نال الرئيسان الأميركي باراك أوباما، والمصري عبد الفتاح السيسي، نصيباً وافراً من انتقاد منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي الصادر اليوم الأربعاء، والمؤلف من 346 صفحة تغطي أوضاع الحقوق والحريات في العالم أجمع.
وحرصت المنظمة كعادتها عند إصدار تقاريرها السنوية على تضمين اسم كل رئيس أو ملك في مقدمة الصفحات المتعلقة بدولته، في تأكيد ضمني منها أن صانع السياسات الأول في بلاده هو أول من يتحمل المسؤولية الأخلاقية والجنائية والسياسية والتاريخية عن كافة الانتهاكات التي تدور في عهده.
أميركا.. انتهاكات بلا حساب
ومن اللافت، أن الصفحات المتعلقة بالولايات المتحدة بدأتها المنظمة بالإشارة إلى غياب المحاسبة التي تخشاها الإدارات الأميركية أكثر من غيرها.
وجاء في التقرير إن إدارة أوباما لم تخضع أي مسؤول أميركي للمحاسبة عن الجرائم المرتكبة في عهده أو عهد سلفه جورج بوش في سياق برنامج الاعتقال السري لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، ولا عن إبقاء العشرات رهن الاحتجاز العسكري بدون محاكمة في قاعدة غوانتنامو البحرية للولايات المتحدة، بكوبا.
وجاء صدور التقرير في وقت مناسب للرئيس أوباما ليدعم به محاولاته الرامية إلى إغلاق معسكر غوانتانامو. وكانت الولايات المتحدة قد تعهدت للجنة حقوق الإنسان بمراعاة حظر التعذيب والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي "لأي شخص في حجزها حيثما كان محتجزاً"، و"بمحاسبة المسؤولين عن مثل هذه الأفعال". ومع ذلك، لم يتخذ أي أجراء لوضع حد للإفلات من العقاب على الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان التي ارتكبت في سياق برنامج الاعتقال السري، الذي كانت "وكالة الاستخبارات المركزية" تطبقه، بتفويض من بوش عقب هجمات الحادي عشر من سبتبمر.
المهاجرون والنساء والأقليات
وعلى صعيد الانتهاكات داخل الأراضي الأميركية، جاء في التقرير أن السلطات ألقت القبض على أكثر من 35000 طفل غير مصحوب بقريب، و34000 عائلة أثناء عبورهم الحدود الجنوبية خلال السنة، واحتجزت العائلات القادمة من المكسيك ودول أميركا الوسطى عدة أشهر في مرافق تفتقر إلى الرعاية الطبية، والغذاء والماء الصحيين، والمشورة القانونية.
كما ظلت النساء االأميركيات من أصول أفريقية عرضة بمعدل ما يقرب من أربعة أضعاف للوفاة بسبب مضاعفات ما يتعرضن له من عنف.
مصر: إرهاب باسم مكافحة الإرهاب
أما في مصر فقد تفوقت قوات الأمن على نظيرتها الأميركية في استخدام القوة المفرطة ضد المواطنين وبخاصة في سيناء، كما امتدت انتهاكاتها لتشمل إلى جانب المواطنين المصريين المواطنين الفلسطينيين في غزة ومواطني ليبيا، حيث قتلت الطائرات المصرية مدنيين ليبيين جراء غارات شنتها على إرهابيين مفترضين في ليبيا.
وأغلقت مصر حدودها مع غزة، معظم فترات العام، كما ودمر الجيش المصري أنفاقاً للتهريب تحت خط الحدود، وأغرق المنطقة بالمياه، حسبما ورد في التقرير. واستمرت القوات المسلحة بعمليات الإخلاء القسري للتجمعات التي تعيش على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، حيث تسعى السلطات إلى إقامة "منطقة أمنية عازلة".
اقرأ أيضاً مصر: "حكومة الظل" تخطط لتعديل وزاري لاحتواء الغضب
وفي الداخل استمرت عمليات القبض والاحتجاز بصورة تعسفية، حيث قبضت قوات الأمن على 11877 من أعضاء من تسميهم بـ "الجماعات الإرهابية" خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
وفرضت السلطات قيوداً تعسفية على الحق في حرية التجمع السلمي، بموجب "قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية"، رغم أن المظاهرات العام الماضي كانت أقل من مثيلتها في السنوات الأخيرة، لكن قوات الأمن واصلت استخدام القوة المفرطة أو غير الضرورية لتفريق المظاهرات "غير المرخصة" وغيرها من التجمعات العامة، مما أسفر عن حدوث وفيات وإصابات جسيمة.
وقد لقي العشرات مصرعهم جراء القوة المفرطة على أيدي قوات الأمن. وأشارت المنظمة إلى أن العفو الذي أصدره السيسي عن 100 شخص، بينهم صحافيون وناشطون سُجنوا لمشاركتهم في مظاهرات لم يشمل المسجونين من زعماء الحركات الشبابية المصرية أو زعماء جماعة "الإخوان المسلمين".
