العراق وسط النفق: القرار بين نصرالله وطهران...وأجواء تشبه الانقلاب

14 ابريل 2016
ورقة حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة مطروحة (فرانس برس)
+ الخط -
دخلت الأزمة السياسية في العراق منعطفاً خطيراً بعد فشل جلسة البرلمان الطارئة التي دعا إليها نواب عن كتل سياسية مختلفة، أمس الأربعاء، والذين لا يزالون معتصمين داخل قاعة البرلمان، لليوم الثاني على التوالي. وتخلّل الجلسة الاستثنائية تشابك بالأيدي وقناني المياه، والأحذية بين نواب عن كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي ونواب أكراد. ولم تخلُ الجلسة من مشادة كلامية بين نواب عن اتحاد القوى ونواب آخرين عن التحالف الوطني الحاكم بالبلاد. الأمر الذي دفع رئيس البرلمان، سليم الجبوري، إلى استدعاء رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وهو ما لم يحدث، ما أدى لرفع الجلسة إلى صباح اليوم الخميس، وسط معلومات تؤكد طلب الجبوري الرسمي لحلّ مجلس النواب، وإجراء انتخابات مبكرة. 

في غضون ذلك، يحلّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ضيفاً في العاصمة اللبنانية بيروت، في زيارة إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، والذي دخل على خط الأزمة كوسيط مكلّف من طهران، وفقاً لمصادر عراقية سياسية وحكومية متطابقة. في حين يستمر المرجع الديني الأعلى علي السيستاني بإغلاق بابه أمام قادة الكتل السياسية بالتحالف الوطني، ما دفع قادة كتل ووفود للتوجه فوراً إلى طهران.

مساع لتطويق الأزمة
تبذل أوساط سياسية شيعية في كل من بيروت وطهران جهوداً كبيرة لمنع انهيار التحالف الوطني، بعد انشقاقه إلى كتل مؤيدة للعبادي وأخرى رافضة له. ويأتي ذلك، في ظلّ مساعي نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، للعودة مرة أخرى من بوابة حكومة الطوارئ، في الوقت الذي تصاعدت فيه مطالبات الكتل بإقالة رئيس البرلمان والجمهورية، والحكومة من مناصبهم استناداً إلى المادة 13 من الدستور العراقي الجديد الذي ينصّ على إمكانية إقالة الرؤساء الثلاث بعد جمع تواقيع 100 نائب لاستجوابهم. واستبق رئيس البرلمان تلك المساعي إلى الدعوة لحلّ البرلمان، نهائياً، كخطوة استباقية تمنع فيه تحرك التكتلات داخل البرلمان لإقالته أو رئيس الجمهورية، فيما لا تزال الأنظار تتجه إلى جلسة، اليوم الخميس، وما سيسفر عنها من تطورات.

لا حكومة جديدة
وتؤكد مصادر عراقية رفيعة المستوى في بغداد أن تشكيلة الحكومة الجديدة بصيغتها الثانية لن تقر، اليوم، وهو ما بدا واضحاً من أجواء جلسة الأربعاء الطارئة. ويقول مسؤول عراقي رفيع المستوى إن "الأجهزة الأمنية العراقية دخلت حالة الإنذار القصوى والمليشيات انتشرت في بغداد ولها ولاءات مختلفة للكتل المختلفة، وهو ما يثير الخوف أكثر، ويزيد القلق من مآلات الأزمة الحالية"، وفقاً للمسؤول. ويضيف أنّ "الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله دخل على خط الأزمة بتكليف من طهران. ويتواجد الصدر حالياً في لبنان لهذا السبب في زيارة لم يعلن عنهاً مسبقاً. فيما توجهت أربعة وفود أخرى إلى العاصمة الإيرانية طهران، عن المجلس الأعلى، ودولة القانون، والفضيلة، والصدر، والذين تم استدعاؤهم لكنهم ذهبوا كلا على حدة"، وفقاً للمسؤول. ويؤكد أنّ "الحل الداخلي العراقي معدوم حالياً والتعويل على وساطات حزب الله وطهران في حلّ المشكلة".

