العراق: اختلاط جديد للتحالفات وعرقلة المبادرات

20 ابريل 2016
يستمرّ ضغط الصدريين في الشارع (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
فشل القادة العراقيون مرة أخرى، أمس الثلاثاء، في حلّ الأزمة السياسية الراهنة، أو وقف التصعيد، بعد أن شهدت بغداد جلسة برلمانية سريعة وعاصفة، تخللها للمرة الأولى دخول قوات أمن خاصة تابعة لمكتب رئيس الوزراء، حيدر العبادي، إلى البرلمان خشية من تطوّر الأمور إلى اشتباك بين النواب والكتل السياسية. غير أن كل شيء انتهى بإعلان رسمي قضى بتعليق جلسات البرلمان حتى إشعار آخر، وهو ما يعني بطبيعة الحال شلّ تحرّكات رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لتقديم تشكيلته الحكومية قريباً، مع انتهاء مهلة جديدة لزعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، قدّمها يوم السبت، ومدتها 72 ساعة للعبادي لتقديم حكومته الجديدة.

في غضون ذلك، تستمرّ 11 وزارة عراقية في إغلاق أبوابها بسبب محاصرة المئات من أتباع الصدر مباني الوزارات الرئيسية، فضلاً عن محاصرة عدد من الهيئات والمؤسسات العامة، من بينها البنك المركزي والتلفزيون الرسمي العراقي ومجلس القضاء الأعلى. كما تنتشر الدبابات والدروع التابعة للجيش على جانبي نهر دجلة في محيط المنطقة الخضراء، وفي الكرخ والرصافة، ويقابلها تواجد مكثف لمليشيات ترتدي ملابس سوداء وترفع صوراً ورايات مختلفة لرموز دينية، أبرزها المرشد الإيراني، علي خامنئي، والمرجع الديني، علي السيستاني، ومقتدى الصدر، والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. وهو إجراء اعتادت المليشيات عليه لتوضيح هوية كل واحدة منها وتبعيتها. أما من جهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) فقد ارتفعت وتيرة هجماته، بما يزيد من قلق العراقيين، الذين يقبلون على مكاتب السفر إلى كردستان وتركيا والأردن ولبنان ودول أخرى.

في البرلمان، أصدر رئيسه سليم الجبوري، بياناً قبل انعقاد الجلسة، ذكر فيه "أنه ونائبيه همام حمودي وآرام شيخ محمد، لن يترأسا الجلسة، وسيحضران كأعضاء، تجاوباً مع مبادرة رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، ليتمّ بعدها اختيار أحد الأعضاء لرئاسة الجلسة، على أن يطرح موضوع رئاسة البرلمان للتصويت، بإقالة الجبوري ونائبيه من عدمه". إلا أن أعضاء كتلة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، مع كتلة "الصدر" بزعامة مقتدى الصدر، أصرّا على أن يترأس الجلسة، عدنان الجنابي، المرشح من قبلهم لرئاسة البرلمان. وهو ما أثار حفيظة كتل "اتحاد القوى" و"التحالف الكردستاني" و"بدر" و"الفضيلة" و"المواطن"، ودفعها إلى الانسحاب من الجلسة، مما أدى إلى اختلال النصاب وإلغاء الجلسة، ليعلن بعدها مرشح (النواب المعتصمون)، عدنان الجنابي، رفع الجلسة إلى غد الخميس، قبل أن يردّ الجبوري بعد ذلك بالإعلان عن "تعليق جلسات البرلمان حتى إشعار آخر".

في هذا السياق، يشير عضو في البرلمان، عقب خروجه من الجلسة الفاشلة للبرلمان، إلى أن "هناك من يريد أن يأخذ بالبلاد إلى الهاوية". ويضيف البرلماني، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "كل شيء كان يسير وفقاً للخطة، وقد اقتربنا من الحلّ بعد موافقة الجبوري على مبادرة رئيس الجمهورية، وهي عقد جلسة من دون رئيس، على أن يتم فيها تقديم طلب التصويت على بقائه كرئيس برلمان من عدمه. ولدى اكتمال النصاب استفز أنصار المالكي، وهما صهراه ياسر صخيل وحسين أبو رحاب، الكتل بإعلانهما أن رئيس البرلمان الجديد هو عدنان الجنابي، ولا داعيَ لطلب جديد أو تصويت على الإقالة. وأرادا فرض أمر واقع، شاركتهما فيه كتلة الصدر وباقي أعضاء كتلة المالكي".

