09 سبتمبر 2024
العفوية الثورية... إلى متى؟
اتّسمت الحركة الثورية السورية، منذ بداياتها، بطابعها العفوي المتجلي في شكل الحراك وصيغة الشعارات الثورية وغياب برنامج ثوري واضح المعالم، إذا استثنينا الإعلان عن قائمة بأهداف الحراك في مناطق متفرقة، منها درعا ودوما، في بدايات الثورة، بالإضافة إلى غياب القوى أو الشخصيات الممثلة للثورة وأهدافها، ما أفسح المجال أمام مختلف التيارات لقراءة الثورة السورية، وتحديد أهدافها وترتيب أولوياتها، كل حسب رؤيته الخاصة، فشهدت الثورة تعدّداً في التشكيلات السياسية والعسكرية، خصوصاً المنبثقة ما بعد الثورة، والتي تدّعي تمثيل الثورة، على الرغم من تمثيلها الفعلي مصالح القوى والدول الداعمة لها.
وتُعزى عفوية الحراك إلى غياب النشاط السياسي الشعبي عن الساحة السورية، منذ بداية الثمانينات، إن لم نقل منذ بداية السبعينات، ما أوجد فجوة كبيرة بين الناشطين والمفكرين السياسيين من جهة وغالبية شرائح الشعب السوري من جهة أخرى، حيث انحصر الخطاب والنشاط الإعلامي والسياسي، في مرحلة ما قبل الثورة السورية، بالخطاب الرسمي السوري، ممثلاً بقيادات الدولة والحزب والقيادات النقابية الممثلة للتوجه نفسه، مع وجود خطابٍ رديفٍ وهامشيٍّ من الأحزاب التقليدية المنخرطة، بشكل رسمي أو غير رسمي، بما يعرف في سورية بالجبهة الوطنية، وهي بنى منسجمة إلى حد التطابق مع الخطاب والتوجه العام للنظام السوري، وخاضعة بالمطلق لنفوذ أجهزته الأمنية وسيطرتها.
لكن، وعلى الرغم من البداية العفوية للحراك، إلا أنه سعى إلى الالتقاء مع المثقفين والمفكرين السوريين، للعمل معهم على إيجاد قوة دعم معنوية وتنظيمية ومعرفية، ترفد النشاط الثوري الآخذ بالصعود، بينما شهدنا على الطرف الآخر تقوقع غالبية النخب السياسية والثقافية في عالمها الطوباوي، مهدرة فرصة تاريخية (ما زالت سانحة)، للانخراط في العمل السياسي الحقيقي القائم على الاندماج مع المكونات الشعبية الثائرة، لتعيش وتدرك معاناتها وأوجاعها الراهنة، والعمل على سبر أسباب هذه المعاناة أولاً، ومن ثم تحديد السبل والأدوات الواجب اتباعها لتحقيق آمال الجماهير الثائرة لاحقاً.
وقد أدى تخاذل النخب السياسية والثقافية السابق الذكر إلى مزيدٍ من التخبط الشعبي، نتيجة بحثها الدائم والمستمر، حتى اللحظة، عن ممثلين ومعبّرين عن الثورة، حيث لا تكاد تعبر الجماهير الثائرة عن احتفالها بوجود قوة إقليمية أو جسم سياسي معارض للنظام ومؤيد للثورة، حتى تعبر عن نبذها ورفضها له، رد فعل على تمثيله مصالح القوى الإقليمية والدولية الراعية له، وعدم تمثيله أهداف الثورة. وبالتالي، باتت الجماهير الثائرة تشكل عائقاً أمام الجهود الدولية والإقليمية الهادفة إلى حرف الثورة السورية وتسييرها في خدمة مصالحهم وغاياتهم، بينما نشهد نجاحاً نسبياً للجهود الدولية في فرض قوى الثورة المضادة في جميع المعادلات السياسية والعسكرية، نتيجة لغياب القوة المنظمة والمعبّرة عن آمال الجماهير الثائرة وتطلعاتها، فوضعت الحركة الثورية في مواجهة أكثر تعقيداً وصعوبةً، مقارنة بالوضع القائم في بدايات الحركة الثورية، فهي مضطرّة اليوم لخوض معارك متعدّدة، سياسية وعسكرية، لمواجهة قوى النظام من جهة وأدوات اللاعبين الدوليين على الأرض السورية، من جهة أخرى.