جذور الأزمة
طرح رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي عقب تظاهرات شعبية، انطلقت مطلع العام الحالي، تطالب بالإصلاح السياسي وإنهاء ملفات الفساد، مشروعاً تضمن ثلاث أوراق؛ أولاها العودة إلى حكومة تكنوقراط، وإحالة ملفات المسؤولين المتهمين بالفساد إلى القضاء، وإنهاء العمل بالوكالة للمؤسسات والهيئات السيادية. وافقت إثر ذلك غالبية كتل التحالف الوطني، فضلاً عن الكتل السنية، والمسيحية، والمدنية المستقلة، في الوقت الذي تحفظت فيه الكتلة الكردية في البرلمان، مطالبة بضمانات ألا تكون الإصلاحات باباً جديداً يستخدم من خلاله الإقصاء العرقي أو الطائفي.

ومنح البرلمان مهلة للعبادي لتنفيذ إصلاحاته خلال فترة أقصاها شهر، إلا أنّه أخفق في تحقيق ذلك بسبب عدم توافق الكتل على صيغة الإصلاح، وهو ما دعا الصدر إلى إعلان التظاهرات، ومنح مهلة قدرها 30 يوماً لتنفيذ وعود رئيس الوزراء. سرعان ما تحولت التظاهرات إلى اعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء في بغداد، ثم إلى اعتصام للصدر في خيمة داخل المنطقة الخضراء نفسها، قبل أن ينسحب إثر تقديم العبادي قائمة وزراء مستقلين نالت استحسانا واسعا من قبل العراقيين. إلا أن رئيس الحكومة سرعان ما سحب القائمة الأولى بسبب اعتراضات الكتل السياسية والاتفاق على أن يقدم رؤساء الكتل مرشحي الوزارات من قبلهم، وهو ما أسفر عن قائمة وزراء جدد غالبيتهم من أحزاب وكيانات سياسية دينية.

خديعة المالكي
أوقع المالكي غريمه الحالي حيدر العبادي بخديعة كبرى، كما وصفتها إحدى النائبات عن التحالف المدني المستقل، مؤكدة أن المالكي خدع العبادي بأن القائمة الثانية مناسبة وأنه سيدعمه بأصوات كتلته البالغة 92 صوتاً داخل البرلمان. إلّا أنه عند عرض العبادي القائمة الثانية كانت كتلة المالكي (دولة القانون) أولى الكتل المعترضة عليها، وتتشارك حالياً مع الصدريين في الاعتصام. وتؤكد أنّ "المعتصمين حالياً داخل قبة البرلمان مختلفون في المطالب والنوايا"، مشيرة إلى أنّ "مساعي المالكي للعودة الى السلطة باتت واضحة وغير خافية على أحد".

وحول زيارة الصدر إلى بيروت، تقول النائبة ذاتها لـ"العربي الجديد" إنّ "الحل انعدم بين القادة في الداخل والسيستاني يصرّ على ألّا يتدخل. لذلك أُعطي هذا الدور لنصر الله لممارسة ضغوطه على الصدر، كما ستفعل طهران لممارسة ضغوطها على باقي كتل التحالف"، مؤكدة أن "الأميركيين يؤدون دور المتفرج حالياً".

من جهته، يرى الخبير السياسي عبد الله المعيني، أنّ "الضغوط التي تعرّض لها رئيس البرلمان، أمس، من قبل النواب المطالبين بإقالة الرئاسات الثلاث ستتلاشى بعد قرار الجبوري". ويوضح المعيني لـ"العربي الجديد"، أنّ "أغلب النواب المعتصمين هم أشخاص لم يصلوا إلى البرلمان إلّا من خلال كتلهم. وفي حال حلّ البرلمان سيخسرون امتيازاتهم الخاصة ولا يستطيعون أن يكونوا نواباً في الانتخابات المقبلة. الأمر الذي سيجبرهم على التراجع عن أي ضغط يمارسونه". ويضيف أنّ "تراجعهم لحساب مصالحهم الشخصيّة بدا واضحاً بعدما انسحب عدد من المعتصمين عندما تناهى إلى أسماعهم قرار الجبوري، الأمر الذي تسبب بخلل في نصاب الجلسة وتأجيلها إلى يوم غد (اليوم)".




المساهمون