القدس في عين الصهيونية

18 نوفمبر 2014
+ الخط -

 من الأخطاء القاتلة تبسيط النظرة إلى موضوع المدينة المقدسة، في إطار الصراع العربي – الإسرائيلي، واعتبارها جزءاً هامشياً من الصراع، لأن القدس تشكل أهم عنصر في أيديولوجية الصراع، وليس التناقض التاريخي والعقائدي والحضاري لأطراف الصراع فحسب. إضافة إلى أن من الخطورة تقزيم طبيعة الصراع حول القدس، وإطلاق مصطلح "الخلاف حول القدس" عليه، فالحقيقة أنه ليس خلافاً، لكنه صراع بين وجودين مضادين تاريخيين، تشكل القدس فيه جوهر الصراع، والانتفاضة الشعبية المتواصلة منذ أشهر في القدس المحتلة خير دليل على ذلك.

ويتضح أمام المتأمل للمواقف السياسية والممارسات والمخططات الاستيطانية الرسمية الصهيونية، والمتعلقة بمدينة القدس، النموذج العملي الساطع لتطبيق المشروع الصهيوني، وركيزته إقامة دولة لليهود في فلسطين.

فما أعلنه ويعلنه قادة العدو الصهيوني، منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، أن القدس الموحدة ستبقى العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني، ينسجم مع حقيقة المخطط الصهيوني في السيطرة على المدينة المقدسة، لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وهو ما أكده إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الصهيوني السابق، حيث قالها واضحة: "بدأت معركة القدس"، وذلك تعبيراً عن إجراءات مادية وعملية لضم القدس وتهويدها من خلال تطويقها بالأحزمة الاستيطانية، وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وسحب الهويات المقدسية والتغييرات الجغرافية والديموغرافية التي دأبت إسرائيل على تطبيقها، منذ بداية الاحتلال عام 1967.

كما أن الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة، بدأت العمل على هدم المسجد الأقصى بترويج معتقد أصولي يهودي، يؤكد ضرورة هدم المسجد الأقصى قبل بدء الألفية الثالثة، وإقامة الهيكل على أنقاضه، ومباركة الحكومة الإسرائيلية لهذا الطرح، وتشجيعه من خلال سماحها بإقامة المؤتمر السنوي السابع لـ"حركة إعادة بناء الهيكل"، حيث أقسم آلاف اليهود على هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم مكانه لوضع العالم كله، بما في ذلك الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية أمام أمر واقع، مفاده بأن القدس جزء من الكيان الصهيوني!

وإذ يظن بعضهم أن الاستيلاء على المدينة المقدسة والشروع بإجراءات الضم والتهويد وإلغاء صبغتها الإسلامية والشروع المبكر والمستمر لتغيير تركيبتها السكانية، والسعي إلى تحويلها إلى مدينة "مليونية يهودية" ارتبط وتزامن مع بداية الاحتلال الكامل للمدينة عام 1967. إلا أن الحقيقة التي تثبتها وقائع الحركة الصهيونية، وتصريحات قادتها، تؤكد أن تلك النوايا والمخططات كانت مبيته قبل ذلك التاريخ بعشرات السنين، وإن نتنياهو وشارون وباراك وأولمرت وبيريز ورابين لم يكونوا وحدهم التلاميذ النجباء للحركة الصهيونية، إذ سبقهم آخرون، وجميعهم يترجمون على أرض الواقع أقوال ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال في سويسرا عام 1897 الذي قال:

"إذا حصلنا يوماً على القدس، وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، سوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها، وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها القرون".

avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)