وعليه، يمكننا استنتاج أن استمرار العفوية الثورية لمزيدٍ من الوقت، يعرّض نجاح الثورة
وتحقيق أهدافها المتمثلة بالانتقال إلى مجتمعٍ تسوده العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لخطر الفشل، خصوصاً بعد تراجع المظاهرات الجماهيرية، نتيجة دموية الصراع السوري أو الدولي في سورية حالياً من جهة ونتيجة زيادة القمع الأمني، سواء من الأجهزة الأمنية السورية في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، أو من الفصائل العسكرية المعارضة في المناطق المسيطرة عليها من جهة أخرى، والتي تترافق مع زيادة وتيرة التدخلات الدولية والإقليمية في الشأن السوري، فضلاً عن استمرار لعبة الكراسي الموسيقية في الجسم السياسي السوري، عبر تولّد التشكيلات السياسية من الأفراد أنفسهم، بعد بعض الانشقاقات أو الاستقالات السياسية من الجسم القديم، والتقرب من شخصياتٍ من أجسامٍ أخرى، لتعلن ولادة جسم جديد، ممثل لمصالح إحدى القوى الدولية أو الإقليمية، طبعاً بالإضافة إلى تنوّع مصالح المكونات العسكرية وتضاربها، وأيضاً وفقاً لمصالح القوى الداعمة.
وعلى الرغم من إيماننا باستحالة هزيمة الثورة الشعبية، كونها مستمرة حتى الانتقال إلى مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلا أن احتمالات تعرضها لانتكاسات وفتور قائمة نتيجة افتقارها القيادة والتنظيم السياسي، ما يفسح المجال أمام عمليات التحايل على تمثيل الثورة والعمل على فرض ممثلين عليها بالقوتين العسكرية والمالية، بالإضافة إلى تنامي مسلسل كم الأفواه الثورية، من خلال عمليات القمع المباشرة، أو عبر تصعيد العمليات العسكرية، بمباركة ودعم إقليمي ودولي للأقطاب العسكرية المتناحرة، ما يكلف الوطن والمواطن السوري أثماناً باهظة، وتصبح معالجة هذه التشوهات وحلها معضلةً أكبر من معضلة انتصار الثورة حالياً، خصوصاً إذا تمكّنت قوى الثورة المضادّة متحالفةً مع قوى النظام السوري، في قادم الأيام والسنوات من السير باتجاه التقسيم الإداري من جهة، وضرب التعايش السوري عبر جرّه إلى الاقتتال، والانفصال على خلفيات إثنية وطائفية من جهة أخرى.
وتُعزى عفوية الحراك إلى غياب النشاط السياسي الشعبي عن الساحة السورية، منذ بداية الثمانينات، إن لم نقل منذ بداية السبعينات، ما أوجد فجوة كبيرة بين الناشطين والمفكرين السياسيين من جهة وغالبية شرائح الشعب السوري من جهة أخرى، حيث انحصر الخطاب والنشاط الإعلامي والسياسي، في مرحلة ما قبل الثورة السورية، بالخطاب الرسمي السوري، ممثلاً بقيادات الدولة والحزب والقيادات النقابية الممثلة للتوجه نفسه، مع وجود خطابٍ رديفٍ وهامشيٍّ من الأحزاب التقليدية المنخرطة، بشكل رسمي أو غير رسمي، بما يعرف في سورية بالجبهة الوطنية، وهي بنى منسجمة إلى حد التطابق مع الخطاب والتوجه العام للنظام السوري، وخاضعة بالمطلق لنفوذ أجهزته الأمنية وسيطرتها.