وركزت المنظمة على قانون 2015 المصري لمكافحة الإرهاب، موجهة انتقادات شديده له من بينها تعريفه "العمل الإرهابي" بعبارات مبهمة وفضفاضة للغاية بما يسهل تجييره وتفسيره حسب أهواء السلطات. وقالت المنظمة إن القانون الجديد يمنح السيسي صلاحيات "باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام"، وهي صلاحيات مماثلة لتلك الممنوحة بموجب قانون الطوارئ.
وقد قبض على عدد من العاملين في بعض منظمات حقوق الإنسان وخضعوا للتحقيق أمام مسؤولين أمنيين، وكذلك أمام "لجنة خبراء" عينتها السلطات في إطار التحقيقات الجنائية الجارية بخصوص أنشطة جماعات حقوق الإنسان وتمويلها. ومنعت السلطات بعض نشطاء حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين من العمل حيث وصل عدد الجمعيات المغلقة إلى ما يزيد عن 480 جمعية أهلية باعتراف الحكومة وتحت مبرر صلتها مع جماعة "الإخوان المسلمين".
وقدم عدد من الصحافيين إلى المحاكمة بتهمة نشر "أخبار وإشاعات كاذبة" أو غيرها من التهم الجنائية ذات الدوافع السياسية. وقضت المحاكم بمعاقبة بعضهم بالسجن لمدد طويلة، بينما حكم على أحدهم بالإعدام.
اقرأ أيضاً مركز "النديم" المصري: أنهوا التعذيب تتوقف التقارير
ووفقاً للتقرير فقد ظل بعض الأشخاص يتعرضون للمحاكمة بتهم جنائية مثل "ازدراء الأديان" أو "خدش الحياء العام" بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير. وأدانت المحاكم مئات الأشخاص بتهم من قبيل "الإرهاب" و"المشاركة في مظاهرة بدون ترخيص"، والمشاركة في أحداث العنف السياسي، والانتماء إلى جماعات محظورة، وذلك إثر محاكمات جنائية فادحة الجور، لم تقدم فيها النيابة ما يثبت المسؤولية الجنائية الفردية لأي من المتهمين.
وواجه الرئيس السابق محمد مرسي خمس محاكمات منفصلة، مع مئات من المتهمين الآخرين، وبينهم عدد من قادة جماعة "الإخوان المسلمين".
وقالت المنظمة إن السلطات المصرية تقاعست عن إجراء تحقيقات فعالة ومستقلة ونزيهة بخصوص معظم حالات انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاستخدام المتكرر للقوة المفرطة من جانب قوات الأمن، مما أسفر عن وفاة مئات المتظاهرين.
وقضت المحاكم بمسؤولية عدد قليل من أفراد قوات الأمن عن أعمال قتل بشكل غير قانوني، في قضايا تتصل بأحداث عدة كانت موضع تنديد واسع النطاق على المستويين المحلي والدولي.
وظلت ظروف الاحتجاز في السجون وأقسام الشرطة بالغة السوء، وكانت الزنازين شديدة الاكتظاظ وغير صحية، وفي بعض الحالات منع المسؤولون الأهالي والمحامين من تقديم الأغذية والأدوية وغيرها إلى ذويهم المسجونين.
وأصدرت المحاكم مئات من أحكام الإعدام على متهمين أدينوا بتهمة "الإرهاب" وغيرها من التهم المتصلة بالعنف السياسي الذي أعقب عزل مرسي، في يوليو/تموز 2013، وكذلك بتهمة القتل العمد وارتكاب جرائم أخرى. وكان من بين الذين أعدموا سجناء صدر ضدهم الحكم بعد محاكمات جائرة أمام محاكم جنائية وعسكرية. وأعدم بالفعل سبعة أشخاص العام الماضي إثر محاكمة جائرة أمام محكمة عسكرية، بالرغم من وجود أدلة على أن مسؤولين أمنيين قد عذبوا هؤلاءالسبعة لإجبارهم على "الاعتراف" بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام، كما زوروا تواريخ القبض عليهم في مستندات رسمية.
ولم يهمل التقرير الانتهاكات التي جرت على أيدي الجماعات المسلحة، واستهدافها للمدنيين بمن فيهم ركاب طائرة مدنية روسية يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متن الطائرة، وعددهم 224 شخصاً، معظمهم من مواطني روسيا. وهاجمت الجماعة المسلحة المعروفة باسم "ولاية سيناء" مدنيين وجنوداً وضباط شرطة.
وحذرت المنظمة من خطط للحكومة المصرية لإخلاء مناطق في القاهرة نفسها قسرياً، لا تشمل بدائل مرضية للسكان بما يخالف أبسط قواعد احترام حقوق الإنسان.
اقرأ أيضاً: "إمبراطورية أمناء الشرطة" خارج السيطرة... واستعجال رسمي لضبط الغضب