تشابكت الإجراءات الحكومية للحد من اتساع رقعة الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت عدة محافظات جنوب العراق، مع خطوات المتظاهرين لقطع الطرق الرئيسية، في تكبيد القطاعات المالية التجارية والخدمية، خسائر كبيرة، تقدر بعشرات ملايين الدولارات في غضون أيام قليلة.
ومن دون سابق إنذار، قطعت الحكومة العراقية شبكة الإنترنت عن 9 محافظات، بما فيها العاصمة بغداد، بشكل كامل، فيما قطع المحتجون المطالبون بتوفير فرص العمل والخدمات والقضاء على الفقر والبطالة، ما لا يقل عن 80 طريقا رئيسيا نحو موانئ البصرة التجارية والنفطية وكذلك منافذ سفوان مع الكويت والشلامجة مع إيران، ما أثر بشكل كبير على القطاعين الخاص والحكومي.
وقال ضياء الكعبي، عضو غرفة تجارة بغداد، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن "البنوك وشركات التحويل المالي باشرت عملها في بغداد وجنوب العراق، لكن بلا فائدة، فأنظمة العمل متوقفة ولا يوجد تواصل مع النظام المالي في البنوك وفروعها".
وأضاف الكعبي: "الأمر نفسه ينطبق على الشركات التجارية ومكاتب النقل والتصدير، فالإنترنت كان محركا رئيسيا لها"، مشيرا إلى أن نحو مليون دولار خسائر الساعة الواحدة من جراء توقف الإنترنت منذ مساء السبت ولغاية الآن على أقل تقدير.
في هذه الأثناء، قال مسؤولون في وزارة الداخلية العراقية إنه تم تخصيص قوات حماية ترافق ناقلات النفط من حقول بجنوب العراق إلى موانئ البصرة، خوفا من تعرّضها لاعتداء أو عرقلة وصولها من قبل المتظاهرين. ووفقا لمسؤول في وزارة الداخلية، فإن الحماية ستشكل أيضا القوافل التجارية القادمة من إيران والكويت عبر البصرة.
وقال أحمد عباس، مسؤول في وحدة السيطرة بميناء أم قصر بمحافظة البصرة على الخليج العربي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن حركة التجارة تراجعت، وهناك تجار ورجال أعمال اختاروا تأجيل أعمالهم في البصرة.
وأكد أن التظاهرات تسببت في شلل واضح في مدن الجنوب وبغداد، ومنها تراجع حجم التبادل التجاري مع الكويت وإيران عبر منفذ الشلامجة بالبصرة، وكذلك إضافة إلى الخسائر الناجمة عن إيقاف عدد من شركات الطيران رحلاتها إلى مطاري النجف والبصرة الدوليين.
وقررت عدة شركات طيران عربية تعليق رحلاتها الجوية إلى مدينة النجف، منها الطيران العُماني والخطوط الجوية الملكية الأردنية والخطوط الكویتیة وطيران الخليج بالبحرين. وكانت السلطات العراقیة قد علقت الرحلات الجویة من مطار النجف "مؤقتا" بعد اقتحام متظاھرین المطار، احتجاجا على تردي الخدمات في البلاد.
ولا تزال وتيرة الاحتجاجات تتصاعد منذ يوم الأحد الماضي، بينما ذكر بيان لمكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، مساء السبت، أن العبادي خصص 3 مليارات دولار لمحافظة البصرة، لتحسين الخدمات العامة، في مسعى لتهدئة الاحتجاجات العارمة.
وذكر البيان أن المخصصات ستستخدم في تحلية المياه وفك الاختناقات بشبكات الكهرباء وتوفير الخدمات الصحية اللازمة، وتوسيع وتسريع آفاق الاستثمار للبناء بقطاعات السكن والمدارس والخدمات، وإطلاق درجات وظيفية لاستيعاب العاطلين عن العمل وفق نظام عادل بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية.
وتأججت الاحتجاجات في البداية من محافظة البصرة، التي تعد مركز صناعة النفط في العراق، الأحد الماضي، إثر مقتل محتج وإصابة 3 آخرين من جراء ما قال محتجون إنه "إطلاق نار لجأ إليه الأمن لتفريق متظاهرين" شمالي المحافظة. وامتدت التظاهرات، مساء الجمعة، لتشمل محافظات ذي قار وبابل وكربلاء وميسان والديوانية والنجف.
ووفق بيانات صادرة عن وزارة النفط، مطلع يوليو/تموز الجاري، فإن صادرات النفط تجاوزت 105 ملايين برميل، في يونيو/حزيران الماضي، بإيرادات بلغت 7 مليارات دولار.
وتتركز مطالب المحتجين على تحسين الواقع المعيشي، وتوفير الخدمات الأساسية من قبيل الماء والكهرباء، ومحاربة الفساد المالي والإداري المتفشي في دوائر الدولة ومؤسساتها، وتوفير فرص عمل للعاطلين.
وفرضت قوات الأمن إجراءات مشددة لحماية البنوك والمصارف في البصرة ومدن أخرى من جنوب العراق، خوفا من عمليات سطو تتعرض لها ضمن استغلال حالة الحراك الشعبي الحالية.
في هذه الأثناء، أكد مسؤولون محليون في شركة سومو العراقية لتصدير النفط مغادرة عدد من العاملين الأجانب بحقول نفط الرميلة وحلفاية والسندباد إلى الكويت، خوفا من اجتياح المتظاهرين حقول النفط.
وقال علاء الفتلاوي الذي يعمل مهندسا في شركة نفط البصرة، إن غالبية العمال المغادرين من جنسيات أميركية وبريطانية، وغادروا إلى الكويت برا وهم من المهندسين، مضيفا أن مغادرة العاملين الأجانب لم تؤثر على عمليات الإنتاج لأنهم بالأساس من القائمين على برنامج تطوير تلك الحقول.
وقال محمد العبيدي، عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي سابقا، لـ "العربي الجديد"، إن "الخسائر تتعلق بالقطاع الخاص أكثر من العام، كون الحكومة رتبت أمورها فيما يتعلق بتصدير النفط، لكن القطاع الخاص فوجئ بقطع الإنترنت وتوقف الخدمات الذي ضيق على الناس عملهم للأسف".