العلّة بالهرمونات

19 ديسمبر 2014
"لا يمكنني التنفس" (فرانس برس)
+ الخط -
"وجدت المحكمة أنّ المتهمة في إحدى الولايات الأميركية غير مذنبة. كانت متهمة بقتل ابنها البالغ من العمر تسع سنوات. أما سبب تبرئتها فهو هرموناتها. فالجريمة وقعت قبل أيام قليلة من موعد دورتها الشهرية". هذا ما جاء في مقالة متخصصة في مجلة "ريدرز دايجست" في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

الأمر مستفزّ، علماً أن هذه الحادثة حصلت قبل أكثر من ثلاثين عاماً. لنستمع إلى ما جاء على لسان كاتب في إحدى المحاكم الشرعية في لبنان عام 2014، كي نجد أمراً يخرج عن إطار العقل والمنطق. قال الكاتب إنه "لا يمكن للنساء اتخاذ قرارات صائبة بسبب التغييرات الهرمونية الناتجة عن الدورة الشهرية. فكيف يمكن أن تكون العصمة بيدهن؟ معنى ذلك أنه يصبح بإمكانهن تطليق أزواجهن كل شهر".

هكذا، باتت التغييرات الهرمونية الشهرية دلالة على "قصور عقلي حاد" لدى النساء. وصارت سبباً في عدم حصول النساء على المساواة في المعاملة أو الحقوق. للتغييرات الهرمونية الشهرية هذه اسم علمي يُعرف بـ"متلازمة ما قبل الدورة الشهرية". وإذا كان هذا التغيير الهرموني أكثر حدة، يصبح اسمه "اضطراب ما قبل الدورة الشهرية الاكتئابي". ولمن لا يعرف، فإن للمتلازمتين فصلاً مخصصاً في الدليل الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات النفسية في نسخته الرابعة التي صدرت عام 1994.

الأمر ليس بهذه البساطة، فله دلالاته الخطيرة. هكذا، بات الأمر "اضطراباً نفسياً" يؤثّر على "أهليتهن". وبات يمكن حرمان النساء من حقهن بالحضانة، في حال تم تشخيص حالتهن بإحدى المتلازمتين. بإمكان المحاكم أيضاً إعطاء النساء عذراً تخفيفياً أو إعفائهن من المسؤولية الجرمية، أسوةً بحالات الاضطراب العقلي.

هذه هي إذاً نظرة القضاء والدين والعلم السطحية للنساء. ما زالت شهادة امرأة واحدة لا تكفي، ولا يسري الطلاق على النساء أثناء الدورة الشهرية، فإذا طلّق الرجل زوجته وهي حائض، يكون الطلاق غير نافذ. ويقول علم النفس (تحليل سطحي) إن أكثر من 90 في المائة من النساء "يعانين من اضطرابات نفسية بصورة دورية ومستمرة". نقطة التقاطع هذه بين القضاء والموروث الثقافي والعلم، هي انتهاك صارخ ضد النساء.

تجدر الإشارة إلى أن التغييرات الهرمونية الشهرية تصيب النساء كما الرجال. وهي عبارة عن دورة تغيير هرموني جسماني تترافق مع مجموعة من الأعراض الفزيولوجية وأخرى نفسية. أيضاً، يُصاب الرجال بهذه التغييرات الهرمونية الشهرية بسبب انخفاض هرمون التستوستيرون، وإن كانت إصابة النساء بهذا التغيير الهرموني واضحة. المطلوب فقط إزالة لوثة الأساطير عنها.

(ناشطة نسوية)
المساهمون