في "اليوم العالمي للعمل الإنساني" المصادف في التاسع عشر من أغسطس/ آب من كلّ عام، ليست احتفالات الأمم المتحدة سعيدة، بل على النقيض من ذلك تستعرض الانتهاكات المستمرة للشعوب حول العالم، مع التفاتة إلى ضحايا العمل الإنساني أنفسهم
"أتذكر تلك اللحظة جيداً... كانت الساعة نحو الرابعة إلّا ربعاً عصراً. التقطت صورة لعلم الأمم المتحدة عندما دخلنا إلى المجمع وكان هذا آخر يوم عمل لي في مكتب بغداد. كانت تلك الصورة من الأشياء القليلة التي نجت من بين أغراضي في الهجوم على مبنى الأمم المتحدة. عدت إلى مكتبي الذي كان بالضبط فوق مكتب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق سيرغيو فيرا دي ميلو، ذلك الجزء من المبنى حيث الصورة الشهيرة مع الطوابق الثلاثة المنهارة... في الرابعة وخمس دقائق جاء رئيسي وقال إنّ عليّ الذهاب إلى مكتب آخر وحضور اجتماع لم يكن من المفترض أن أحضره. بعد أقل من عشر دقائق رأينا وميضاً وتطايرت الشظايا في كلّ مكان من حولنا"، بهذه الكلمات تصف آلبيدا روكا، التي ما زالت تعمل في الأمم المتحدة، بعض ما تذكره حول استهداف مبنى الأمم المتحدة في بغداد والذي قتل فيه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق سيرغيو فييرا دي ميلو و21 آخرون من العاملين في المجال الإنساني، ومن المدنيين العراقيين في 19 أغسطس/ آب 2003.
تحتفي الأمم المتحدة في هذا اليوم من كلّ عام بـ"اليوم العالمي للعمل الإنساني"، للإشادة بعمال الإغاثة الذين يجازفون بحياتهم في مجال تقديم الخدمات الإنسانية. ويراد من إحياء هذا اليوم تسليط الضوء على البشر الذين يعانون من العيش في تلك الظروف. في هذه المناسبة، لفت مارك لوكوك، منسق الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الانتباه إلى مقتل 139 شخصاً من العاملين في المجال الإنساني خلال العام الماضي وحده.
تعكس تقارير الأمم المتحدة الوضع المأساوي الذي آلت إليه مصائر بنات وأبناء الكثيرين من أهل سورية والعراق واليمن وليبيا وفلسطين. ففي العراق، مهد الحضارة الإنسانية والبلد الغني كذلك بالنفط، تقدر الأمم المتحدة ومنظمة إنسانية شريكة عدد الأشخاص الذين يحتاجون فيه إلى مساعدة إنسانية بصورة ما، إلى نحو 8.7 ملايين عراقي. معظم هؤلاء هم من النساء والأطفال، بواقع 4.3 ملايين امرأة و4.1 ملايين طفل، بالإضافة إلى أكثر من 250 ألف لاجئ سوري في العراق يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
أما في سورية، فإنّ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية يتجاوز 13 مليون شخص، من بينهم 5.6 ملايين شخص، يصنفون من قبل الأمم المتحدة بأنّهم في حاجة إلى مساعدات ماسة. وحتى نهاية عام 2017، كان نحو ثلاثة ملايين منهم يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، من بينهم نحو 40 ألف شخص يعيشون في المناطق التي تصنفها الأمم المتحدة بأنّها محاصرة. كذلك، فإنّ ثلث مدارس سورية إما دمرت أو تضررت. ويستخدم جزء آخر من المدارس كمراكز إيواء جماعية ولأغراض أخرى. نصف السكان في سورية اضطروا للرحيل عن ديارهم ونزحوا داخلياً أو خرجوا من البلاد، وبعضهم نزح أكثر من مرة بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون هناك. نزح نحو 5.5 ملايين سوري خارج البلاد، معظمهم في دول الجوار المضيفة: لبنان والأردن وتركيا، ولم يتمكن معظمهم حتى الآن من العودة إلى بلادهم، كما أنّ هناك أكثر من ثمانية ملايين سوري يعيشون في بلادهم وهم معرضون لخطر المواد المتفجرة من مخلفات الحرب. بالإضافة إلى كلّ ذلك يبرز تجنيد الأطفال كمقاتلين، وفي بعض الحالات هناك أطفال بعمر 12 عاماً يجندون ويستغلون في الحرب. كذلك، شهد العام الماضي ارتفاعاً بنسبة 25 في المائة في ما يخص المرافق الطبية المستهدفة. ومنذ بدء الصراع في سورية قتل نحو 86 عاملاً في المجال الإنساني، 21 منهم كانوا يعملون مع الأمم المتحدة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، و65 مع منظمة الهلال الأحمر السوري.
