كشف التحقيق الموسع والشامل، الذي بثّته قناة التلفزة الإسرائيلية الـ13 ليلة الثلاثاء، حول مراحل تطور العلاقة بين السعودية وإسرائيل، والتي تكرست منذ عام 2006 وتتواصل حتى الآن، عن الاختلاف الكبير في الدوافع والضوابط التي حكمت تطور هذه العلاقة في عهد النظام السعودي الحالي، والذي يضطلع فيه ولي العهد محمد بن سلمان بدور طاغٍ.
ففي وقتٍ اشترطت الرياض في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز تطوير علاقتها بإسرائيل بإحداث تقدّم على صعيد حل القضية الفلسطينية، فإن محمد بن سلمان، الذي يراهن على دور إسرائيل في إنجاح رؤية 2030 وينطلق من افتراض مفاده أن تطوير العلاقة مع تل أبيب يحسّن من قدرته على تجنيد دعم أميركي لوصوله إلى الحكم، لم يُبدِ أي اهتمام بحثّ إسرائيل على إبداء مرونة في تعاطيها بشأن الصراع مع الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن الرغبة في مواجهة إيران تُعدّ الدافع المشترك للعهدين السعوديين لتعزيز العلاقة مع إسرائيل، إلا أنه يتضح من الشهادة التي قدّمها في التحقيق جويل روزنبرغ، المستشار الأسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن رهان بن سلمان على دور تل أبيب في دفع رؤية 2030 كان كبيراً. ونقل روزنبرغ عن السفير السعودي في واشنطن، خالد بن سلمان، الذي التقاه عام 2017، أن الأخير قال إن نظام الحكم في الرياض معني بتوثيق وتطوير العلاقة مع إسرائيل ليس لمواجهة إيران، بل بسبب الاعتبارات الاقتصادية. وأضاف: "لقد قال لي السفير إن السعودية تعي أنه لا يمكنها إحداث تحوّل على واقعها الاقتصادي من دون الدعم الإسرائيلي، وتحديداً من دون العقول والتكنولوجيا الإسرائيلية، في حين أن مواجهة إيران تحتل المكانة الثانية"، على حد تعبيره.
ومما يدل على التحوّل الذي طرأ على موقف السعودية من القضية الفلسطينية منذ وصول بن سلمان إلى الحكم، حقيقة أن الأخير لم يعد يشترط احترام إسرائيل مبادرة السلام العربية، في حين أن تحقيق القناة الإسرائيلية يوثّق موقفاً مغايراً للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. فقد قال السفير الأميركي السابق في تل أبيب دان شابيرو، في التحقيق التلفزيوني، إن الملك عبدالله رد على الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي التقاه في الرياض، عندما طلب منه الإقدام على خطوات لتطبيع العلاقة مع تل أبيب: "لقد قدّمت مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، وموقف إسرائيل منها هو ما سيحدد مستقبل العلاقة بيننا وبينهم، السعودية لن تقود تحركاً لتطبيع العلاقة مع إسرائيل من دون أن نعرف مستقبل القضية الفلسطينية".
وبحسب التحقيق، فقد جمّدت السعودية في نهاية العام 2014 علاقاتها السرية مع إسرائيل بعدما تبيّن لها أن نتنياهو غير معني بإحداث تحوّل على صعيد تعاطيها مع القضية الفلسطينية. وأحدث موقف الملك عبدالله خلافاً داخل الحكومة الإسرائيلية السابقة، فوزير الأمن الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، كان يصر على أن تُقدم إسرائيل على خطوات لحل الصراع مع الفلسطينيين من أجل توفير بيئة تسمح باستمالة السعودية وتدفعها للتعاون مع تل أبيب في مواجهة إيران، وهو ما كان يرفضه نتنياهو خوفاً من ردود فعل شركائه من اليمين في الائتلاف.
