وتعتبر فصائل "كتائب حزب الله" العراقية، و"النجباء"، و"الإمام علي"، و"سيد الشهداء"، و"الخرساني"، و"البدلاء"، و"الطفوف"، و"العصائب"، و"بدر"، وفصائل أخرى مسلحة جميعها مدعومة من إيران، أبرز من يسيطر على ملف المدن والمناطق المطرود أهلها منها، مثل جرف الصخر، والفارسية، وصنيديج، والعوجة، وعزيز بلد، والعويسات، وذراع دجلة، والصينية، وعكاشات. بالإضافة إلى قرى الطوز وشمال شرق ديالى، وإبراهيم بن علي، والضابطية، ومجمع بيجي السكني، ومناطق أخرى ما زال سكانها منذ سنوات في المخيمات وتمنع المليشيات عودتهم، وسط اتهامات لهذه الفصائل المسلحة بالقيام بأعمال تغيير ديمغرافي لهذه المناطق.
ووفقاً لمسؤول عراقي بمكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فإنّ "القائد العام للقوات المسلحة العراقية (الكاظمي)، يعتزم بعد إكمال الكابينة الوزارية، التوجه نحو فتح ملف النازحين الممنوعين من العودة إلى مدنهم بسبب فصائل مسلحة تسيطر عليها، بدعم من رئاسة البرلمان وبعثة الأمم المتحدة". وأوضح المسؤول أنّ "رئيس الوزراء يمتلك معلومات ورؤية كاملة عن ملف النازحين من خلال رئاسته لجهاز المخابرات"، لافتاً إلى أنّ "الكاظمي يسعى إلى التمهيد للمهمة عبر توافق سياسي واسع وتفاهم مع تلك الفصائل بإقناعها بمغادرة المدن وترك السكان يعودون إليها، خصوصاً أنّ عددهم كبير جداً ووضعهم غير إنساني في المخيمات".
وأكد مسؤول آخر في وزارة الداخلية تلك المعلومات، قائلاً إنّ "الفصائل المسلحة التي تسيطر على المدن المحررة المغلقة أمام أهلها، جميعها منضوية تحت هيئة الحشد الشعبي، والأخيرة تعمل تحت قيادة مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة، ولهذا عودة النازحين ليست بالشيء المستحيل، خصوصاً أنّ الكاظمي ينوي جعل الملف الأمني لكل المدن العراقية، بيد قوات الجيش العراقي والشرطة حصراً". بدوره، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، النائب عن تحالف "القوى العراقية"، عبد الخالق العزاوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "العمل جارٍ حالياً على ملف النازحين والمغيبين أيضاً، وتحقيق ذلك من قبل حكومة الكاظمي كان أحد شروطنا لتمرير الحكومة". وأوضح العزاوي أنّ "آخر إحصائية لعدد المغيبين في عموم المدن الشمالية والغربية، بيّنت أنّ عددهم بلغ أكثر من 60 ألف شخص، قسم منهم تمّ قتلهم ودفنوا بمقابر جماعية لم يكشف مكانها بعد، وقسم آخر نعتقد أنهم ما زالوا في السجون السرية التابعة للمليشيات المسلحة".
وأضاف العزاوي أنّ "هناك جهات سياسية وجهات أخرى مسلحة، ترفض عودة النازحين، علماً أنّ مناطقهم محررة منذ سنوات، لكن هناك أهدافا لمنع عودة الأهالي، ونحن نراقب تعامل حكومة الكاظمي في الأيام المقبلة مع هذا الملف الحساس، ولدينا ثقة بتنفيذ وعوده لنا". وشدّد عضو لجنة الأمن والدفاع على أنّ "حكومة مصطفى الكاظمي ملزمة بتطبيق فقرة عودة النازحين، المؤكد عليها في البرنامج الحكومي، من خلال الحوار مع الجهات التي تمنع عودة الأهالي إلى مناطقهم، أو فرض القانون عليها بأي شكل من الأشكال".