يشهد اليمن، بدوره، بحسب الأمم المتحدة، أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ يعاني 17.8 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي، من أصل 22 مليون نسمة. قتل أكثر من 28 ألف يمني منذ عام 2015، ناهيك عن وفاة آلاف آخرين بسبب الحرب وبشكل غير مباشر لأسباب عديدة، من بينها تفشي الأمراض والجوع وسوء التغذية. وبحسب الأمم المتحدة، يموت كلّ عشر دقائق طفل يمني بسبب الحرب. ويفتقر 16 مليون يمني إلى المياه الآمنة والصرف الصحي، كما يفتقر 16.4 مليون يمني إلى الرعاية الصحية الكافية. أما الاقتصاد اليمني فقد تراجع بشكل حاد، إذ انخفضت نسبة الواردات ناهيك عن الصعوبة في نقل السلع وزيادة كلفتها بسبب القيود المفروضة، ما يعني أنّه حتى أولئك اليمنيون غير المتضررين مباشرة من الحرب قد يكونون في حاجة إلى مساعدات إنسانية، بحسب الأمم المتحدة.
يعاني الفلسطينيون، منذ سبعين عاماً، خصوصاً اللاجئين، من تحديات وصعوبات عديدة بحسب بلد اللجوء، كسورية، حيث يتقاسمون المصير الذي حلّ بشعب ذلك البلد. وفي فلسطين نفسها، يشهد قطاع غزة معاناة إنسانية شديدة بسبب الاحتلال والحصار المفروض على القطاع، بما فيه إغلاق مصر معبرها معظم الوقت أمام الغزيين إلّا في فترات قصيرة ولحالات خاصة. وأدى انقطاع الكهرباء المستمر باستثناء ساعات قليلة في اليوم، إلى مشاكل في خدمات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب وغيرها. ويحتاج نحو 80 في المائة من سكان قطاع غزة إلى مساعدات إنسانية.
في ليبيا التي يصل عدد سكانها إلى نحو 6.5 ملايين نسمة، فإنّ 17 في المائة منهم في حاجة إلى مساعدات إنسانية. وتقدر الأمم المتحدة أنّ هناك نحو 1.6 مليون ليبي تأثروا بشكل مباشر بالأوضاع. وعلى الرغم من تمكن أكثر من 360 ألف ليبي ومهجر داخلياً من العودة إلى ديارهم أو مناطق سكنهم، ما زال هناك أكثر من 200 ألف ليبي لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم. كذلك، تشهد ليبيا عمليات قتل واتجار بالبشر وخطف واعتداءات جنسية وتعذيب من قبل جماعات مسلحة بعضها مقترن بمؤسسات رسمية. ولا تقترف تلك الجرائم ضد الليبيين وحدهم بل ضد المهاجرين الأفارقة الذين يحاولون العبور من ليبيا للوصول إلى أوروبا، وتقدر أعدادهم بأكثر من 400 ألف مهاجر. بالإضافة إلى كلّ ذلك، فإنّ الليبيين يعيشون خطر المواد المتفجرة نتيجة مخلفات الحرب.