كشفت مصادر سياسية داخل حزب الدعوة الإسلامية العراقي، والذي خرج قبل أشهر قليلة من انتخابات أفقدته منصب رئاسة الحكومة، وتسببت بحدوث انشقاقات واسعة في صفوفه، عن تزايد الدعوات الداخلية لإجراء مراجعات واسعة في الحزب ومحاسبة قيادات بارزة فيه، وأنها باتت أقرب للتنفيذ.
وأكدت المصادر أن بعض القيادات السياسية في الحزب تُطالب بفتح تحقيق موسع حول تراجع شعبية "الدعوة" والثراء الفاحش لعدد من المسؤولين والقيادات في الحزب وأقرباء لهم، أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي، ونجله أحمد، وصهراه ياسر صخيل وحسين المالكي، وكذلك علي الأديب وخلف عبد الصمد ووليد الحلي وإبراهيم الجعفري وعلي العلاق وعبد الحليم الزهيري وعامر الخزاعي وعدد من أقاربهم، وهو ما قد ينذر بمزيد من الخلافات داخل الحزب، إذ يعتقد مراقبون أن إجراء مراجعة أو محاسبة سيزيد من ضعف الحزب داخلياً ويفجر خلافات حادة.
ويعتبر "الدعوة" أحد أبرز الأحزاب الدينية الشيعية، وقد تأسس في نهاية خمسينيات القرن الماضي من قبل محمد باقر الصدر. وشاركت كوادر الحزب في القتال إلى جانب الجيش الإيراني بعد اجتياح الجيش العراقي مدناً حدودية إيرانية، في ثمانينيات القرن الماضي، وإعلان طهران آنذاك فتح باب "الجهاد المقدس". وسيطر الحزب على الحكم في العراق طيلة الـ13 سنة الماضية، إذ تولى إبراهيم الجعفري رئاسة الحكومة في عام 2005، تلاه نوري المالكي لولايتين بواقع ثماني سنوات، ثم رئيس الحكومة السابق، حيدر العبادي لأربع سنوات، إلا أن الانتخابات التي أجريت منتصف العام الحالي أدت إلى تراجع عدد مقاعد الحزب النيابية وتشكيل تحالفين شيعيين متضادين لم يكن لحزب الدعوة ثقل واضح فيهما، بعد انقسامه إلى جناحين، الأول بزعامة المالكي والثاني بزعامة العبادي.
وكشف مسؤول بارز في الحزب، لـ"العربي الجديد"، عن "تصاعد دعوات لإجراء مراجعات واسعة في الحزب قد تكون الأولى من نوعها منذ تأسيسه، وهي مراجعات سلوكية وتطبيقية، وليست مراجعات للنظام الداخلي أو نهج الحزب الذي وضعه محمد باقر الصدر". وأكد أن "كوادر الحزب تحمّل نوري المالكي وقيادات عدة خسارتها الانتخابات وصعود قوى شيعية أخرى، لا يتجاوز عمرها 10 سنوات، بدلاً عنها في عدد المقاعد البرلمانية، إضافة إلى حالة السخط التي يواجهها حزب الدعوة في معاقله التقليدية جنوبي العراق". وكشف عن "قيام مختلف الأطراف بتوجيه اللوم وتحميل الإخفاقات لبعضهم البعض، وأن المالكي يحشد حالياً أعضاء للوقوف إلى جانبه، كما نجح في كسب مرجع الحزب الشيخ محمود الشاهرودي الذي يقيم في إيران، ويقول حزب الدعوة إنه يقلده فقهياً". وأشار المسؤول إلى أن "هناك اتهامات من الشارع الشيعي لقيادات الحزب بالفساد المالي واستغلال السلطة، ويطالب جمهور الحزب بفتح تحقيق داخلي أيضاً حول الثراء الفاحش لقيادات الحزب وأقاربهم"، معترفاً بأن "ثروات بعض قيادات الحزب تجاوزت المليار دولار"، وأن أحدهم "وصل إلى العراق بتذكرة مدفوعة من صدقات مرقد السيدة زينب، واليوم يملك ثروة ضخمة في بغداد، بينها بنك، فيما تملك زوجته مركزاً تجارياً ضخماً في بغداد". ولفت إلى أن "أكثر من 30 توقيعاً لأعضاء فاعلين في الحزب ببغداد وجنوب العراق يطالبون بمراجعات واسعة قبل عقد المؤتمر العام للحزب، الذي من المقرر أن يتم فيه انتخاب أمين عام جديد، فيما يسعى المالكي للحصول على ولاية ثانية لأمانة الحزب وسط اعتراضات من أطراف مختلفة فيه". وتشير التوقعات إلى أن المؤتمر كان يجب أن يعقد خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، لكن مماطلة بعض القيادات فيه قد تؤخره لشهرين آخرين وتحديداً مطلع العام المقبل. وأصدر حزب "الدعوة" في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي بياناً أعلن فيه فصل أحد أعضائه، وهو صلاح عبد الرزاق، بعد إحالته إلى هيئة الانضباط في الحزب بتهم الفساد مع أقارب له.
وحول دقة التسريبات، قال أحد أعضاء ائتلاف دولة القانون، في اتصال عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، إنها "صحيحة"، معتذراً عن الإدلاء بأي معلومات أخرى. والأسبوع الماضي نقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن القيادي في "الدعوة"، علي الأديب، قوله إن المؤتمر العام للحزب المقرر عقده خلال الفترة المقبلة سيعمل على تعديل النظام الداخلي، مشيراً إلى أن المؤتمر سيأخذ في الاعتبار الظروف المستجدة بالبلاد ووضع الحزب، مضيفاً أن "المؤتمر سينظر في النظام الداخلي وسيصوت على تعديله، كما أنه سيأخذ في الاعتبار الظروف المستجدة بالبلد، ووضع الحزب خلال تعديل النظام الداخلي، وسنستقبل الكثير من الملاحظات بهذا الخصوص". من جانبه، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، علي العبيدي، أن "الانشقاقات المتكررة في الحزب دليل على الخلافات الواسعة، وكذلك رفض استقبال المرجعية لأي من رموز الحزب دليل على الفساد داخله". وأضاف العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يمكن القول إن الحزب لم يفشل في إدارة البلاد فقط بل هو متورط بشكل مباشر في إذكاء الصراع الطائفي بشكل كبير بالبلاد، إضافة إلى تأسيس الفساد، أو لنقل منظومة الفساد، والتشجيع عليه"، معتبراً أن "الممسكين بالحزب حالياً لا يسيرون على نهجه المكتوب بكل تأكيد".