كشفت الأحداث الأمنيّة والتقدّم الذي يحرزه تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) في العراق، ضعفاً كبيراً في إمكانات الأجهزة الأمنيّة والفصائل المقاتلة إلى جانبها، مما يشكّل عقبة كبيرة أمام أيّ قدرة مستقبلية للقضاء على التنظيم.
ولهذا، ينكبّ رئيس الوزراء حيدر العبادي على دراسة عدّة خيارات مع قوى التحالف الوطني (الشيعي) لمواجهة التنظيم، الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من بغداد، آخذا في عين الاعتبار أنّ كل الخيارات المطروحة تحمل في طيّاتها تنازلات معينة من قبل الحكومة لتمريرها.
وفي هذا السياق، كشف مصدر في التحالف الوطني لـ"العربي الجديد"، أنّ "التحالف عقد أخيراً اجتماعاً في منزل زعيم المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم في بغداد، بحضور العبادي لبحث الأزمة الأمنية وإيجاد حلٍ لإيقاف تقدّم داعش".
وأوضح المصدر أنّ "خيارات عدّة طرحت خلال الاجتماع، منها استقدام قوات بريّة أميركيّة، وتسليح العشائر السنيّة، والاستعانة بالجيش السابق"، مبيناً أنّ "كل الخيارات هي بالأساس خيارات مرفوضة من قبل كافة مكونات التحالف، لكنّ الموقف الأمني أصبح اليوم صعباً للغاية ويحتم القبول بأحدها".
وأشار إلى أنّ "موضوع استقدام القوات البرية الأميركية لاقى رفضاً قاطعاً من قبل التيار الصدري، فيما رفضت كافة مكوّنات التحالف تسليح العشائر السنية، ولم يبق إلّا الخيار الثالث وهو عودة الجيش السابق لما له من خبرة ميدانية وعسكريّة في القتال".
اقرأ أيضاً العراق: اتساع خلافات التحالف الوطني و"داعش" يعيد انتشاره بتكريت
وأوضح المصدر، أنّ "الكثير من قوى التحالف تحفّظوا على الاقتراح لأسباب كثيرة، منها أنّ الكثير من ضباط الجيش السابق مشمولون بالاجتثاث، وأنّ عودته هي اعتراف بقوته وقدرته على القتال، فضلاً عن أنّ الجيش مرفوض من قبل إيران".
وأشار إلى أنّ "الجميع ناقشوا الاقتراح، ووجدوه أفضل الحلول رغم التحفظات، وقد وافقوا في النهاية عليه واقتنعوا بفكرة عودته، وتسوية ملفات الاجتثاث وغيرها من المشاكل التي تخص الجيش السابق".
وأضاف المصدر، أنّه "تم الاتفاق على أنّ يعود الجيش السابق للمعركة، وسيعقد العبادي اجتماعاً مع وزير الدفاع وقادة الوزارة لترتيب وتنسيق عودة الجيش وفق أطر وضوابط معينة؛ على أن تكون بشكل سريع، وسيتم الاتفاق مع ضباط الجيش السابقين المشمولين بالاجتثاث على تسوية ملفاتهم وملفات الضباط الذين سيعودون على أن يتولوا عمليّة تنظيم العودة وتنسيقها مع وزارة الدفاع".
من جهته، رأى الخبير العسكري عبد العظيم الشمري، وهو لواء ركن متقاعد في الجيش السابق، أنّ "قرار عودة الجيش السابق هو قرار مهم للغاية لكنّه متأخر". وقال الشمري لـ"العربي الجديد"، "كان من المفترض بالعبادي عندما تولى الحكم أن يعمل على عودة الجيش السابق، لأنّ الجيش أدرى بساحة وطبيعة المعركة، ولديه الخبرات الكافية على قهر (داعش) وغيره"، مبيناً أنّ "هذا القرار المتأخر يستغرق وقتاً حتى يتم التنظيم له، وأنّ هذا الوقت محسوب على الوضع الميداني، وكما هو معروف أنّ (داعش) يتقدّم في عدّة جبهات، ولا نعلم أين سيصل حتى تتم استعدادات وترتيبات وتنظيم مشاركة الجيش السابق بالمعركة".
وأضاف أنّ "دخول الجيش سيكون له دور كبير بالتأكيد في حسم المعركة، غير أن العراق خسر طوال هذه الفترة، وسيخسر الكثير حتى عودة الجيش، وأن هذه الخسارة يجب أن تتحملها الجهات التي تقود البلاد ولا تعرف شيئاً عن القيادة العسكريّة".
وأكّد أنّ "قرار العودة لم يأت خوفاً من تمدّد (داعش) بالأنبار أو الموصل أو صلاح الدين، بل خوفاً على بغداد من السقوط بيد التنظيم الذي بدأ يقترب منها بشكل خطير".
بدوره، رأى عضو تحالف القوى العراقيّة محمد العبيدي، أنّ "المرحلة الحرجة التي وصل إليها العراق هي نتيجة الالتفاف على الاتفاق السياسي".
وأوضح العبيدي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الاتفاق السياسي وشروط الكتل السنيّة التي لم يطبقها العبادي، هي حلول جذرية للواقع العراقي، وأن العبادي لو عمل على تطبيقها منذ البداية لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم".
وأضاف أنّ "الحرس الوطني، وقانون الاجتثاث وعودة ضباط الجيش السابق وغيرها من البنود التي أدرجت ضمن الاتفاق السياسي هي حلول لأزمات البلاد، وعلى العبادي أن يتعامل معها بحسن نية ويرى ما لها من أبعاد تنعكس على الواقع السياسي والميداني للبلاد، وبالتالي سيسهم تمريرها بتطبيق المصالحة الوطنية التي تحتاج إليها البلاد".