اقــرأ أيضاً
وقال التحقيق التلفزيوني إنه قد ثبت في النهاية أن نتنياهو كان محقاً، فالسعودية في عهد بن سلمان، لم تعد تطرح حل القضية الفلسطينية كشرط لتطوير العلاقة الثنائية مع تل أبيب. وأشار إلى أن السعودية لم تكن فقط تحثّ إسرائيل على ضرب إيران و"حزب الله"، بل كانت أيضاً مستعدة لتقديم مساعدات لها لتمكينها من تحقيق الهدف. وقال شابيرو في التحقيق إن إدارة أوباما بادرت إلى جسّ نبض نظام الحكم السعودي لمعرفة ما إذا كان مستعداً للسماح للطائرات الحربية الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية في طريقها لضرب إيران، مشيراً إلى أن واشنطن فوجئت عندما اكتشفت أن السعوديين والإسرائيليين قد بحثوا هذه القضية في وقت مسبق.
وكشف التحقيق آليات السعودية لاستثارة الحماس الإسرائيلي لضرب إيران و"حزب الله". فقد نقل عن رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي السابق بندر بن سلطان، قوله لرئيس "الموساد" الإسرائيلي السابق تامير باردو، خلال لقاء بينهما في الرياض مطلع العام 2014: "هل أنتم تمثّلون إسرائيل التي خاضت حرب 1967؟ أم إسرائيل التي خاضت حرب لبنان الثانية؟". وهذا ما فُسر على أنه دعوة سعودية لأن تبادر إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران. وأشار التحقيق إلى أن الرياض نقلت خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 رسائل واضحة لإسرائيل مفادها وجوب توجيه ضربات حاسمة ضد "حزب الله"، قائلاً إن خيبة أمل قوية خيّمت على الرياض بسبب أداء إسرائيل في الحرب.
وفي السياق نفسه، قال ياكوف إنجل، مستشار الأمن القومي الأسبق لنتنياهو، إن نظام الحكم السعودي كان يرى في إسرائيل الطرف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة إيران، وهو ما سمح بإحداث تحوّل على طابع العلاقة.
لكن التحقيق جزم أن اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أسهم في فرملة استراتيجية التطبيع مع إسرائيل التي كان يعكف عليها بن سلمان. وأبدى ياكوف إنجل قلقه لأن اغتيال خاشقجي أضعف كثيراً بن سلمان وجعله عاجزاً عن إخراج العلاقة إلى العلن بسبب تضعضع مكانته الداخلية والعالمية.
وسلط التحقيق الأضواء على الدور الذي أداه نظام الحكم الأردني في تسهيل مهمة إسرائيل في التواصل مع النظام السعودي. وبحسب التحقيق، فقد نظّم الملك الأردني عبدالله الثاني، لقاء في أحد قصوره في عمان عام 2006 بين رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت إيهود أولمرت وبندر بن سلطان.
ولكن على الرغم من أهمية المعلومات التي كشفتها قناة التلفزة الـ13 في تحقيقها، إلا أنها لم تفصّل المظاهر التي تعكس التحوّل الكبير الذي طرأ على العلاقة بين إسرائيل والنظام السعودي بعد صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد؛ فالتحقيق لم يشر مثلاً إلى ما كشفته وسائل إعلام أخرى حول تطور التنسيق بين الاستخبارات السعودية والإسرائيلية في عهد بن سلمان. فقد سبق لموآف فاردي، المعلّق في قناة التلفزة الرسمية "كان"، أن كشف أن نائب مدير المخابرات السعودية أحمد العسيري، يُعتبر شخصية معروفة جداً لقادة الاستخبارات الإسرائيلية، وأنهم كانوا يرون فيه "ذخراً" بكل ما تعني الكلمة. إلى جانب أن التحقيق لم يتطرق لاعتماد نظام بن سلمان على الدعم الإسرائيلي التقني في تعقّب رموز "تيار الصحوة" والشخصيات السعودية التي يرى النظام أنها تتبنى موقفاً لا ينسجم مع توجهاته. فقد سبق لتحقيقين نشرتهما صحيفتا "هآرتس" و"واشنطن بوست"، أن كشفا عن اعتماد الاستخبارات السعودية على تقنيات سايبر تنتجها شركات إسرائيلية في اختراق هواتف رموز "تيار الصحوة" ومن يعتبرهم النظام معارضين له، مثل الصحافي الراحل جمال خاشقجي.
