وكان المتحدث باسم الحكومة آلان كلود بيلي-بينزي، قد أكد تطويق الحرس الجمهوري للمبنى الذي تستخدمه حملة بينغ مقراً لها، بحثاً عن "مجرمين مسؤولين عن إحراق مقر الجمعية الوطنية (البرلمان) في ليبرفيل بعد ظهر الأربعاء"، وفقاً له. وكانت المواجهات قد اندلعت عندما خرج أنصار بينغ إلى الشوارع في العاصمة ليبرفيل، منددين بنتيجة الانتخابات الرئاسية، واتهموا السلطات بتزوير الاقتراع و"سرقة الانتخابات". كما وقعت مواجهات واضطرابات أخرى في العاصمة الاقتصادية بورجانتيي بين أنصار المعارضة وقوات الأمن.
ودفعت المواجهات الأخيرة، مختلف الجاليات الأجنبية إلى اتخاذ تدابير أمنية، ومنها الجالية اللبنانية، التي قامت بالتنسيق مع السفارة اللبنانية، بتشكيل لجنة طوارئ، نُشرت أسماء أعضائها وأرقام هواتفهم عبر صفحة خاصة على فيسبوك. مع العلم أن عديد هذه الجالية يبلغ حوالي 8 آلاف شخص، يعمل معظمهم في التجارة والشركات الخاصة وتصدير الخشب، ويقطنون الغابون منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي.
وكانت الاضطرابات متوقعة منذ انتهاء عملية الاقتراع يوم السبت الماضي، فتحوّلت ليبرفيل إلى مدينة أشباح، والتزم السكان منازلهم وأغلقت المحلات التجارية أبوابها وطالبت السفارات الأجنبية رعاياها بتجنب الخروج إلى الأماكن العامة، كما خرجت قوات الأمن بأعداد كثيفة إلى الساحات والطرق الرئيسية، تحسباً لوقوع اضطرابات.
ومما زاد في تأجيج الأوضاع تسابق فريقي السلطة والمعارضة إلى إعلان فوزهما يوم الأحد، من دون انتظار الإعلان الرسمي، علماً أنه تمّ الإعلان بصورة رسمية، لكن غير نهائية، يوم الأربعاء عن فوز بونغو. وأمام تصاعد المخاوف من انفجار أمني وشيك، تحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مع بونغو وبينغ، وطالبهما بضبط النفس. وكان للاتحاد الأوروبي موقف زاد من صب النار على الزيت، بعد انتقاد رئيسة بعثة الاتحاد النائبة البلغارية ماريا غابرييل، يوم الاثنين، "غياب الشفافية" في العملية الانتخابية وسجلت حصول تجاوزات، وذلك في مؤتمر صحافي في ليبرفيل.
وزادت هذه التصريحات من غضب المعارضة، التي استخدمتها كدليل على تزوير مرتقب للنتائج، في حين رأت فيها السلطات تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي. غير أن المعطى الذي عقّد الأمور، تمثل في تأخر الإعلان عن النتائج في موعدها المحدد الثلاثاء الماضي وتأجيلها حتى الأربعاء، ما دفع بوزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت إلى انتقاد الشروط التي تمّ فيها الإعلان عن النتائج الرسمية والمطالبة بنشر نتائج جميع مكاتب الاقتراع (التي يبلغ عددها حوالي 2500 مكتب) حرصاً على الشفافية"، مديناً أعمال العنف التي أعقبت الإعلان عن النتائج. وقال أيرولت إن "الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية يجب أن يحصل بالطرق القانونية". وهو ما طالب به المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، داعياً السلطات الغابونية إلى احترام حقوق الإنسان، والمتظاهرين من المعارضة إلى ضبط النفس.
وأمام الانفلات الأمني الذي تعيشه الغابون الآن، تزداد المخاوف من احتمال إعادة سيناريو الرعب، الذي وقع بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، التي نُظمت بعد وفاة عمر بونغو، والد الرئيس الحالي، الذي حكم البلاد لمدة 41 عاماً. في ذلك الوقت، غرقت الغابون في أعمال عنف دامية، أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. كما تمّ إحراق قنصلية فرنسا، التي كان يتهمها المحتجون بالتواطؤ مع عائلة بونغو. ومنذ ذلك التاريخ تعيش الغابون على وقع توتر، يتصاعد ويخف بين علي بونغو ومعارضيه، الذين يحتجون على تحويل الجمهورية إلى مملكة تتحكم فيها عائلة بونغو.
وفي السنوات الأخيرة تحول بينغ، وهو خلاسي وثمرة زواج صيني غابوني مختلط، إلى زعيم للمعارضة بعد تمكنه من توحيدها، وبات يتمتع بشعبية كبيرة، بفضل حنكته السياسية وتقلّده حقائب وزارية عدة في عهد بونغو الأب، وترؤسه سابقاً مفوضية الاتحاد الإفريقي. ويحاول بينغ وضع حد للتوريث السياسي والعمل على إرساء نظام سياسي مبني على التعددية الحزبية والديمقراطية. وقد ساهمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بسبب انهيار عائدات النفط، وتفشي مظاهر الرشوة والفساد، في تزايد شعبية المعارضة.