العرب ومسألة البيئة

16 اغسطس 2015

ناشطون أردنيون في وقفة تدعو إلى حماية البيئة

+ الخط -
أصبحت البيئة الشغل الشاغل لدول في العالم، ليست معنية مباشرة بالتقلبات المناخية، مقارنة بدول أخرى، تعرف كوارث طبيعية متكررة، نتيجة التقلبات المناخية. وتأتي الديمقراطيات الليبرالية الغربية في مقدمة الدول المهتمة بحماية البيئة التي أصبحت جزءاً من أجندتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بل يبدو بعضها كأنه أعلن حالة طوارئ بيئية، في محاولة لتدارك الوضع قبل فوات الأوان، مركزة جهودها على الصعيدين: المحلي، لحماية البيئة والتقليل المبرمج لاستخدام المصادر الطاقوية ذات الانبعاثات المضرّة بالبيئة، وتحبيذ استخدام الطاقات المتجددة وتطويرها. والدولي، بتحسيس بقية الدول بأهمية البيئة وعالميتها، كون تدمير البيئة كما حمايتها مسؤولية جماعية، فالكوكب واحد والمصير واحد. فتحسباً للمؤتمر العالمي حول البيئة، المزمع في باريس نهاية العام، تطور فرنسا دبلوماسية بيئية حقيقية، لتحسيس الدول بأهمية الموضوع، وبضرورة إنجاح المؤتمر، لأن مصير الإنسانية على المحك. ويمكن القول إن الغلبة، إلى حد الآن، للوعود على الالتزامات، فإن أشواطاً كبيرة قُطعت في حماية البيئة، على مختلف المستويات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
 
على الرغم من الحراك البيئي العالمي، لا يحرك العرب ساكناً، وكأن المسألة لا تعنيهم، وكأنها هم الدول المتقدمة والمصنعة فحسب. صحيح أن هناك جمعيات أهلية عربية تنشط في مجال حماية البيئة، إلا أن نشاطها يبقى محدوداً لغياب الوعي البيئي من جهة، وللقيود السياسية المفروضة على النشاط الجمعوي في العالم العربي، من جهة ثانية. ومن الأهمية أن نلاحظ، في هذا الصدد، عدم وجود أحزاب الخضر في المنطقة العربية، على الرغم من أن هذا التيار السياسي (بغض النظر مما له وما عليه) حاضر بقوة في الديمقراطيات الليبرالية. وهذا، بحد ذاته، دلالة على ضعف الوعي البيئي، إن لم نقل غيابه. بالطبع قد يقول قائل إن العرب متأخرون في كل المجالات، فكيف بهم أن يتقدموا، أو حتى يهتموا بالبيئة الحديثة العهد في الأجندة السياسية الدولية. هذا صحيح. لكنْ هناك عاملان يلزمان على العرب الاهتمام بالبيئة، وفي أقرب وقت. أولهما أنه، بحكم الطبيعة المناخية الحارة للمنطقة العربية، فإن أي ارتفاع، ولو طفيفاً، لدرجة الحرارة على سطح الكرة الأرضية، ستكون له انعكاسات جسيمة على البلدان العربية (ارتفاع درجات الحرارة، ندرة حادة في المياه – في منطقة تعيش الندرة أصلاً – استهلاك واسع للطاقة في أجهزة التبريد، ارتفاع استهلاك وبالتالي تكاليف الطاقة...). ثانيهما أن جهود حماية البيئة في العالم تنصب، فيما تنصب، على التقليل من الاعتماد على الطاقات غير المتجددة والمضرة بالبيئة، وهي الطاقات (النفط بالأساس) التي تشكل المصدر الأساسي لمداخيل دول عربية.
من ثم، العالم العربي معني، أكثر من غيره، بالمسألة البيئية، لأن ظاهرة الاحتباس الحراري تزيد من وضعه تعقيداً، فمع الارتفاع المحسوس في درجات الحرارة، تستهلك الدول العربية النفطية، لا سيما الخليجية، المزيد من الطاقة لأغراض التبريد. وبهذا، هي تزيد من استهلاكها الطاقة الملوثة، ما يساهم في الاحتباس الحراري، وهكذا دواليك. إنها حلقة مفرغة تدل على غياب الوعي البيئي، وعلى استراتيجية رهن مستقبل الأجيال القادمة. وربما جعل غياب هذا الوعي، فضلاً عن غياب الترشيد الاقتصادي، دولاً عربية تختار استراتيجية تحلية مياه البحر (أقل من 1% من المياه العذبة المستهلكة يومياً في العالم تأتي من تحلية مياه البحر) لتغطية بعض حاجياتها من المياه، على الرغم من أن هذه التقنية مستهلكة للطاقة، وبالتالي، مضرة للبيئة ومكلفة للغاية (تكلفة لتر واحد من الماء تم الحصول عليه بتحلية مياه البحر أعلى بكثير من تكلفة لتر واحد من الماء "أنتج" بطرق تقليدية").
آن الأوان أن يتدارك العرب الأمر، لأن مصير الكوكب يعنيهم كغيرهم من الأقوام، ولأن منطقتهم، بحكم طبيعتها المناخية، أكثر انكشافاً وتضرراً من غيرها من التقلبات المناخية. وإن تقاعسوا، ستكون بلادهم أول المتضررين واقتصادياتهم أيضاً. تتوجه الدول المتقدمة نحو ترشيد استخدام الطاقات غير المتجددة، المضرّة بالبيئة، وتطوير الطاقات النظيفة، ما يعني الحد من الحاجة إلى المحروقات. بالطبع، لا يزال المشهد الاقتصادي العالمي بعيداً عن مثل هذا الوضع، إلا أن الاتجاه نحو الطاقات النظيفة أكيد بكل المعايير.
من الواضح أن البيئة قضية سياسية بكل المقاييس، ويقتضي الاهتمام بها بالضرورة مراجعة الوضع الراهن عربيا. فالبيئة ليست مسألة هينة، بالنسبة للتسلطية العربية النفطية، بالنظر لدور الريع النفطي، كأحد أهم ركائز التسلطية. وعليه، قضية البيئة، بامتداداتها السياسية والاقتصادية، معضلة سياسية بكل المقاييس، بالنسبة للدول التسلطية النفطية، وحتى غير النفطية (نظراً للمعونات التي تتلقاها دول غير نفطية).