وعلى الرغم من أن معدّ التحقيق التلفزيوني للقناة 13، الصحافي بارك رافيد، معروف بعلاقته غير الدافئة مع ديوان نتنياهو، إلا أن كل المؤشرات تدل على أن الديوان هو الذي منح رافيد الخيوط الرئيسية التي اعتمد عليها في إنتاج تحقيقه الذي تطرق أيضاً إلى مراحل تطوير العلاقة مع البحرين والإمارات. فهناك مصلحة واضحة لنتنياهو عشية الانتخابات العامة وقبل صدور قرار المستشار القضائي بشأن ملفات القضايا التي يواجهها، في الإضاءة على التحوّل الكبير الذي طرأ على "مكانة إسرائيل" في عهده، على الرغم من تشبّث حكومته بسياساتها الاستيطانية والتهويدية ورفضها تقديم أي بادرة تدل على استعدادها لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني.
اقــرأ أيضاً
ففي وقتٍ اشترطت الرياض في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز تطوير علاقتها بإسرائيل بإحداث تقدّم على صعيد حل القضية الفلسطينية، فإن محمد بن سلمان، الذي يراهن على دور إسرائيل في إنجاح رؤية 2030 وينطلق من افتراض مفاده أن تطوير العلاقة مع تل أبيب يحسّن من قدرته على تجنيد دعم أميركي لوصوله إلى الحكم، لم يُبدِ أي اهتمام بحثّ إسرائيل على إبداء مرونة في تعاطيها بشأن الصراع مع الفلسطينيين.
ومما يدل على التحوّل الذي طرأ على موقف السعودية من القضية الفلسطينية منذ وصول بن سلمان إلى الحكم، حقيقة أن الأخير لم يعد يشترط احترام إسرائيل مبادرة السلام العربية، في حين أن تحقيق القناة الإسرائيلية يوثّق موقفاً مغايراً للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. فقد قال السفير الأميركي السابق في تل أبيب دان شابيرو، في التحقيق التلفزيوني، إن الملك عبدالله رد على الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي التقاه في الرياض، عندما طلب منه الإقدام على خطوات لتطبيع العلاقة مع تل أبيب: "لقد قدّمت مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، وموقف إسرائيل منها هو ما سيحدد مستقبل العلاقة بيننا وبينهم، السعودية لن تقود تحركاً لتطبيع العلاقة مع إسرائيل من دون أن نعرف مستقبل القضية الفلسطينية".
وبحسب التحقيق، فقد جمّدت السعودية في نهاية العام 2014 علاقاتها السرية مع إسرائيل بعدما تبيّن لها أن نتنياهو غير معني بإحداث تحوّل على صعيد تعاطيها مع القضية الفلسطينية. وأحدث موقف الملك عبدالله خلافاً داخل الحكومة الإسرائيلية السابقة، فوزير الأمن الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، كان يصر على أن تُقدم إسرائيل على خطوات لحل الصراع مع الفلسطينيين من أجل توفير بيئة تسمح باستمالة السعودية وتدفعها للتعاون مع تل أبيب في مواجهة إيران، وهو ما كان يرفضه نتنياهو خوفاً من ردود فعل شركائه من اليمين في الائتلاف.
