أسدلت الأزمة السياسية في العراق الستار على واحد من أسوأ فصولها الذي كان ينذر بتصعيد خطير، بعد دخول فصائل مسلحة مقربة من إيران على الخط، إذ أسفر اتفاق سياسي عن إعلان رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي اعتذاره عن مهمة تشكيل الحكومة، ليتم بعد ذلك بنحو ساعة واحدة الإعلان عن تكليف الرئيس العراقي برهم صالح رئيس جهاز المخابرات الحالي مصطفى الكاظمي، بتشكيل الحكومة الجديدة، بحضور غير مسبوق لغالبية قادة الكتل السياسية العراقية، وممثلة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت. وفي بيان الاعتذار، قال الزرفي إنه يشعر بالأسف "لما آل إليه التكليف وسط كل الدعم الذي تكلل به من جموع الخيرين والنشامى من أبناء شعبنا الصابر المحتسب"، مشيراً إلى أنه "حرص على المضي قدماً في تنفيذ مهمة التكليف المناطة بي بشرف كبير ومسؤولية عالية، واضعاً أمامي هدفاً أساسياً مقدساً هو إنقاذ العراق وعودته إلى مساره الصحيح، بلداً مستقراً ومؤثراً في محيطه العربي والإسلامي والعالمي". أما عن تكليف الكاظمي، فيؤكد مسؤولون ونواب في البرلمان، في أحاديث متفرقة مع "العربي الجديد"، أنه جاء بناء على اتفاق ـ صفقة جرى بين جميع الشركاء السياسيين، بما فيها القوى السنّية والكردية التي ضمنت أنها ستحصل على ما تسميه استحقاقها الانتخابي من مناصب في حكومة الكاظمي الجديدة.
في السياق، كشف عضو بارز في تحالف "البناء"، لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماعات التي جرت مساء أول من أمس الأربعاء وأمس الخميس، بين قادة القوى السياسية انتهت إلى استحالة القبول باستمرار تكليف الزرفي، خصوصاً من فصائل مسلحة وقوى سياسية معروف قربها لإيران. وأكد أن تلك القوى حافظت على ماء وجهها بإزاحة الزرفي، وفي المقابل حصلت القوى الأخرى على مرشح غير بعيد عن توجهات الزرفي، وسبق لقسم من تلك الكتل أن رشحه في مفاوضات سابقة قبل تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة في بداية الأزمة السياسية. كما أن الكاظمي غير متقاطع مع إيران وسبق أن التقى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في زيارته الأخيرة للعراق، مطلع الشهر الماضي، وزار إيران آخر مرة مطلع عام 2019 والتقى بمسؤولين فيها، كما تربطه علاقة مع مسؤولين أميركيين، وحاول في وقت سابق أداء دور وساطة بين السعوديين والإيرانيين. وأضاف العضو البارز في تحالف "البناء" أن الاتفاق على الكاظمي هو اتفاق على نقطة مشتركة وسطية بين مختلف القوى السياسية وكذلك بين الأميركيين والإيرانيين.
وحتى الشهر الماضي كان الكاظمي مرفوضاً من قبل قوى سياسية وفصائل مسلّحة معروف قربها من إيران، ووجّهت إليه مليشيات عدة، من بينها "كتائب حزب الله"، اتهامات عديدة، مدعيةً أنه متورط بالترتيب لاغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، من قبل القوات الأميركية، وهو ما نفاه جهاز المخابرات، واعتبر أن تلك الاتهامات تهدد السلم الأهلي في العراق. واستمرّ تصعيد قوى سياسية ضد الكاظمي، إلا أنه تلاشى بعد لقاء الأخير بشمخاني في زيارته الأخيرة للعراق، مطلع الشهر الماضي، ليبرز مجدداً اسمه مرشحاً توافقياً بدلاً من الزرفي. وقال الكاظمي، في أول تصريح له بعد تكليفه رسمياً: "أتعهد أمام شعبي الكريم، بالعمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها، وتصون سيادة الوطن وتحفظ الحقوق، وتعمل على حل الأزمات، وتدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام".