لكن، وعلى الرغم من البداية العفوية للحراك، إلا أنه سعى إلى الالتقاء مع المثقفين والمفكرين السوريين، للعمل معهم على إيجاد قوة دعم معنوية وتنظيمية ومعرفية، ترفد النشاط الثوري الآخذ بالصعود، بينما شهدنا على الطرف الآخر تقوقع غالبية النخب السياسية والثقافية في عالمها الطوباوي، مهدرة فرصة تاريخية (ما زالت سانحة)، للانخراط في العمل السياسي الحقيقي القائم على الاندماج مع المكونات الشعبية الثائرة، لتعيش وتدرك معاناتها وأوجاعها الراهنة، والعمل على سبر أسباب هذه المعاناة أولاً، ومن ثم تحديد السبل والأدوات الواجب اتباعها لتحقيق آمال الجماهير الثائرة لاحقاً.
وقد أدى تخاذل النخب السياسية والثقافية السابق الذكر إلى مزيدٍ من التخبط الشعبي، نتيجة بحثها الدائم والمستمر، حتى اللحظة، عن ممثلين ومعبّرين عن الثورة، حيث لا تكاد تعبر الجماهير الثائرة عن احتفالها بوجود قوة إقليمية أو جسم سياسي معارض للنظام ومؤيد للثورة، حتى تعبر عن نبذها ورفضها له، رد فعل على تمثيله مصالح القوى الإقليمية والدولية الراعية له، وعدم تمثيله أهداف الثورة. وبالتالي، باتت الجماهير الثائرة تشكل عائقاً أمام الجهود الدولية والإقليمية الهادفة إلى حرف الثورة السورية وتسييرها في خدمة مصالحهم وغاياتهم، بينما نشهد نجاحاً نسبياً للجهود الدولية في فرض قوى الثورة المضادة في جميع المعادلات السياسية والعسكرية، نتيجة لغياب القوة المنظمة والمعبّرة عن آمال الجماهير الثائرة وتطلعاتها، فوضعت الحركة الثورية في مواجهة أكثر تعقيداً وصعوبةً، مقارنة بالوضع القائم في بدايات الحركة الثورية، فهي مضطرّة اليوم لخوض معارك متعدّدة، سياسية وعسكرية، لمواجهة قوى النظام من جهة وأدوات اللاعبين الدوليين على الأرض السورية، من جهة أخرى.
وعليه، يمكننا استنتاج أن استمرار العفوية الثورية لمزيدٍ من الوقت، يعرّض نجاح الثورة
وعلى الرغم من إيماننا باستحالة هزيمة الثورة الشعبية، كونها مستمرة حتى الانتقال إلى مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلا أن احتمالات تعرضها لانتكاسات وفتور قائمة نتيجة افتقارها القيادة والتنظيم السياسي، ما يفسح المجال أمام عمليات التحايل على تمثيل الثورة والعمل على فرض ممثلين عليها بالقوتين العسكرية والمالية، بالإضافة إلى تنامي مسلسل كم الأفواه الثورية، من خلال عمليات القمع المباشرة، أو عبر تصعيد العمليات العسكرية، بمباركة ودعم إقليمي ودولي للأقطاب العسكرية المتناحرة، ما يكلف الوطن والمواطن السوري أثماناً باهظة، وتصبح معالجة هذه التشوهات وحلها معضلةً أكبر من معضلة انتصار الثورة حالياً، خصوصاً إذا تمكّنت قوى الثورة المضادّة متحالفةً مع قوى النظام السوري، في قادم الأيام والسنوات من السير باتجاه التقسيم الإداري من جهة، وضرب التعايش السوري عبر جرّه إلى الاقتتال، والانفصال على خلفيات إثنية وطائفية من جهة أخرى.