الفساد يمنع إقرار قانون سلامة الغذاء في لبنان

14 أكتوبر 2015
من التحركات ضد النفايات في لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -
مواد منتهية الصلاحية، مواد ذات جودة متدنية، حبوب وأغذية فاسدة، مواد مسرطنة، تهريب، حدود غير مضبوطة، تواطؤ جهات رسمية، سوء إدارة، غياب الرقابة، وأخيراً أزمة النفايات التي رفعت حجم المخاطر على غذاء ومياه اللبنانيين... عوامل ترمي عددا كبيرا من اللبنانيين في غرف المستشفيات.

محمد، سلام، ورد وإيهاب، جميعهم أطفال، وللمفارقة هم أطفال أهلهم فقراء أيضاً. هؤلاء توزعوا على مستشفيات بيروت وضواحيها، بسبب الغذاء الفاسد، وهناك المئات من الأطفال الذين يدخلون سنوياً إلى المستشفيات للسبب نفسه.

يقول والد ورد، الطفلة التي لم تتجاوز السابعة من عمرها، أنها أكلت "لوحاً من الشوكولا" من أحد المحال في منطقة حي السلم، وعند السؤال عن صلاحية المنتج، يجيب الوالد بأن الصلاحية غير منتهية لكن شكل "الشوكولا" من الداخل كان غير مطمئن.

وللغوص أكثر في ملف تجارة الموت أجرت "العربي الجديد" حديثاً مع الخبير الاقتصادي الدكتور غالب أبو مصلح، والذي يؤكد أن "الخلل في سوء الغذاء لا نستطيع حصره في إطار واحد، فالخلل في النظام ككل، فالحدود متفلتة من الضوابط، والتاجر يستطيع رشوة الموظفين والمؤتمنين على صحة المواطنين، كما أن القضاء غير قادر على القيام بواجباته ودوره الرئيسي مغيب". وهنا، يضيف أبو مصلح، "لا نستطيع أن نضع المشكلة ضمن جهة واحدة ولا نستطيع أن نقول إن المشكلة في عدم وجود رادع لدى التجار، فهذا غير موجود في أي دولة. القضية الأساس تكمن في المحاسبة الغائبة".

من جهته، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي إلى أن المشكلة تبدأ عبر المرافق الحدودية، حيث إن على الضابطة الجمركية التحقق من سلامة المنتجات الغذائية الداخلة إلى البلد، وعليها التحقق من صحة الفواتير وصلاحية المواد الغذائية. وبعد ذلك، "ولو افترضنا أن البضائع دخلت الحدود ووزعت على الأسواق، هنا يأتي دور وزارة الاقتصاد، وذلك من خلال جهاز حماية المستهلك، الذي عليه القيام بدوره أيضاً. أيضاً هناك دور على وزارة الصحة أن تقوم به".

وعن خطوط الاستيراد غير المراقبة (سوق التهريب) يوضح يشوعي أنها "ربما تكون أكبر من السوق المنظمة، وهذا الأمر خطير بالشكل والمضمون، حيث بإمكان التاجر تهريب البضائع الفاسدة من جهة، والتهرب من الضرائب من جهة أخرى، مما يسبب ضرراً للمواطنين قد يؤدي للموت، إضافة إلى ضعف الثقة بالمنتج، وبالتالي حصول خلل في الدورة الإنتاجية والاقتصادية".

الغذاء الفاسد هو الأكثر ربحيةً للتجار، بهذه العبارة يبدأ رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان الدكتور زهير برو حديثه لـ "العربي الجديد"، ويعلل أسباب الربح الذي يجنيه التجار، بسبب نهاية صلاحية المواد أو التلاعب بالمنتج، وتباع هذه المواد في المناطق الفقيرة. ويحمل برو المسؤولية للجمارك، ولحراس الحدود البرية والبحرية والجوية، ويضيف أن حملة وزير الصحة وائل أبو فاعور كشفت حجم المشكلة الهائل. وهذه قمة جبل الجليد وفي العمق هناك مصائب.
ويقول برو "المصدر الرئيسي للغذاء في لبنان حوله علامات استفهام، فكل أشكال الاستيراد تغيب عنها الرقابة من الحبوب والأجبان والألبان". وعن الصناعات المحلية يقول برو إن الرقابة جزء صغير من الموضوع، المشكلة الأساسية غياب قانون سلامة الغذاء، الذي يضمن سير عملية الاستيراد والإنتاج الداخلي بشكل صحي وسليم. وهذا القانون لم يقر بسبب المحسوبيات الطائفية والفساد.

وعن شروط التصنيع الجيد والتي ترتبط بسلامة الغذاء يشير برو إلى أنها لا تتجاوز الأربعين شركة، وهذا العدد صغير جداً مقارنة بحجم المؤسسات والشركات. وعن المتضررين يقول برو إن الشعب اللبناني كله يتضرّر وخاصة المناطق الفقيرة والمناطق التي يوجد فيها مهجرون سوريون، حيث يستغل التجار الكبار عوز وفقر هؤلاء ويبيعونهم موتهم بالمال.
المساهمون