من جانبه، قال عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أنس أكرم، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من بين التحديات الرئيسة التي تواجه الكاظمي، إنهاء ملف النازحين وضمان عودة كريمة لجميع هؤلاء إلى مناطق سكنهم". وأشار أكرم إلى أنّ "هناك بعض الإشكاليات التي تمنع عودة الكثير من النازحين في مدن عراقية مختلفة وعلى رأسها جرف الصخر والعوجة ويثرب وعزيز بلد والعويسات والعلم، وغيرها. ولهذا، على حكومة الكاظمي تحمّل المسؤولية بشكل كامل لإرجاع النازحين لهذه المناطق، خصوصاً أنّ الحكومات المحلية أدّت ما عليها بشأن هذا الملف، لكن هناك عراقيل ومشاكل، بعضها سياسي، وبعضها الآخر إثني وطائفي ومذهبي، تمنع عودة النازحين لمناطقهم".
وأكد أكرم أنه "على الحكومة وضع خطة على أرض الواقع تضمن تنفيذ فقرة عودة النازحين إلى مناطقهم، وعلى القائد العام للقوات المسلحة، إلزام أي قوة تعمل تحت مظلة الدولة العراقية، تأمين عودة كريمة وسليمة للنازحين كافة، وغلق ملف النزوح بشكل كامل". وكشف عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق أنه "وفق آخر إحصائية للمفوضية، فإنّ عدد النازحين في عموم العراق، لا يقل عن مليون وثلاثمائة ألف نازح". وتابع: "هناك تحدٍ أصعب من عودة النازحين، وهو المتعلّق بالمغيبين، خصوصاً أنه يفترض أنّ الكاظمي لديه رؤية كاملة عن هذا الملف، كونه كان يترأس جهاز المخابرات العراقي، ومن المؤكّد أنه يمتلك الكثير من المعلومات المتعلقة بالمغيبين". في المقابل، قال الخبير في الجماعات المسلحة العراقية، مؤيد الجحيشي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الحكومات العراقية، تعلن وتؤكّد منذ سنوات أنها ستنهي ملف النازحين، لكن حتى الساعة هذا الملف لم يحسم، كما لا يوجد أي تقدّم فيه".
وأوضح الجحيشي أنّ "رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي، سيواجه صعوبات وتحديات كبيرة إذا ما كان جاداً فعلاً في فتح هذا الملف، خصوصاً أنّ الجهات التي تمنع عودة النازحين، مسلحة وتحظى بدعم سياسي وبرلماني، بل حتى إنها ممثلة في الحكومة المركزية. ولهذا حسم الملف ليس بالأمر السهل، لكن أيضاً ليس بالأمر المستحيل". ولفت الجحيشي إلى أنّ "أول خطوة لإعادة النازحين إلى مناطقهم، يجب أن تتم من خلال إخراج الجماعات المسلحة كافة من المناطق المحررة كلها، وتسليم المدن إلى الجيش والشرطة حصراً، ثمّ التوجه نحو إعادة الأهالي، خصوصاً أنّ الأخيرين يرفضون العودة إلى مناطقهم بسبب سيطرة جماعات مسلحة عليها، وبسبب أنه لديهم مغيّبين تمّ اختطافهم من قبل تلك الجماعات نفسها".
وفي السياق، أشار الشيخ أحمد جاسم الجنابي، وهو أحد وجهاء بلدة جرف الصخر شمالي بابل، إلى أنّ "نحو 70 ألفا من أبناء البلدة يسكنون في مخيمات لا تتوفر فيها أبسط حقوق المواطنة، فيما يقيم الآخرون في إقليم كردستان وبغداد ومناطق أخرى مثل الفلوجة والمسيب". وقال الجنابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم "يأملون خيراً بالحكومة الجديدة بشأن ضمان حق عودتهم لمدنهم، لكنهم يخشون من سيناريوهات مشابهة حدثت خلال فترة حكومة حيدر العبادي، عندما حاول الأخير فتح الموضوع، فتم افتعال مشاكل أمنية وزرع ألغام وتنفيذ هجمات مسلحة على قوات الأمن للقول إن المنطقة يجب أن تبقى مغلقة حتى إشعار آخر".