العرب وأنيميا "القوة الدافعة"

01 ابريل 2015

مقاتلتان سعوديتان في سماء اليمن ضمن "عاصفة الحزم" (28مارس/2015/Getty)

+ الخط -

لماذا يُحقق فريق رياضي ما النجاح بشكل مستمر فترة طويلة نسبيا، ويبدو الفوز حليفه، في كل مباراة، وبحيث تحرز كل رمية هدفاً؟ وفي المقابل، لماذا يبدأ فريق آخر بالانحدار، على الرغم من امتلاكه كل مقوّمات النجاح، إلى درجة يظهر فيها أنه لا توجد طريقة تُفلح معه، على الرغم من الجهد المبذول، أو عدد الحلول التي يتم تجريبها؟

يجيب جون سي ماكسويل، الكاتب الأميركي المختص في التنمية البشرية، في كتابه القيّم، (21 قانوناً لا تقبل الجدل في القيادة)، على التساؤل السابق، بتفصيل كثير، مرجعا السبب إلى ما يسميه "قانون القوة الدافعة". وهذه، بنظر ماكسويل، أهم أسرار النجاح، بالنسبة للأفراد والمؤسسات معا، فهي: "أوفى أصدقاء القائد، وفي أحيان كثيرة، تكون الشيء الوحيد الذي يصنع الفارق بين الخسارة والفوز".

ولو أردنا أن نطبّق هذا القانون علينا كعرب، من جهة، وعلى جيراننا "الإيرانيين، والأتراك، والأوروبيين"، من ناحية أخرى، لأمكننا فهم كثير مما جرى ويجري. فمن الواضح أن هؤلاء يمتلكون، منذ سنوات طويلة، قوة دافعة كبيرة، مكّنتهم من تحقيق مكاسب كثيرة على حسابنا، نحن العرب.

فالإيرانيون، مثلاً، ساروا، طوال الفترة الماضية، كقطار سريع، حطّم كل الجدران القصيرة، والآيلة للسقوط التي اعترضت طريقه، فنجحوا في ملفات عديدة، بدءا من مشروعهم النووي، وليس انتهاءً بسيطرتهم على أربع عواصم عربية، كما قال بعض ساستهم. إنهم بما يملكون من "قوة دافعة"، ينطبق عليهم، قول ماكسويل، حيث العقبات تبدو أمامهم صغيرة، والمتاعب هينة. إنهم يشبهون قطاراً يتحرك بسرعة ستين ميلاً في الساعة، وقادر على تحطيم أي حائط خرساني مدعّم بالفولاذ يعترض طريقه.

أما العرب، فقد دفع بهم غياب "القوة الدافعة"، طوال الفترة الماضية، إلى لعب دور "الرجل المريض"، سائرين من فشل إلى آخر، ومن انحدار إلى سقوط، هائمين على وجوههم، يهربون من المطر، فيقعون تحت "المزراب"، على الرغم من امتلاكهم كل مقومات النهوض والانتصار. وقد انعكس هذا على الشعوب العربية، فقد أصابها اليأس والقنوط، وتبلدت المشاعر، وبدأ عرب كثيرون يتجهون إما نحو "السلبية"، والانكفاء على الذات، أو نحو التشدد والتزمت، وتأييد الفكر المتطرف.

وكأن ماكسويل، في كتابه المذكور أعلاه، يصف العرب، حيث يقول: "عندما لا تكون لديك أي قوة دافعة، فإن أبسط المهام ستبدو مستحيلة، وستبدو المشكلات الصغيرة كأنها عقبات لا تقهر، وستنخفض الروح المعنوية، ويبدو المستقبل مظلماً (..). المؤسسة التي لا تمتلك القوة الدافعة تشبه "قطاراً معطلاً"، من الصعب عليه التقدم إلى الأمام، ويمكن لأي قطعة خشبية صغيرة على الطريق أن تعوقه تماماً عن التقدم".

مر أكثر من نصف قرن على استقلال أغلب البلاد العربية، والعرب عاجزون عن تحقيق أي تقدم، أو إنجاز على أي صعيد، بل إن الخرق يتسع، والأزمات تكثر، والتحديات تزداد، والمخاطر تكثر.

إنهم عاجزون عن تحقيق أي شيء لقضاياهما القديمة، كفلسطين، ولا الجديدة، كالعراق، وسورية، وكأنهم سجناء محكوم عليهم بالإعدام، وينتظرون تنفيذ الحكم باستسلام تام. وفي الوقت الذي تركّز فيه دول العالم جهودها على التنمية، والتطوّر في مختلف المجالات، أصبحت هواجسنا كعرب، تتمثل في كيفية مواجهة الحروب الأهلية، ووقف الصراعات التي اندلعت، ولا نعرف كيف ستنتهي.

لكن، هل نستطيع القول إن تغيرا حدث للعرب، مع بدء عملية "عاصفة الحزم"؟ نرجو أن يكون هذا صحيحا، فمن الواضح أن القيادة السعودية الجديدة تمتلك قدرا كبيرا من "القوة الدافعة"، تمثلت بأخذ القرار بشن حرب عسكرية، على الرغم من مقدار المخاطرة الكبيرة التي تكتنفها.

لكنّ طريقا طويلا، مملوءاً بالأشواك والألغام، ينتظرنا، قبل أن تتملكنا هذه "القوة الدافعة" المفقودة، وتسير بنا نحو المستقبل، وتأخذنا نحو مكان لائق تحت الشمس.

EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة