العيش مع "جيران مجرمين" في الخليل: أنا قتلت عربياً...وأنت؟

28 نوفمبر 2014
يخشى الفلسطينيون تداعيات قرار تسهيل حمل المستوطنين للسلاح (الأناضول)
+ الخط -

من الصعب أن تصدّق جميلة شلالدة، الفلسطينية المقيمة في شارع الشهداء في الخليل، أن هناك قراراً إسرائيلياً يسهّل تسليح المستوطنين. تذوق جميلة وعدد من العائلات الفلسطينيّة الصامدة في شارع الشهداء، الذي أغلقته قوات الاحتلال، بعد أن امتلأ بالبؤر الاستيطانيّة، التنكيل يومياً على أيدي المستوطنين في الشارع، الذين يتجولون ليلاً نهاراً، مسلّحين، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً.

في شارع الشهداء، الذي كان يُعتبر قلب الخليل التجاري، وبات اليوم خاوياً وشبه خال من الفلسطينيين، تعيش شلالدة (54 عاماً) مع أبنائها الثلاثة، وتصرّ على عدم الانتقال من بيتها إلى مكان آكثر أماناً في الخليل. وتقول لـ"العربي الجديد": "تزوجت هنا، وأنجبت أولادي الثلاثة هنا، وسأموت هنا، ولن أترك بيتي للقطاء المستوطنين للاستيلاء عليه".

على مدخل شارع الشهداء، ثبّت الاحتلال حاجزاً عسكرياً. يبرع الجنود في تفتيش الفلسطينيين والحقائب والأكياس التي يحملونها، حتى المواليد الجدد، يتحسّسون أغطيتهم الصغيرة، في إجراء يعكس الهوس الأمني وغياب الإحساس بالأمن.

يضمّ الشارع، الذي أغلقه الاحتلال منذ سنوات، أكثر من 500 محل تجاري، لكنّه بات خاوياً وخالياً من المارّة. لا يُسمح للفلسطينيين بقيادة سياراتهم فيه، في حين أنّ كلّ ما قد تقع عيناك عليه من سيارات، هي سيّارات إسرائيلية يقودها مستوطنون، ويمكن عند الاقتراب من السيارات أكثر، رؤية بندقيّة رشاشة قرب السائق أو على حضنه.

يُشبه بيت شلالدة من الداخل بيتاً شامياً، حيث ساحة في الوسط، تتوزّع حولها غرف المنزل، مع الكثير من النباتات الخضراء، التي تعطي البيت روحاً تفيض بالحياة، على عكس الشارع المثخن بالعزلة، وجيرانه الذين يحدّقون بالمارين من الفلسطينيين وهم يضعون يدهم على الزناد.

"أعيش مع جيران مجرمين"، تقول شلالدة، التي استولت المستوطنة عنيات كوهين على منزل يبعد 4 أمتار فقط عن منزلها، وتجتهد منذ سنوات للاستيلاء على بيت شلالدة بشتى الطرق، عبر اقتحام المنزل مرّة، أو حرقه مرّة أخرى. "هنا المستوطنون، رجالاً ونساء مسلحون، يمشون بأسلحتهم ويأكلون بأسلحتهم"، على حدّ وصف شلالدة، التي تعرّضت للاعتقال 25 مرة، وفي كلّ مرّة، يتمّ عرضها على محكمة الاحتلال، بتهمة ضرب مستوطن أو مستوطنة، أو الاعتداء على كتيبة من الجنود. وتقول شلالدة بمرارة: "يقتحمون بيتي، يريدون أن أخرج منه حتى تستولي كوهين عليه، وعندما أواجهها بجسدي الأعزل، على الرغم من سلاحها، يأتي الجنود لحمايتها، وعندما أتصدّى لهم يتم اعتقالي".

انطلاقاً من هنا، لا يُعدّ قرار إسرائيل بتسهيل وزيادة حمل المستوطنين للسلاح خبراً عاجلاً. يقول هشام الشرباتي، العامل مع مؤسّسة "الحق" الفلسطينيّة، لـ"العربي الجديد": "كل المستوطنين في الخليل، بمن فيهم النساء، يحملون السلاح، وكذلك غالبية المستوطنين القاصرين".

