القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية

13 نوفمبر 2014
+ الخط -

نعم.. القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية؛ هذه مبادرة تحتاج إلى من يتبناها لتكون واقعاً.. فمن يفعل؟

عندما أعلنت القدس عاصمة للثقافة العربية في 2009، انتظرتُ مضي نصف ذلك العام، تقريباً، لأبدأ برصد ملاحظاتي على المشهد الثقافي العربي، وتفاعله مع الحدث، في معطياته الثقافية والفكرية والإبداعية والسياسية. أصبت بخيبة أمل كبرى، على الرغم من أن كل ما رصدته كنت توقعته وكثيرون غيري، لكن شعوراً بالأمل يسكنك دائماً، تتغير معه ظنونك السيئة بالمستقبل، مهما كانت واقعية.

يومها، كتبت مقالة سجلت فيها استغرابي الشديد، لأن أحداً من مسؤولي الثقافة في بلاد العرب الواسعة لم يحاول أن يستغل الحدث، ففي حين فضل كثيرون الصمت، وتجاهل خبر اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، اكتفى بعضهم بتنظيم احتفاليات ذات طابع مهرجاني، تعتمد على الكلمات والشعارات والخطب الرنانة والأغنيات الحزينة، و"سنرجع يوماً إلى حينا.. هكذا خبرني العندليب"، وكفى. لم يكلف أحد من مسؤولي الثقافية العربية نفسه بالبحث عن احتياجات القدس، كعاصمة للثقافة العربية، فضلاً عن توفيرها، لتعزيز ذلك الدور على أهميته. ولم تجد جامعة الدول العربية، بجلالة قدرها، سوى الاشتراك بالزفة المجانية الصاخبة باسم القدس عبر احتفاليةٍ، كانت الخطب الرنانة مادتها الرئيسة، بل الوحيدة.

ومضى ذلك العام من دون أن نتمكن من رصد فعالية ثقافية عربية واحدة بمستوى الاستحقاق بشقيه، الثقافي والسياسي. وكانت الشعارات وحدها الحصاد في النهاية. انتهت السنة، وانتقل الشعار إلى عاصمة عربية أخرى، وانفض المولد بلا حمّص! وتركت القدس تواجه مصيرها، بشجاعتها الفردية، في وجه التوحش الصهيوني المسلح. وبدلا من التفكير العربي المؤسساتي بالمساهمة في تأسيس بنى تحية ثقافية في القدس، وغيرها من مدن فلسطين الأخرى، والتي كانت، وما زالت، عرضة للأسرلة والتهويد، وتغيير هويتها العربية، على المدى البعيد، ترك الأمر بغير قصد، وربما أحياناً بقصد، للجانب الصهيوني، لكي يكمل مشروعاته المعلنة والمضمرة لتشويه الواقع العربي والإسلامي والمسيحي لتلك المدن، وإضفاء الصبغة الإسرائيلية عليها، بشتى الطرق والوسائل.

وعلى الرغم من أن اليونسكو سجلت القدس على لائحة التراث العالمي المعرض للخطر منذ العام 1981، إلا أن ذلك الإجراء الذي جددته المنظمة، مرات عديدة لاحقاً، بصور مختلفة، لم يردع إسرائيل من تكرار محاولاتها الدؤوب لتسجيل القدس موقعاً إسرائيلياً يهودياً على لائحة التراث العالمي لليونسكو.

وواضح أن الحكومات العربية تعتبر المسألة سياسية خالصة، وخاصة بالفلسطينيين، ففي كل محاولة صهيونية للاعتداء على الأقصى، يمر الأمر ببساطة على تلك الحكومات، وربما من باب ذر الرماد في عيون الشعوب، التي عميت من كثر ما ذر فيها من الرماد، تصدر الدول العربية بيانات شجب واستنكار، وأحياناً يُكتفي ببيان خجول تصدره الجامعة العربية.

أمر القدس يخصنا جميعاً، عرباً، ومسلمين ومسيحيين. وإذا كانت الحكومات العربية قد تخلت عنها تحت وطأة الأثقال السياسية المتعلقة بها، والتي لا تستطيع أو لا تريد التعامل معها كما يبدو حالياً. فعلى المثقفين العرب، أفراداً وجامعات ومؤسسات ثقافية أهلية، ألا يخضعوا للمنطق الحكومي، أن يعملوا على ترسيخ فكرة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية.

نعم .. أدعو، بوضوح ومباشرة، إلى مبادرة يتبناها كل من يهمه أمر القدس، من أفراد ومؤسسات، للعمل على أن تكون القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، ولو بإلغاء الفكرة التي أقرتها اليونسكو، قبل سنوات، باعتماد مدينة عربية تكون عاصمة العرب الثقافية عاماً وبالتناوب. القدس أولى أن تكون العاصمة الثقافية الوحيدة للعرب، لعل ذلك يساهم في التخفيف من التغول الصهيوني ضدها، فما دمنا غير قادرين على التوحد عربياً للعمل على تحريرها، على الأقل، علينا أن نتوحد في الدفاع عن وجهها الثقافي العربي. فهل نفعل؟

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.