من جهته، قال قيادي في "تحالف القوى"، الذي يرأسه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لـ"العربي الجديد"، إن "قادة الكتل السياسية كافة اتفقوا على دعم الكاظمي، كما اتفقوا على أن الحكومة الجديدة تشكل وفق الحوار والتفاوض مع الكتل، وليس بعيداً عنها". وبيّن القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "القوى السياسية عقدت اجتماعات مع الكاظمي قبل أيام من تكليفه الرسمي، واتفقت معه على عملية تشكيل الحكومة الجديدة، وكيفية تقديم مرشحي الكتل السياسية للحقائب الوزارية". وأضاف أن "الكتل السياسية سوف تقدم للكاظمي شخصيات حزبية من الدرجة الثالثة أو أكثر من ذلك، وتكون من الشخصيات غير المعروفة للأوساط الشعبية، مع تميزها بالمهنية في مجال عملها، كما يتم تقديم أكثر من مرشح لكل حقيبة وزارية، وتكون حرية الاختيار للكاظمي، من دون فرض اسم معين عليه".
وحذّر القيادي في "تحالف القوى" من أن عدم موافقة الكاظمي "على مرشحي الكتل السياسية، يعني عودة الخلافات من جديد، وربما يلاقي مصير علاوي والزرفي، فهذه الاستحقاقات الانتخابية لا يمكن التنازل عنها".
من جانبه، قال حاكم الزاملي، القيادي في "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "التيار الصدري مع الإجماع الوطني، وتكليف الكاظمي بتشكيل الحكومة حظي بدعم من جميع الكتل السياسية بمختلف مكوناتها وتوجهاتها". وأوضح أن "الحكومة المقبلة عليها مهام كبيرة وحلّ مشاكل كثيرة، خصوصاً هي حكومة مؤقتة تؤسس لفرض القانون وإعادة هيبة الدولة والتهيئة للانتخابات المبكرة، وكذلك بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار ودول العالم الأخرى، والكاظمي له القدرة والمواصفات لحل هذه القضايا، ولهذا جاء تكليفه وترشيحه بالأغلبية". وأضاف "نتوقع أن الكاظمي سوف يشكل حكومة من الشخصيات النزيهة والكفوءة، والتيار الصدري ضد المحاصصة وضد ترشيح أي شخصيات لحقائب وزارية عليها شبهات فساد وغيرها، وأي شخص عليه أي ملف لن يمرّ، ولدينا قناعة بأن الكاظمي سوف يشكل حكومة مهنية قادرة على إدارة المرحلة المقبلة، خصوصاً بفعل اطلاعه الكبير بحكم منصبه".
في المقابل، اعتبر القيادي في تحالف "الفتح"، النائب حنين قدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إمكانية نجاح الكاظمي في تشكيل الحكومة كبيرة للغاية، مشيراً إلى أن "هناك توافقاً من الكتل السنية والشيعية والكردية على الكاظمي، ويمكن تمريره في البرلمان بالأغلبية". وحذّر قدو من أن "هذا الدعم ربما قد لا يكون ثابتاً، فم الممكن أن يتغير إذا حصلت خلافات بين تحالفي الفتح وسائرون، فلا ضمان مؤكداً لاستمرار الدعم للكاظمي من قبل الكتل السياسية، فالمواقف والآراء تتغير وفق المصالح، وربما تحاول الكتل الكردية فرض شروط معينة على الكاظمي، بالتالي فإن حوارات الأيام المقبلة ستكشف الصورة بشكل أوضح". ولفت إلى أن الأميركيين يؤيدون الترشيح وكذلك إيران، معتبراً أنه "لو كانت هناك مشكلة لما اتفقت الكتل السياسية الشيعية على ترشيحه ودعمه". وأضاف أن "رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي سيشكل حكومته بسرعة، وربما خلال أسبوعين كحد أقصى، فضلاً عن تقديم برنامجه الحكومي إلى مجلس النواب للتصويت عليه".
أما القيادي في ائتلاف "دولة القانون" سعد المطلبي، فقد أكد لـ"العربي الجديد"، أن الكاظمي "سيمر بكل سهولة في البرلمان، فهناك إجماع على ترشيحه، وهناك أغلبية واضحة ستصوّت له في جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة، فهذا الاختيار يعتبر الحل الأمثل للقضايا الإقليمية والدولية". ولفت إلى أن "الكاظمي لن يلاقي أي صعوبة في حصوله على ثقة مجلس النواب، وسيشكل حكومته وفق التشاور مع الكتل السياسية، وليس بعيداً عنها". وأضاف "نتوقع أن الكاظمي سيقدم حكومته بشكل سريع جداً إلى البرلمان، وربما خلال أيام قليلة كافة الأمور المتعلقة بجلسة التصويت ستكون جاهزة".