يروي شرباتي كيف أنّه "خلال اعتداءات المستوطنين على المواطنين، إذا كانوا هم المتفوقين يبقى الجيش يراقب، وفي حال دافع الفلسطينيون عن أنفسهم، بأجسادهم أو بالحجارة، يتدخّل الجيش لحمايتهم وقمع الفلسطينيين". ويوضح أنّ "المستوطنين تحت القانون المدني الإسرائيلي، أي أنّ الجيش لا يملك ضدّهم أي سلطة قانونيّة، بل الشرطة، والأخيرة نادراً ما تتدخّل".

يحفظ أهالي الخليل أسماء المستوطنين المتطرّفين ويعرفونهم جيداً. في مستوطنة تل الرميدة، وسط الخليل، يعيش المتطرّف باروخ مارزل، الذي يقود وأولاده المسلحون اعتداءات يوميّة على أهالي الخليل. في مطلع التسعينيات، قتل مارزل شاباً فلسطينياً، وتمّ اعتقاله وأخذت إفادته ليُطلق سراحه بعد ساعات. ويوضح شرباتي أنّه "في فيلم وثائقي بريطاني حول المستوطنين، ظهر مارزل في أحد المشاهد وخلفه ملصق مكتوب عليه: "أنا قتلت عربياً... وأنت؟".

لا يزال أهالي الخليل يتذكرون إقدام المتطرف موشيه ليفنجر، أحد أقطاب المستوطنين المتطرفين في الخليل، على قتل شاب فلسطيني في نهاية الانتفاضة الأولى، ليحكم عليه بالسجن ستة شهور، خُصم ثلثها بسبب "حسن سلوكه"، فيما كان يمضي الإجازة الأسبوعيّة والدينيّة في منزله الذي استولى عليه في شارع الشهداء. ولا يختلف الأمر كثيراً في قرية بورين، جنوب نابلس، حيث يحفظ الأهالي اسم المستوطن القاتل روبين، الذي يقيم في مستوطنة يتسهار، المشيّدة على أراضي القرية. يمشي روبين مسلحاً ببندقيّة رشّاشة مع عدد من المتطرفين ويعيثون فساداً في القرية.

ويقول الناشط ضد الاستيطان في البلدة، بلال عيد، لـ"العربي الجديد"، إنّه "قبل عامين، أطلق روبين النار على شقيقي وأصابه برصاصتين في البطن والقدم، لأنّه بدأ البناء في أرضنا القريبة من المستوطنة". اختبر المستوطنون في بورين، كل أنواع الجريمة، من إطلاق النار، إلى تسميم الأشجار، وقتل المواشي أو سرقتها، وحرق البيوت، وجرف الأراضي ومصادرتها، وصولاً إلى محاولة خطف الأطفال. وتذهب كل الشكاوى في مهبّ الريح.

وتُصنّف مستوطنتا يتسهار وبراخا، المقامتان على أراضي بورين، وفق مؤسّسة "بتسيلم"، على أنّهما أعنف المستوطنات. ويوضح كريم جبران من "بتسيلم" أنّ "قوانين التسليح الإسرائيليّة تسهّل الاعتداءات وتضاعفها، ما يمهد لمآسٍ وأحداث كبيرة"، لافتاً إلى أنّ "الاعتداءات باتت ثقافة سائدة داخل المستوطنات الإسرائيليّة والمجتمع الإسرائيلي، حيث الروح العدوانية والعنصريّة ضد العرب في ازدياد".

من جهته، يشير عيد إلى أنّه "بعد حرب غزة قبل الأخيرة، ألقى المستوطنون صواريخ يدويّة الصنع على القرية، أطلقوا عليها أسماء "شارون 1" و"شارون 2"، وقد تسبّبت في إحراق الحقول والمحاصيل والمنازل، قبل أن يتدخّل جيش الاحتلال ويمنعهم من مواصلة إطلاق الصواريخ". وفي قرية قصرة، إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس، لا تفتح منازل عدّة نوافذها المطلة على المستوطنة المقامة على أراضي القرية، حيث لا يبعد أيّ مستوطن مسلّح عن بيت فلسطيني إلا بضعة أمتار، وعادة ما تتعرّض القرية لاقتحامات من المستوطنين واعتداءات شبه يوميّة.

ومع قرار تسهيل وزيادة تسليح المستوطنين، سينتشر نحو 750 ألف مقاتل مرخّص في الشوارع بين المدن الفلسطينيّة، وعلى مداخل القرى والبلدات، ليعتدوا ويقتلوا الفلسطينيين بذريعة جاهزة "تشكيل خطر على حياة المستوطنين"، في موسم قتل مفتوح على كل الذرائع المغطاة قانونياً.

المساهمون