العمارة القطرية.. مأزق التحديث بين الطين والأبراج

10 يونيو 2017
"متحف الفن الإسلامي" في الدوحة
+ الخط -

تزايد الاهتمام والانشغال بفكرة الحفاظ على الموروث المعماري التقليدي، في الآونة الأخيرة، تحت وطأة الزحف العمراني الحديث في قطر ومدن خليجية أخرى، وغلبة البنايات العالية وناطحات السحاب، وتكثيف إنشاء المجمعات التجارية الضخمة، والسكنية المغلقة، مما يجعل النقاش حول العمارة التقليدية واستلهامها موضوعاً يشغل ذوي الاختصاص.

في الرابع والسادس من الشهر الجاري وضمن برنامجه الرمضاني، نظّم "متحف الفن الإسلامي" في الدوحة، محاضرتين لأستاذين بقسم العمارة والتخطيط المدني بكلية الهندسة في "جامعة قطر"، حيث كانت مداخلة حاتم إبراهيم بعنوان "مناقشة حول العمارة القطرية: الحداثة مقابل التقليدية"، فيما عنون جمال بوساعة محاضرته بـ"الحفاظ على التراث العمراني في قطر: الواقع والتحديات".

المحاضرتان تأتيان في سياق انشغالات رسمية وأكاديمية، برزت الى السطح خصوصا في السنوات العشر الماضية، تدعو لوقف تغيير معالم الدوحة التاريخية، وإعادة إحيائها من خلال ترميم معالم بارزة؛ كما حدث مع "سوق واقف" مثلا، أو تحديد معايير للمباني الجديدة تحاكي الطابع التراثي للخليج والحضارة العربية الإسلامية بشكل عام.

ركز جمال بوساعة، في مداخلته على عرض نماذج العمارة القطرية التي جرى إهمالها، خصوصا في الأحياء القديمة في الدوحة، مثل "فريج النجادة"، و"فريج الأصمخ"، ومنطقة "مشيرب"، و"فريج الهتمي"، و"الغانم القديم" وغيرها، والتي لم يبق منها إلا القليل من البنايات القديمة، التي هدمت وبني مكانها بنايات حديثة، والمتبقي منها تآكل وأهمل.

في الوقت ذاته أثنى بوساعة على مشروع إحياء "سوق واقف" الناجح، وعلى مخطط قيد الإنجاز لإعادة هيكلة منطقة "مشيرب"، بشكل يحافظ على ملامح مدينة الدوحة القديمة.

وبخصوص، المباني الجديدة، يقول بوساعة، إنه لا يكفي استلهام نماذج تصميمية من التراث التقليدي القطري ومن المعمار الإسلامي، بل إن استخدام التكنولوجيات الحديثة، يسهل إمكانية المزاوجة، بين التراثي، والجمالي، والوظيفي في آن. ففي معرض حديثه، قال بوساعة إنه "يجب علينا إيجاد نوع من الموازنة بين تراث الماضي وإمكانات الحاضر، لأن فنون العمارة وأساليب البناء الحديثة أقوى وذات تكاليف أقل في بعض الأحيان، لذا يصبح الخيار الأمثل هو الحفاظ ما أمكن على ملامح الطراز المعماري القديم، وجعلها تتأقلم مع متطلبات وإمكانات الحاضر".

ويبرر ذلك بقوله إن سوق العمارة التقليدية رائجة، خصوصا أن كثيرا من الهيئات الحكومية تشجعها وتدعمها، معطيا أمثلة "مبنى المرور" الجديد، وملعب "نادي الشمال" و"النادي الدبلوماسي، وفندق الشرق، التي تستلهم كلها طرازا تقليديا. تزايد الاهتمام هذا، أبرزه بوساعة، بمثال مشروع إحياء "بيت الزمان"، في منطقة "فريج الغانم القديم"، والذي تبنته جهات حكومية بعد دراسة وافية أجريت في جامعة قطر، بغرض ترميمه، وتحويله الى معلم في هذا الحي، باعتباره المبنى الوحيد الذي قاوم الزمن والتغييرات العمرانية في المنطقة.

من جهته، اهتم حاتم إبراهيم في محاضرته بعرض التطوّر المعماري في قطر، خصوصا في النقلة بين فترتي ما قبل وما بعد النفط، مؤكدا على أن التراث المعماري القطري/الخليجي كان أكثر ملاءمة للبيئة الحاضنة له، ويتماشى جماليا مع الطابع الجغرافي للمنطقة. غير أن الطفرة العمرانية التي شهدها عصر ما بعد النفط، لم تراعِ في كثير من الأحيان جانبي الجمالية والبيئة، بقدر ما ركزت على إسقاط تجارب العمارة الحديثة والتصاميم الغربية.

وفي ذات الصدد يقول "ليس خطأ أن نقوم بإنشاء مبانٍ ذات تصاميم حداثية وما بعد حداثية، بقدر ما يجب أن نهتم بعملية إسقاطها على المكان، فأنت إذ تأخذ خط كورنيش الدوحة، تبدأه بـ"سوق واقف" ذي الطابع التراثي التقليدي، وتنهيه بمنطقة "الساحل الغربي" التي تزدحم بناطحات السحاب، دون أي اشعار أو تمهيد جمالي لهذا الانتقال".

وعن الجانب البيئي في العمران، يقول إبراهيم إن عنصر الاستدامة العمرانية، وخصوصاً أخذ عامل البيئة المحيطة بعين الاعتبار، لا يشكل همّاً تصميمياً بالقدر الكافي في الحالة القطرية، باستثناء نماذج قليلة، على الرغم من أن التراث القطري كان يزخر بنماذج كهذه خصوصاً فيما يتعلق بالبناء الطيني، وألوان البنايات من الخارج، و"البراجيل" التي كانت تستخدم للتهوية وتبريد المباني بطريقة طبيعية.

ويرى إبراهيم، أن قطر تتأرجح في السنوات العشر الأخيرة خصوصا، بين ثلاثة نماذج للتطوير العمراني، يتمثل الأول في إحياء المباني التراثية بغرض حيوي تعود به للعمل والاستخدام النفعي كحالة "سوق واقف" مثلاً، أو بغرض الحفاظ على هذه المعالم كأيقونات أثرية ومتحفية كنموذج "قلعة الزُّبارة".

أما النموذج الثاني فيتمثل بالتحديث الكامل دون أي اعتبار، خصوصاً في بناء الأبراج وناطحات السحاب و"المولات" (المجمعات التجارية).

في حين أن الخيار الثالث والذي يفضله إبراهيم، يتمثل في خط مزاوج بين الاثنين، فيما يخصّ المباني المحدثة، وأعطى أمثلة كثيرة على ذلك كـ"متحف الفن الإسلامي" المستمد من تراث العمارة الإسلامية، أو "متحف قطر الوطني" الذي يستلهم في تصميمه نبات "زهرة الصحراء"، أو حتى في منطقة "اللؤلؤة" وغيرها من النماذج.

وهذا الخيار الأخير، يُظهر "أهمية التناسق ما بين هذه الاتجاهات لتتناغم مع بعضها في صورة مرئية، تعكس روح الاتصال وترسخ الهوية المستقلة للعمارة القطرية". فالهوية المعمارية، بحسب إبراهيم، "تعكس الوعي الثقافي، وفهم المجتمع لانتمائه وهويته".

المساهمون