ويكشف أن "ذلك أدى إلى انسحاب الأكراد والسنة وكتل في التحالف الوطني، هي بدر والفضيلة والمواطن، فضلاً عن الكتلة المسيحية ونواب من الحزب الشيوعي العراقي". ويردف "أدى انسحاب عدد كبير من النواب، إلى اختلال النصاب القانوني للجلسة، التي لم يبقَ فيها سوى 116 برلمانياً. وهذا العدد أقلّ بكثير من النصاب القانوني، الذي يجب ألا يقل عن 165 نائباً، مما دفع الرئيس المرشح من قبل (النواب المعتصمين)، عدنان الجنابي، إلى ارتقاء المنصة والإعلان عن تأجيل الجلسة إلى يوم الخميس". وينوّه إلى أن "الكتل التي أصرّت على البقاء معتصمة داخل البرلمان، هي كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، وائتلاف دولة القانون".

إلى ذلك، يقول عضو البرلمان عن "تحالف القوى العراقية"، أحمد السلماني، لـ"العربي الجديد"، إن "البرلمانيين المعتصمين ضربوا الدستور عرض الحائط"، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي انسحاب كتل "تحالف القوى"، و"التحالف الكردستاني"، وكتلة "الفضيلة"، وكتلة "بدر"، و"ائتلاف المواطن"، والنواب المسيحيين والتركمان من الجلسة.

ويلفت إلى أنه "حضرنا إلى الجلسة بناء على مبادرة رئيس الجمهورية، التي أدت إلى الاتفاق على رئاسة النائب، سعدون الدليمي، لجلسة أمس، ليتم طرح مسألة إقالة رئاسة البرلمان للتصويت، لكن النواب المعتصمين، أصروا على رئاسة مرشحهم الجنابي للجلسة، مما دفع أغلب الكتل السياسية الحاضرة إلى المغادرة". وينوّه السلماني إلى أن "الجلسة غير دستورية، وغير مكتملة النصاب، وما يجري في البرلمان يمثل انقلاباً على الشراكة الحقيقية".

من جهته، لوّح "اتحاد القوى العراقية" بالانسحاب نهائياً من العملية السياسية، ويقول في هذا الصدد، رئيس كتلة "اتحاد القوى"، أحمد المساري، لـ"العربي الجديد"، إن "الكتلة لن تعود إلى البرلمان حتى تعود الشرعية إليه".
ويوضح المساري أنه "كان من المؤمل عقد جلسة لكل الأطراف وفق مبادرة رئيس الجمهورية، ودخلنا إلى البرلمان لهذه الغاية، لكن انقلاب الطرف الآخر جعلنا نخرج". ويعتبر أن "النصاب لم يتحقق، ولا قانونية للجلسة بسبب الانقلاب غير الشرعي".  ويضيف أنه "إذا لم تتم معالجة الوضع وحلّ الأزمة، فنحن ماضون إلى مزيد من التدهور في البلاد، تحديداً في ظلّ الأزمة المالية والاقتصادية والأمنية، وحالياً السياسية". ويبيّن أن "الاستهداف الحالي لرئيس البرلمان تقف وراءه أسباب سياسية وطائفية معروفة، وتحوّل الأمر من إصلاح الحكومة إلى المطالبة بإقالة رئيس البرلمان، رغم أن المشكلة أساساً ليست في البرلمان بل في الأداء الحكومي".

ويختم المساري قائلاً إن "العملية السياسية بنيت على توافقات سياسية من ثلاث مكونات سنية وشيعية وكردية، وأي انسحاب لأحدها معناه فقدان العملية السياسية شرعيتها. وإذا لم تُحلّ الأزمة بطريقة توافقية لنا كتحالف القوى، فلدينا خيارات ومن بينها الانسحاب من العملية السياسية".

من جهتها، تنوّه رئيسة كتلة "التحالف الكردستاني" النائبة آلا الطالباني، إلى أن "انسحابهم من البرلمان جاء بسبب انتهاك الدستور والتوافقات ومبادرة رئيس الجمهورية". وتضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "فوجئنا بالإخوة الآخرين بأنهم ماضون بأجندتهم ولم يستجيبوا للمبادرة، التي أطلقها رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، ولم يحترموها، ومضوا في الجلسة من دون اكتمال النصاب القانوني".

في سياق متصل، يتوقع قيادي بارز في "المجلس الإسلامي الأعلى"، فشل جلسة الخميس أيضاً، ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأزمة الحالية في البرلمان هدفها إسقاط رئيس الحكومة، والمفتاح لدى نوري المالكي والصدر في الحل". ويصف دور الولايات المتحدة بـ"العاجز" والدور الإيراني بـ"المتحرك والراضي عما يجري للضغط على أميركا وإثبات أنها الأقوى نفوذاً". ويرى أنه "تأكد لنا أن إيران في العلن ليست كإيران في السر من هذه الأزمة، التي بدأت تُدار من الخارج".
المساهمون