لا شك في أن الدول المتقدمة تفاعلت مع أزمة وجود مئات ملايين التلامذة والطلاب خارج المدارس والجامعات بسبب وباء كورونا الجديد على نحو مختلف عن الكيفية التي تعاملت بها الدول التي هي في طور النمو، بالنظر إلى ما تملكه الأولى وتفتقده الثانية. فإذا كان الهدف المطروح والملحّ يتمثل في تأمين وصول المعارف ومصادر معلومات العملية التعليمية إلى هذه الملايين رغم الحجر المنزلي، فالمؤكد أن المجتمعات المتقدمة تمتلك القدرات البشرية والوسائل والمنصات التقنية الكفيلة بتوفير هذه المصادر. ففي العقود المنصرمة قامت بتكييف مقدرات المعلمين والمتعلمين، والنظم المدرسية على التعاطي مع هذا التطور من خلال منصات تدريب المعلمين وتصميم نماذج مدارس التعليم الإلكتروني، ومجتمعات الممارسة على الإنترنت وتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سياسات التعليم.
في المقابل، بدت عملية الاستجابة للتحديات المطروحة، وفي مقدمها إغلاق المدارس والجامعات، فادحة في البلدان المجردة من القدرة على التعامل مع الأوضاع المستجدة. علماً أن الأونيسكو والمنظمات الإقليمية كانت تلحّ، خلال المؤتمرات والمنتديات وما تصدره من توصيات للدول والحكومات، ومنذ سنوات، على أهمية ولوج العملية التعليمية عالم التقنيات الرقمية، بما يقود إلى زيادة مخرجات التعليم في عموم مراحله. ويعني هذا اعتماد التكنولوجيا لمساعدة المعلم والأستاذ المحاضر في إيصال المعلومات للطلاب ومساعدتهم لأنفسهم على جمع المعلومات وتبويبها وتوليفها ومناقشتها وتحليلها وإعادة إنتاجها.
ففي المجتمعات المتقدمة، قامت الدول بإدخال التكنولوجيا إلى الصفوف الدراسية في المراحل المبكرة، مع امتلاك الطلاب أنفسهم للوسائل الذكية التي تتيح لهم توفير المعلومات، انطلاقاً من قدراتهم على استعمال المصادر المفتوحة والمتاحة. وقد ساهمت الحكومات والقطاع الخاص في الوصول إلى مكننة العملية التعليمية عبر تمويل عملية التحديث، باعتبار أن مردودها يلائم مستوى تقنيات الإنتاج. هذا التكامل ساعد على تحسين جودة التعليم عن قرب وعن بُعد في الوقت ذاته. وبناءً عليه، كان تفاعل هذه الدول والمؤسسات مع متطلبات الحالة الطارئة سريعاً ومن دون تعقيدات كبرى.
أما في الدول والمجتمعات الضعيفة والهشة، والتي تفتقد إلى المقومات البشرية والمقدرات المادية، فقد بدت المشكلة أقرب ما تكون إلى معضلة عصية على الحلول العاجلة المطلوبة. ما جعل من منصات "التعليم عن بُعد"، في بعض الدول الآسيوية وأفريقيا ومعظم الدول العربية، ضعيفة، إن لم نقل عاجزة عن المساهمة في التخفيف من الأوضاع الكارثية التي تعرّض لها القطاع التعليمي، بعد أن بيّنت العديد من الدراسات أن وضع التلامذة والطلاب خارج صفوفهم الدراسية يقود إلى تهديد مستقبلهم بالضياع.
إذن، بين المدرسة والجامعة الحديثة ذات القدرات والممارسات التعليمية المتماشية مع تقنيات العصر، وبين المدرسة والجامعة التقليدية التي ما تزال أسيرة الأساليب القديمة، كانت عملية الاستجابة للحالة الطارئة تشهد بوناً شاسعاً، ما يعني أن الهوة التعليمية قد تزداد اتساعاً عما كانت عليه، خصوصاً وأن المقدرات المتاحة في المجتمعات الفقيرة توجهت في قسمها الأكبر نحو تأمين المتطلبات الصحية والإغاثية الملحّة. وعليه، من الواضح أن انعدام المساواة في فرص ونوعية التعليم باتت أكثر حضوراً بين الدول وداخل المجتمعات أيضاً، ما دفع بمؤتمر الأونيسكو إلى التشديد على أن تقود الأزمة إلى تشجيع الابتكار والإدماج وعدم تفاقم انعدام المساواة في التعلم.
*باحث وأكاديمي