العراق بين مخلبين

30 ابريل 2019
+ الخط -
بدا العراق، عقب فرض العقوبات الأميركية على إيران، وكأنه واقع بين مخلبين، فالمخلب الأميركي الذي يرغب بتقويض التغلغل الإيراني في منطقة الشرق الأوسط يريد من العراق ألا يتحول إلى بوابةٍ خارجيةٍ لتهرب إيران من عقوباته، بينما تسعى طهران إلى أن تأخذ العراق الذي استثمرت فيه سنوات طويلة، مالاً ورجالاً، إلى جانبها، وتبقيه بوابة أخرى من بوابات تهرّبها من تلك العقوبات التي يبدو أنها بدأت تفعل فعلتها في الاقتصاد الإيراني.
ما بين هذا وذاك، المخلبين، الإيراني والأميركي، يقف العراق الذي خرج للتو من حرب ضروس، أخذت أشكالاً عدة طوال سنوات ما بعد الغزو الأميركي، حائراً، فهو لا يقوى على أن يرفض الامتثال للعقوبات الأميركية على إيران، ولا يقوى أيضا أن يقول للإيرانيين دعونا وشأننا، فخلافكم مع أميركا يتعلق بكم لا بنا.
يتوهم قادة وساسة عراقيون أن بإمكانهم مسك العصا من المنتصف، وأن يكونوا بين أميركا وإيران، لا إلى هذا أقرب وإلى ذاك، فالمعادلة التي دخل بها الرئيس ترامب مواجهته مع إيران صفرية، إما أن تكون معنا أو ضدنا. يدرك الساسة العراقيون جيداً أن للولايات المتحدة ثقلاً داخل بلدهم، لا يمكن لهم أن يتناسوه أو يتجاوزوه، فهناك اليوم خمس قواعد أميركية في مختلف مناطق العراق، يستوطنها أكثر من 11 ألف جندي ومتعاون أمني، وفقاً لصحيفة ديلي بيست، وترامب يريد لهذه القوات أن تكون عين أميركا على إيران، ونفوذ إيران في المنطقة 
كما صرح بذلك، بالإضافة إلى أن أغلب أموال العراق موجودة في البنك الفيدرالي الأميركي.
في المقابل، لإيران وجود أقوى مما قد يتخيله بعضهم، وهي لن تقبل حالة ما بين بين بالنسبة للسياسة العراقية، وهي تطالب، وبصريح العبارة، ثمن وقوفها مع العملية السياسية والأحزاب المشكلة لها، وبالتالي على العراق أن يدفع الثمن، وليس هناك ظرف أفضل من هذا الوقت، ليرد العراق ما بذمته لإيران، كما تعتقد طهران. ولا يمتلك العراق حلولا كثيرة في مواجهة العاصفة القادمة. بالتأكيد لا أميركا ولا إيران يسعيان إلى مواجهةٍ يكون ساحتها العراق، ولكن هذا لا يعني أن عدم المواجهة يمكن أن يجنب العراق غضب المتصارعين، أميركا وإيران.
غياب أغلب الساسة العراقيين عن المهرجان الذي أقامه الحشد الشعبي لشكر العوائل الإيرانية وعوائل حزب الله اللبناني الذين فقدوا أبناءهم في معارك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يؤشر إلى استشعارهم طبيعة المرحلة وخطورتها، ولكن إقامة هذا المهرجان في هذا التوقيت، وما رافقه من تصريحات لنواب في البرلمان ضد الولايات المتحدة، أغلبهم من الحشد الشعبي وأحزابه، يشي أيضا بأن هناك طرفا آخر قويا ما زال يعتقد أن في وسعه الرهان على إيران.
لا خيارات كثيرة أمام العراق، فالولايات المتحدة إذا ما قرّرت تصعيد مواجهتها مع إيران، فإن على بغداد أن تمتثل، وإلا فإن العصا الأميركية الغليظة ستكون قادرةً على أن تقلب الطاولة على رؤوس ساسة العملية السياسية، وخصوصا أن التصريحات الصادرة من السفارة الأميركية في بغداد، وما أعقبها من تحركات عسكرية للقوات الأميركية في العراق، تؤكد أن هناك تصعيدا أميركيا محتملا تجاه إيران في العراق. أما إيران، فإنها، وإن لم تلجأ إلى المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في العراق، لن تقف مكتوفة الأيدي، ولن تعدم وسيلة مضايقة للولايات المتحدة، وهي التي تمتلك أوراقا كثيرة لتلعب بها، غير الأوراق العسكرية، فهناك الحكومة التي يمكن أن تعرقل إيران عملها من خلال النواب الذين يرفضون ما يحصل لإيران، وهناك ورقة الشارع التي ما زالت إيران تعتقد أن لديها القدرة على تحرّيها من خلال بعض الزعامات الدينية والسياسية والحزبية، وهناك ورقة الأمن إن شاءت إيران التصعيد، فأغلب فصائل "الحشد الشعبي" التي تدين بالولاء لها، تمسك مناطق ما زالت توصف رخوةً من جهة
وجود فلول تنظيم داعش.
لا تبدو الخيارات كثيرة أمام العراق الذي وقع بين مخلبين، أميركي وإيران، وكلاهما مفترس، فلقد خبرهما جيداً عبر سنوات، ولعل ذلك ما دفع مقتدى الصدر إلى الحديث عن توجيه وفود عراقية إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لشرح وجهة النظر العراقية، وهو ما دفعه أيضا إلى الحديث عن أهمية توقيع اتفاقيةٍ لاحترام السيادة بين العراق وإيران، وأيضا طرح إمكانية أن يقوم العراق بدور الوسيط بين السعودية وإيران.
غياب الدولة، بمفهومها السيادي، عن عراق ما بعد 2003، جعل التركة ثقيلة لكل من يتصدى للعمل السياسي في هذا البلد، وربما بات من الواجب على ساسة العراق أن يبحثوا عن كيفية تمكنهم أولاً من استعادة السيادة المفقودة، قبل الحديث عن الخروج من مأزق الصراع المتفجر بين أميركا وإيران.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...