرسون الجديدة، قائلاً إن كلامه جرى فهمه بصورة غير صحيحة. وخلافاً لطرح تيلرسون، شدد المستشار على وجوب التمسك بهدف "نزع النووي" الكوري.

من جهتها، انضمت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، إلى صفّ ماكمستر وعادت إلى التلويح بـ"تدمير" النظام الكوري لو اندلعت الحرب. وهذه ليست المرة الأولى التي تسارع فيها أصوات من الإدارة إلى نقض توجهات تيلرسون. ومنها الرئيس ترامب نفسه. ويبدو أن مثل هذا التصدي ليس صدفة، بقدر ما هو نهج متعمد لـ"تطفيش" تيلرسون من موقعه؛ نهج تكرر في أكثر من أزمة، وبالتحديد الكورية وحصار قطر. وثمة ضيق من استمراره وإصراره على البقاء حيث هو.

بيد أن أعطاب السياسة الخارجية ليست سوى جزء من حالة الاضطراب المتفاقم التي تعيشها الإدارة، بدءاً من أجواء البيت الأبيض وممارسة مهماته، وعلاقة دونالد ترامب مع الكونغرس، وبالتحديد مع الجمهوريين، وانتهاء بملف التحقيقات في الاختراقات الروسية.

الحديث عن الانفلات والتوتر داخل البيت الأبيض، لم يعد سراً، وقد تكشف الكثير منه في استبيان أخير، كما في الاستقالات من الصف الثاني، والتي كان آخرها أمس في مغادرة مديرة مكتب الارتباط العام، أوماروزا نيومن، من منصبها، بعد "عدم ارتياحها لما رأته" كما قالت. وحسب بعض التقارير، فإنه ربّما يكون قد جرى دفعها للاستقالة "بسبب لون بشرتها السوداء". 

وما يزيد من القلق، ما تذكره التسريبات بأن ترامب يقضي القسم الأكبر من وقته (4 ساعات أو أكثر) في متابعة أخبار الشاشة "ليرصد الانتقادات ضده ويرد أو يوجه بالرد عليها". ورافق ذلك تجدد الحديث عن "تحرشاته" السابقة بعدد من النساء، حضرت ثلاث منهن قبل أيام في أحد البرامج المتلفزة، وأدلين بإفاداتهن حول ما تعرضن له. ويأتي ذلك وسط انفجار قضايا الشطط الأخلاقي التي أطاحت مؤخراً بثلاثة من رجال الكونغرس، منهم سيناتور ونائبان؛ فضلاً عن الإطاحات المماثلة التي طاولت شخصيات بارزة في وسائل الإعلام وشركات الإنتاج السينمائي.

بموازاة ذلك، عادت السخونة إلى ملف التحقيقات من خلال حملة منظمة، خاصة في الكونغرس يقوم بها الجمهوريون، لإقالة المحقق الخاص، روبرت مولر، الذي يبدو أن عملية نبشه بدأت تقترب من العصب الحساس. 

على هذه الأرضية، يتزايد القلق في واشنطن من "الأوقات الحرجة" التي تمر بها أميركا، ومن "الزمن الخطير" على حد تعبير وزير الخارجية السابق جون كيري. تلميحات يرافقها التحذير من احتمال الوقوع في مأزق دستوري، سواء أفضت التحقيقات إلى الكشف عن فضيحة أم لا. الخشية من الآتي، عنوان الحديث في واشنطن.