الغاز المصري.. أحلام واحتكارات

01 مارس 2018
+ الخط -
أعلن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن صفقة اعتبرها يوم عيد سيجلب الرفاهية للإسرائيليين، واصفا إياها بالصفقة التاريخية والعملاقة، إذ تزود إسرائيل بموجبها مصر 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وقال إنها تمتد عشر سنوات، وقيمتها 15 مليار دولار، لافتا إلى أنها تعتبر أكبر صفقة بين مصر وإسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام، وستدر المليارات على خزينة الدولة العبرية، وأنّ هذه الأموال ستخصص للتعليم والصحة والرفاهية، لتخرج علينا بعد هذا الإعلان أبواق في مصر تشيد بالصفقة وتصفها بالصفقة الرشيدة.
من المضحكات المبكيات أن تخرج علينا الحكومة المصرية، لتعلن أنها فوجئت بصفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، مثل الرأي العام، وأنها لم تطلع على أوراقها وبنودها حتى الآن! مع العلم أن الحكومة في 13 من فبراير/ شباط الماضي، أي قبل الصفقة بأيام معدودة أصدرت لائحة تنفيذية لقانون يسمح للقطاع الخاص، باستيراد الغاز الطبيعي وبيعه، ما يجعلنا نطرح أسئلة تحتاج إلى إيضاح: هل في مصر دولة داخل الدولة؟ وهل تمكنت، إلى هذا الحد، من مفاصل القرار وانفردت به؟ وكيف يحدث ذلك، وبالأمس القريب، أعُلن في افتتاح حقل "ظهر" للغاز أنّ مصر ستصل، في نهاية هذا العام الحالي، إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي من الغاز؟ وأن مصر لن تستورد أي متر مكعب من الغاز بعد ذلك؟ لتزداد حالة الضحك والبكاء، عندما أعلنت الحكومة "أنها على استعداد لنقل الغاز القبرصي، وليس الغاز الإسرائيلي فقط"، لنقول للحكومة إن هناك فرقا بين النقل والإستيراد، فهل يعقل أن نستورد الغاز لكي نصدره؟
يعتمد صانع القرار في مصر على الحلول الإقتصادية السريعة التي وضعتها له الإحتكارات الإقتصادية الكبرى، على أمل أنها ستنهي مشكلاته وأخطاء السنوات الماضية، ما جعلته يقع في أخطاء أكبر يصعب حلها، تلك الاحتكارات التي تحالفت مع البورجوازيه الكبرى داخل مصر، البورجوازية التي هي في حقيقتها من صنع الرأسمالية التي احتلت البلاد، فمصر تعتبر من أوائل الدول التي تخضع لعمليات دمج واستحواذ على نطاق واسع، وما نخشاه أن تصبح نموذج للاحتكار حيث العمل متواصل، ليتم إجهاد المنشآت الكبيرة والمتوسطة في الحجم والطاقة والإنتاج، حتى ينتهي الأمر باندثارها أو ارتباطها واندماجها في الشركات الكبرى العالمية التابعة للمسيطر الأجنبي، وذلك هو الأصعب، وهذا ما لا يدركه صانع القرار في مصر، فالمحتكر والمسيطر الاقتصادي الأجنبي يحاولان الآن جاهدا اللعب على مسرح الأحداث السياسية والاقتصادية المصرية، مستغلا ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية، من خلال وسطاء يقومون بالدور نفسه، وتنفيذ أجندته للسيطرة على اقتصاد البلاد، تحت بند "التعاون" بين الرأسمالية المصرية والرأسمالية الأجنبية الصديقة، التي هي في حقيقتها الرأسمالية المحتكرة، مستغلا حجم وكم التداخل والتشابك واختلاط الاستثمارات المالية وتعقدها في المشروعات والشركات والبنوك وغيرها.
الوليمة الأكبر التي تريد أن تلتهمها إسرائيل، هي حقول الغاز والنفط العائمة في البحر المتوسط، والمزمع بناؤها من دون النظر إلى الحدود الدولية والإقليمية للدول العربية المجاورة، فالتسريبات والخرائط توضح الحجم الهائل من الاحتياطيات، سواء كان الغاز أو البترول في تلك المنطقة، فتلك الصفقة تؤكد ذلك ببساطة، لتثبت إسرائيل أنّ حقل ظهر وغيره من الحقول ليس ملك مصر وحدها بل هي شريك فيه، فالشراكة هنا لا تعني المقاسمة بل لها صور متعددة، وما حدث نوع منها، وليس كما يزعم البعض، بأن إسرائيل في أشد الإحتياج لمصر، لأن ما تنتجه من غاز لا يمكن تصديره إلا بعد إسالته في مصر، بحجة أن مصر تمتلك محطات التنقية والإسالة، وإذا لجأت إسرائيل إلى خطوط أخرى سيكلفها أكثر وسيكون غير جدوى.
صفقة الغاز بهذه الصورة، رسالة مفادها، أن مشروعات التنقيب المستقبلي للغاز في مصر، أصبحت من فكر وأحلام الماضي ولن تكون واقعا، ألم يكن من الأولى أن توقع مصر اتفاقا لتعيين حدودها البحرية مع إسرائيل وتصر عليه قبل توقيع أي صفقة؟ أليس الشعب المصري من سيدفع ثمن صفقة الغاز (15مليار دولار) ليصب في صالح مستوطن دولة الاحتلال؟ وذلك كما أشار نتنياهو، أنها ستكون في خدمة الصحة والتعليم والرفاهية، فالرفاهية هنا تعم الجميع بالمفهوم الإسرائيلي، والبناء والتشييد يندرج تحتها، أي إقامة وبناء وتشييد المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة.
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
أحمد البهائي (مصر)
أحمد البهائي (مصر)