الفساد الانتخابي... حاجز الإصلاح السياسي في الدول العربية

05 سبتمبر 2016
يشكل الحقل السياسي العربي بيئة حاضنة للفساد السياسي (Getty)
+ الخط -
يعتبر الفساد أحد أبرز الإشكاليات التي تواجه الدول العربية، حيث تفشى بشكل كبير في جميع مناحي الإدارة العامة، وتحوّل من حالات استثنائية إلى أسلوب في التدبير يتجاوز القوانين والمعايير الأخلاقية.

بذلك، يُعرف الفساد على أنه سوء استعمال السلطة والنفوذ بهدف الحصول على مصالح خاصة، تؤثر سلبا على الدولة، باستنزاف مواردها وتشويه صورة القطاع العام المرتبط بتقديم خدمات للمواطنين والاتصال المباشر معهم.

وبناء على ما تقدم، يؤدي الفساد إلى انحراف أهداف الدولة، عبر اغتيال المسار التنموي في الدول والاحتيال على المواطنين المتضررين بأثره، ناهيك عن ما يتسبب فيه من انتشار لصورة نمطية عن الإدارة العامة باعتبارها عماد الدولة، ويترتب عنه اندثار لتكافؤ الفرص وتدمير لثقافة الاستحقاق والإتقان، بل ينتشر الإحباط واللامبالاة في المجتمع مع تدمير واضح لمنظومة القيم ولمصداقية مؤسسات الدولة.


وفي تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية يكشف عن الفساد في الدول العربية، نجد أن الصحة والقضاء والخدمات المحلية هي بؤر الفساد في العالم العربي. وباعتبار أن الفساد الإداري والمالي أصبح متفشيا في الدولة معتمدا على أدواته التي تتجاوز القوانين، فإن إرساء إصلاح إداري متكامل يعد ضرورة ملحة لمكافحة الفساد، وليستعيد القطاع العام مكانته باستراتيجيات هادفة وبرامج طموحة، مما يدعم النمو الاقتصادي وخلق الثروة.

وفي ذات السياق، خلص التقرير إلى أن الفساد السياسي هو "أصل أنواع الفساد الأخرى"، ويشكل تهديدا مباشرا للديمقراطية وحكم القانون، خاصة في الدول التي تعرف انتقالا ديمقراطيا.

وأشار إلى أن مؤشرات الفساد السياسي لم تتراجع رغم الإصلاحات الدستورية والقانونية، والتي حصلت بعد موجة الربيع العربي. موضحا جوانب القصور والخلل التي استمرت، رغم الإصلاحات التي عرفتها بعض الدول العربية، سواء على مستوى مبدأ الفصل بين السلطات، أو واقع السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، أو نزاهة الانتخابات، وإدارة الممتلكات والأموال العامة، وواقع المؤسسة الأمنية، ومؤسسات أجهزة الرقابة العامة وفعاليتها، وعلى مستوى الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، ثم الإعلام.

على هذا النحو، يعتبر الفساد الانتخابي أعتد أنواع الفساد السياسي، ويرمي إلى تغيير نتائج الاقتراع وتحويل وجهة الإرادة الشعبية، المعبر عنها بحرية ونزاهة، إلى حيث يريد المنتفعون من الأوضاع القائمة والرافضون لسيادة قانون التداول السلمي على السلطة. فهو بذلك، كل عملية تحايل أو تهديد أو شراء تستخدم للحصول على أصوات الناخبين، وهذه العمليات كثيرة ومتعددة يدخل في نطاقها الكذب على الناخبين أو دفع مقابل لهم لشراء أصواتهم أو استعمال القوة أو التهديد أو الابتزاز إزاءهم، إلى غيرها من وسائل التحايل والشراء والتهديد.

وفي ذات النطاق، يعرف الفساد السياسي كمجموعة التصرفات أو السلوكيات التي لا تتقيد بأي مبادئ أخلاقية صادرة من أفراد أو هيئات تنتمي للمجتمع السياسي. وهذه التصرفات غالبا ما ينظر إليها أو يحكم عليها المجتمع المدني بكونها سلوكيات مشينة وسلبية، غير متوقعة أو غير معقولة، صادرة من أفراد أو هيئات مهمتهم الأصلية هي الإصلاح لا التخريب، وتتجلى مظاهر الفساد السياسي في تنصل المنتخبين من القيام بالمسؤولية، لاسيما منها مسؤولية مراقبة الجهاز التنفيذي.

وتكمن خطورة الفساد الانتخابي في شراء الذمم والأصوات عن طريق تدجين وترويض المواطنين للقبول بالفساد من خلال بيع ذممهم لقاء مبلغ من المال أو لقاء وليمة أو بعض المواد الغذائية والأجهزة الإلكترونية، فيقبل المواطن بإعطاء ثقته لمرشح يعلن جهاراً نهاراً أنه فاسد وراشٍ ويترشح لخدمة مصالحه الشخصية لا أغراض العامة من الناس.

علاوة على ما سبق، يشكل الحقل السياسي العربي بيئة حاضنة للفساد السياسي، حيث يعاني  من ظاهرة تناسل الأحزاب المصاحبة لتماثل إيديولوجي في المرجعيات والبرامج السياسية، وذلك ناجم عن صراعات داخلية متعددة حول الارتقاء في المناصب والترشيحات الانتخابية، مع وجود فساد نخبوي كبير، يعيق التواصل مع المجتمع، ويضعف العرض السياسي المقدم للمواطنين.

كما أن الأحزاب العربية تعرف شيخوخة مهولة للقيادات، ونكوصا واضحا في الديمقراطية الداخلية. وترتبط هذه الخصائص بجذور الأحزاب التي كانت صنواً للزوايا الدينية والقبائل العشائرية، ويصبح بذلك رئيس الحزب شيخاً ومريداً يتفرد باتخاذ القرارات، ويبحث عن طاعة الأعضاء، بدل التوافق والتشاركية في تدبير الحزب، الأمر الذي يجعل مؤسسات الحزب عاجزة عن الوصل والفصل في شؤونه، وتحتاج إلى هيكلة شاملة تحفظ التوزيع المتوازن للسلطات.

كما تعاني الأحزاب العربية من ظاهرة الترحال الحزبي، فيكون المرء يساريا ويتحول في وقت وجيز إلى إسلامي أو ليبرالي، فقط لأنه لم يحصل على تزكيات من حزبه ولم يتم التقدم به كمترشح.

ختاما، تكمن خطورة الفساد الانتخابي والسياسي عامة في استمرار عزوف الشباب العربي عن المشاركة السياسية، فقد أثبت الحراك العربي أن الشباب يمتلك وعياً سياسياً، ويكترث بالمسألة الحقوقية والحريات أساساً للعيش المشترك وللعقد الاجتماعي.

وقد تصدّر الشباب المشهد العام للحراك الذي عرفه العالم العربي، وقاد الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية بتفاعل كبير مع تطلعات الجماهير، على الرغم من غيابه عن الانتماء الحزبي والمشاركة العضوية. كما يرفض هذا الشباب بشدة المشاركة في مسلسلات انتخابية هزلية يؤطرها العبث ويسودها الفساد بتوظيف المال السياسي وشراء الأصوات، فيمثل الشعب في مؤسساته الفاسدون والساعون للمصالح الشخصية، الأمر الذي ينعكس على استقرار الوطن وتنميته.

(المغرب)
المساهمون