وقال التحقيق التلفزيوني إنه قد ثبت في النهاية أن نتنياهو كان محقاً، فالسعودية في عهد بن سلمان، لم تعد تطرح حل القضية الفلسطينية كشرط لتطوير العلاقة الثنائية مع تل أبيب. وأشار إلى أن السعودية لم تكن فقط تحثّ إسرائيل على ضرب إيران و"حزب الله"، بل كانت أيضاً مستعدة لتقديم مساعدات لها لتمكينها من تحقيق الهدف. وقال شابيرو في التحقيق إن إدارة أوباما بادرت إلى جسّ نبض نظام الحكم السعودي لمعرفة ما إذا كان مستعداً للسماح للطائرات الحربية الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية في طريقها لضرب إيران، مشيراً إلى أن واشنطن فوجئت عندما اكتشفت أن السعوديين والإسرائيليين قد بحثوا هذه القضية في وقت مسبق.
وكشف التحقيق آليات السعودية لاستثارة الحماس الإسرائيلي لضرب إيران و"حزب الله". فقد نقل عن رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي السابق بندر بن سلطان، قوله لرئيس "الموساد" الإسرائيلي السابق تامير باردو، خلال لقاء بينهما في الرياض مطلع العام 2014: "هل أنتم تمثّلون إسرائيل التي خاضت حرب 1967؟ أم إسرائيل التي خاضت حرب لبنان الثانية؟". وهذا ما فُسر على أنه دعوة سعودية لأن تبادر إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران. وأشار التحقيق إلى أن الرياض نقلت خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 رسائل واضحة لإسرائيل مفادها وجوب توجيه ضربات حاسمة ضد "حزب الله"، قائلاً إن خيبة أمل قوية خيّمت على الرياض بسبب أداء إسرائيل في الحرب.
وفي السياق نفسه، قال ياكوف إنجل، مستشار الأمن القومي الأسبق لنتنياهو، إن نظام الحكم السعودي كان يرى في إسرائيل الطرف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة إيران، وهو ما سمح بإحداث تحوّل على طابع العلاقة.
لكن التحقيق جزم أن اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أسهم في فرملة استراتيجية التطبيع مع إسرائيل التي كان يعكف عليها بن سلمان. وأبدى ياكوف إنجل قلقه لأن اغتيال خاشقجي أضعف كثيراً بن سلمان وجعله عاجزاً عن إخراج العلاقة إلى العلن بسبب تضعضع مكانته الداخلية والعالمية.
وسلط التحقيق الأضواء على الدور الذي أداه نظام الحكم الأردني في تسهيل مهمة إسرائيل في التواصل مع النظام السعودي. وبحسب التحقيق، فقد نظّم الملك الأردني عبدالله الثاني، لقاء في أحد قصوره في عمان عام 2006 بين رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت إيهود أولمرت وبندر بن سلطان.
ولكن على الرغم من أهمية المعلومات التي كشفتها قناة التلفزة الـ13 في تحقيقها، إلا أنها لم تفصّل المظاهر التي تعكس التحوّل الكبير الذي طرأ على العلاقة بين إسرائيل والنظام السعودي بعد صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد؛ فالتحقيق لم يشر مثلاً إلى ما كشفته وسائل إعلام أخرى حول تطور التنسيق بين الاستخبارات السعودية والإسرائيلية في عهد بن سلمان. فقد سبق لموآف فاردي، المعلّق في قناة التلفزة الرسمية "كان"، أن كشف أن نائب مدير المخابرات السعودية أحمد العسيري، يُعتبر شخصية معروفة جداً لقادة الاستخبارات الإسرائيلية، وأنهم كانوا يرون فيه "ذخراً" بكل ما تعني الكلمة. إلى جانب أن التحقيق لم يتطرق لاعتماد نظام بن سلمان على الدعم الإسرائيلي التقني في تعقّب رموز "تيار الصحوة" والشخصيات السعودية التي يرى النظام أنها تتبنى موقفاً لا ينسجم مع توجهاته. فقد سبق لتحقيقين نشرتهما صحيفتا "هآرتس" و"واشنطن بوست"، أن كشفا عن اعتماد الاستخبارات السعودية على تقنيات سايبر تنتجها شركات إسرائيلية في اختراق هواتف رموز "تيار الصحوة" ومن يعتبرهم النظام معارضين له، مثل الصحافي الراحل جمال خاشقجي.