الـ "بريكست" يعيد بريق المعادن

11 يوليو 2016
عودة قوية للذهب (رزوان تاباسوم/ فرانس برس)
+ الخط -
ارتفع سعر الفضة ما يقرب 16% في ثلاثة أيام من التداولات، مطلع الشهر الحالي، ليعيد زخماً كان مفقوداً إلى المعدن النفيس، حيث بدأ المستثمرون بشرائه بشكل مكثف بعد أن بلغت عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات مستويات متدنية جديدة. تبعاً لذلك، تجاوز سعر الفضة حاجز العشرين دولاراً لأول مرة، منذ صيف عام 2014، حيث يعد ذلك أكبر مكاسب يحققها، لثلاثة أيام متتالية، منذ أكتوبر/تشرين أول من عام 2015.

شجع تراجع عائد سندات الخزينة الأميركية لأجل 10 سنوات (حالياً 1.38% وفي أدني مستوياته في أربعة أعوام) المستثمرين على توجيه استثماراتهم إلى الذهب والفضة على الرغم من أن عوائد سندات الخزينة لا تبقى في العادة متدنية لفترة زمنية طويلة.
وبالمثل، انخفض العائد على السندات البريطانية لأجل 10 سنوات لأدنى مستوى على الإطلاق، بعد تصويت البريطانيين لخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي وفق ما اصطلح على تسميته بـ "بريكست"، حيث هبط بمعدل 36 نقطة أساس ليلامس مستوى 1.01%، وهو الأدنى على الإطلاق.
ولم تسلم السندات الألمانية لأجل 10 سنوات من انهيار سوق السندات العالمية ليهبط عائدها أدنى الصفر للمرة الأولى على الإطلاق، لتلحق نظيراتها في اليابان وسويسرا بعوائد سالبة على سنداتها.

والمعروف أنه كلما تقلصت حوافز المستثمرين لشراء سندات الخزينة مع تراجع عوائدها، كلما أصبح الذهب والفضة من الأصول الاستثمارية المرغوب فيها بشكل أكبر. إذ يتأثر الذهب والفضة إيجاباً بانخفاض الفائدة على سندات الخزينة، نتيجة انخفاض تكلفة حيازة الأصول التي لا تدر عائداً ثابتاً كما هو الحال بالنسبة للذهب والفضة، الأمر الذي يرفع من احتمالية ارتفاع سعريهما في المدى المنظور.
وقد استفادت المعادن الثمينة من المخاوف التي أثارها قرار المملكة المتحدة المتعلق بخروجها من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تراجع الإقبال على المخاطرة التي شهدتها أسواق الأسهم العالمية، خلال الجلسات القليلة الماضية، في ظل تصاعد القلق حول ما إذا كان الاقتصاد العالمي ينحدر نحو الركود. وبينما لا تزال العديد من الشكوك تتملك المستثمرين حيال الكيفية التي ستخرج بها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتداعيات التي سيُسببها هذا الخروج على الاقتصاد الأوروبي والعالمي، فإن هذا الغموض من المرجح أن يستمر في هز الأسواق المالية، وفي ذات الوقت، أن يعيد للذهب بعضاً من بريقه المفقود.
في الوقت الراهن، قد تكون الفرصة مهيئة للذهب من أجل "وقفة لالتقاط الأنفاس" بعد الارتفاع الكبير الذي طرأ على سعره وبواقع 9% خلال الشهر الماضي، ليعاود الصعود بثبات في النصف الثاني من العام الحالي ضمن نطاق سعري جديد يتراوح بين 1400 و1450 دولاراً للأوقية بحلول نهاية العام.
وعلى الرغم من أن الظروف الأخيرة لعبت دوراً كبيراً في عودة الجاذبية الاستثمارية للمعادن الثمينة، لكن لا يزال أمام الذهب والفضة طريق طويلة من أجل عودتهما إلى مستويات الأسعار التي شهدتها أسواق المال قبل نحو خمس سنوات عندما لامس الذهب، ولأول مرة في تاريخه، مستوى الـ 1911 دولاراً للأوقية، في حين كان سعر الفضة يحلق قريباً جداً من عتبة الخمسين دولاراً في شهر أبريل/نيسان من عام 2011.

وكما كان متوقعاً، جنت الفضة مكاسب التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسجلت تفوقاً واضحاً في الأداء خلال الشهر الماضي مقارنة بالذهب (16% للفضة و9% للذهب)، ذلك أن معدن الفضة، على عكس الذهب، يستخدم على نطاق واسع في العديد من القطاعات الصناعية، ويستفيد، كذلك، من ارتفاع الطلب على المعادن الأساسية، مثل النحاس. علاوة على ذلك، عادة ما تكون الفضة أقل حساسية لمخاطر التداولات اليومية التي غالباً ما أدت إلى تأرجح أسعار الذهب في اتجاهين متضادين في كل مرة تمر فيها أسواق الأسهم والسلع بحالة من المد والجزر.
وبصرف النظر عن صعود محتمل للدولار الأميركي، فإن واحدة من المخاطر الكبرى التي تواجه المعادن الثمينة على المدى القصير هي عملية عميقة لجني أرباح. مقابل ذلك، فإن بيانات الوظائف الأميركية تكشف نتائج أضعف من المتوقع ما قد يقلل من فرص قيام الفدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة، على الأقل لما تبقى من العام الحالي، الأمر الذي سيمثل خبراً ساراً بالنسبة للمعادن الثمينة.

أمام هذه التحديات، لا تملك البنوك المركزية العالمية، في الوقت الراهن، خياراً لتخفيف سياساتها النقدية، فالاحتياطي الفدرالي الأميركي كان يخطط، حتى وقت قريب، لرفع سعر الفائدة مرتين خلال هذا العام، لكن بالتأكيد لن يكون إجراءً مثالياً، اليوم، في ظل الظروف الاقتصادية القائمة.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون