وبالمثل ستتراجع إيرادات الدول العربية المصدرة للغاز الطبيعي بنسب مشابهة مع ارتباط أسعار الغاز بأسعار النفط، واللذين يشكلان 90% من إيرادات هذه الدول.
الدول العربية ظلت تصدر أكثر من 90% من الغاز في صورته الخام أو المسال بأسعار رخيصة لعشرات السنين، من دون أي استثمار في قيمته المضافة. وعلى النقيض كان الاستثمار الأمثل للغاز من نصيب الدول المستوردة.
وتستمر حكومات الدول العربية المصدرة للغاز بالاعتماد على السولار والبنزين، وحتى المازوت الأكثر تلويثاً للبيئة، بل والفحم الحجري مؤخراً في مصر في تشغيل المصانع وإنتاج الكهرباء ما كلف الموازنة العامة لدولها فاتورة ضخمة مع استمرارها في تصدير الغاز خاماً وبأسعار رخيصة.
وبعد الانخفاض الدراماتيكي في الأسعار، يصبح المصدرون العرب أمام فرصة تاريخية لمراجعة السياسة التصديرية، الاستنزافية، للغاز الطبيعي. وكذلك دراسة البدائل الاستثمارية وتوسيع قاعدة الاستثمار في القيمة المضافة لمنتجات الغاز العربي وزيادة المشتقات منه. مع الإقرار بأن الاستثمار الأمثل للغاز الطبيعي العربي كان يجب أن يكون في إنتاج الكهرباء والطاقة وتشغيل المصانع واستخدامات المنازل وإنتاج أسمدة اليوريا للأغراض الزراعية لزيادة قيمته المضافة وتعظيم عوائده وتشغيل الشباب العاطل وخفض فاتورة المشتقات البترولية، لكن هذه الدول لم تفعل.
وبنفس السياسات القديمة، تحاول الدول المنتجة للغاز اليوم تعويض الخسائر من خلال فتح أسواق جديدة بطريقة الإغراء السعري المنخفض، وزيادة الاستكشافات وتنمية الحقول القديمة، والتوسع في مشاريع إسالة الغاز وشراء المشاريع المنافسة. هذه السياسة لن تكون ناجحة في المدى المتوسط أو الطويل في ظل الانخفاض المستمر للأسعار وزيادة مشاكل صناعة الغاز المسال وتردي جدواه الاقتصادية.
في مصر، ظل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يمد شبكات المصانع والمنازل في إسرائيل بالغاز المصري ويحرم منه المواطن المصري والفلسطيني، وفي نفس الوقت يرفع شعار "مصر أولاً" في وجه المصالح الفلسطينية ولم يراع "اللي تعوزه مصر يحرم على إسرائيل".
ومن المفارقات أن الحكومة المصرية تقترض لتستورد غاز البوتاغاز المسال بأسعار مضاعفة والشعب يعاني من نقصه، بل وقعت حالات قتل في طوابير أنابيب البوتاغاز، البديلة للغاز الطبيعي، والذي تصدره لإسرائيل.
لو وجه مبارك هذا الغاز لصناعة الأسمدة الآزوتية لتضاعفت القيمة المضافة لهذا الغاز، ولسد حاجة المزارعين من الأسمدة التي وصل العجز فيها إلى 75%، ولتم تشغيل مزيد من الشباب العاطل من العمل، ولما أصبحت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتحولت إلى مستورد لـ 2.5 مليون طن يوريا هذا العام بسبب نقص الغاز بعد أن بلغ حجم صادرات الأسمدة في عهد الدكتور محمد مرسي، الرئيس المدني المنتخب، 8 ملايين طن بشهادة عضو مجلس الاتحاد العربي للأسمدة، رئيس شركة أبو قير.
اقرأ أيضاً: الغاز تحول إلى ذهب
الجزائر، وهي سابع أكبر مصدر للغاز الطبيعي كانت مستوردة لليوريا حتى العام الماضي، فأصبحت ثاني أكبر مستورد للقمح في العالم ولم تكد تنشئ مصنع لليوريا (نوع من الأسمدة) وباستثمارات أجنبية. العراق كذلك على الرغم من وفرة الغاز الطبيعي يعاني من نقص اليوريا، ما يهدر نصف الإنتاج الزراعي لديه.
أمام الدول العربية فرصة لتحويل إنتاجها من الغاز واستثماره في صناعة الأسمدة، لا سيما أن الغاز الطبيعي يشكل 70% من صناعة اليوريا، وهي الأعلى سعراً.
ويتزايد الطلب على اليوريا للأغراض الزراعية مدفوعة بالطلب العالمي المتزايد على الغذاء والمتوقع أن يزداد بنسبة 60% بحلول عام 2050 مع توقع زيادة السكان إلى 10 مليار، ما يجعل صناعة اليوريا الاستثمار الأمثل للغاز.
الطلب العالمي على اليوريا يتزايد بمعدل 2% من عام لآخر. وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط بمعدل 60% والغاز 50%، لم تنخفض أسعار اليوريا بأكثر من 5% فقط خلال العام الماضي. الدول العربية التي تتصدر المراكز الأولى عالمياً في تصدير الغاز بنسبة 42% تأتي في ذيل المنتجين لليوريا بنسبة 11% من الإنتاج العالمي فقط.
اللافت كذلك أن الدول العربية تواجه تخلفا في الإنتاج الزراعي بسبب نقص الأسمدة المتاحة، والتي لا يزيد معدل استعمالها عن 54 كيلوغراماً للهكتار مقابل 96 كيلوغراماً للمتوسط العالمي، ما خلف فجوة غذائية عربية مقدارها 60 مليار دولار، هو نصف ما تستهلكه هذه الدول.
أمام الدول العربية المنتجة للغاز الطبيعي فرصة لتحويل نسبة أكبر إلى صناعات اليوريا، ومشتقات الأسمدة الآزوتية، المطلوبة عالمياً ومحلياً، ما يساهم في تشغيل الشباب ومحاربة البطالة وحفظ حقوق الأجيال القادمة ودفع عجلة الإنتاج الزراعي وسد الفجوة الغذائية لعلنا نرى الغاز الأزرق قد أصبح الغاز العربي الأخضر.
اقرأ أيضاً: وهم إفلاس الخليج