العراق ... أزمة قيادة

02 ديسمبر 2014

زعماء عشائر في الأنبار في مؤتمر لمواجهة الإرهاب (11نوفمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

ربما هي أزمة قيادة مستحكمة في عراق ما بعد نظام البعث، فكل الشخصيات التي ولدت سياسيّاً من رحم الاحتلال، لا يبدو أنها قادرة على سد الفراغ الذي أحدثه غياب نظام قوي، كالذي كان يترأسه الرئيس الراحل، صدام حسين، خصوصاً وأن هذه الشخصيات أثبتت، يوماً بعد آخر، أنها غير موجودة فعليّاً على خط الوطن، فكثير منها تتنازعه مصالح الطائفة، أو الجماعة، أو الحزب، ناهيك عن شخصيات أخرى، لا يبدو دورها سوى عمالة لهذا الطرف أو ذاك، وخصوصاً التي جاءت من مهجرها الإيراني.

في لحظة فارقة من عمر الزمن العراقي، المليء باللحظات الفارقة، تنحّى نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، والحاكم الفعلي للبلاد تسعة أعوام متتالية، الذي حاول أن يطرح نفسه نموذجاً بديلاً وجديداً لشخصية صدام، الحاكم القوي، فكان أن شكل مليشياته وقواته الخاصة، وكان أن سيطر على أغلب مفاتيح المال العراقي، حتى خيل لبعضهم أن عملية إطاحة المالكي لن تكون سهلة، ودونها رقاب كثيرة، إلا أن تحالف الأضداد، إيران وأميركا، اتفق على أن الوقت قد حان لتنحيته، كما اتفق على بقائه لولاية ثانية.

كان لسقوط مدينتي الموصل وصلاح الدين وجزء من مدينة ديالى والأنبار ووصول التنظيم إلى أسوار العاصمة بغداد، الفعل الأبرز في اتفاق إيران وأميركا على تنحية المالكي، على الرغم من أن البديل الفعلي لم يكن جاهزاً لدى الطرفين، فكان أن تم اختيار حيدر العبادي، الذي جاء إلى المنصب مصادفة، كما جاء سلفه المالكي إلى المنصب نفسه، يوم أن تعنت إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء الأسبق، ورفض مطالب قوى عديدة مشاركة في العملية السياسية، فكان أن طلبت منه إيران وأميركا المغادرة، وتمت تهيئة البديل على عجل، فاختير المالكي.

العبادي الذي تم انتخابه لمنصب نائب رئيس البرلمان، في دورته الحالية، لم يكن مطروحاً، كما أن تنحية المالكي لم تكن مطروحة، وخصوصاً من طهران التي لا ترى فيه سوى حليف مخلص، أو قل عميلاً مخلصاً، إن شئت الدقة، غير أن تغييرات الأرض أوجبت على إيران التفكير في البديل.

طرح العبادي نفسه على أنه نسخة مغايرة من سلفه نوري المالكي، على الأقل في خطاب التنصيب، واستبشر بعض الذين أصروا على خداع أنفسهم أن الحال يمكن أن يتغير مع مجيء العبادي، خصوصاً وأن الأخير داعب مخيلات بعضهم، يوم أن أعلن وقف قصف المدن السنية، غير أن ذلك الإعلان لم يصمد سوى ساعة، حيث انهالت قذائف صاروخية على الفلوجة، معلنة بقاء الحال على ما هو عليه، ثم تطور الموقف، ليجد العراقيون السنة، من المشاركين في العملية السياسية تحديداً، أن أحلامهم في تغيير جذري لسياسات المالكي الخاطئة تبخرت سريعاً.

ولن أتحدث، هنا، عن حكم الإعدام في حق أحمد العلواني، النائب السابق عن محافظة الأنبار، الذي اعتقلته قوات المالكي، بعد أن قتلت شقيقه واثنين من نساء منزله، في أكبر تحد وإهانة لواحدة من أكبر عشائر محافظة الأنبار، والذي لم يجرؤ المالكي وقضاؤه على إصدار حكم الإعدام في حقه، حتى جاء العبادي، وصدر في عهده هذا الحكم، على الرغم من أن الحكومة الحالية أجبن من أن تنفذه، لاعتبارات عدة.

معضلة أخرى، خلفها المالكي، وما أكثر ما خلف من مشكلات، معضلة اسمها المليشيات، تعهد العبادي في خطاب التنصيب بأنه سيعالجها، غير أن واقع الحال، وتحت ذريعة محاربة داعش، دفعت العبادي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام هذه المليشيات، ليس للتغول وحسب، وإنما للاستحواذ على جزء كبير من ميزانية الدولة وتسليح جيشها، حتى فوجئ الجميع بتصريح وزير الداخلية، محمد الغبان، والقيادي في فيلق بدر، أن مهمة تأمين العاصمة وأمنها أسندت إلى المليشيات، في تصرف غريب ومناف تماماً لما أعلنه العبادي.

أثار قرار الغبان حفيظة السنة، شركاء العملية السياسية، فنددوا واستنكروا وشجبوا، غير أن ذلك لا، ولن يجدي نفعاً، فكما كان المالكي أشد طائفية وأكثر قرباً من إيران من سلفه إبراهيم الجعفري، يبدو أن العبادي سيكون أكثر طائفية من المالكي، وأكثر قرباً من إيران وقراراتها.

إننا، اليوم، نعيش أزمة قيادة في عراق ما بعد 2003، لا تقتصر على السلطة ورأسها، وإنما حتى على الأحزاب والتيارات والقوى السياسية، مؤيدها ومعارضها. وهنا، لابد من تأكيد أن العملية السياسية، ومنذ الأيام الأولى لإطلاقها من الأميركان عام 2003، سعت، وبكل جهدها، إلى إبعاد أي معارض لها، بل وتمادت عندما اعتبرت أن كل معارض لهذه العملية السياسية، حتى لو كان سلميّاً، إرهابي ومن أزلام النظام السابق.

مورست في حق العراقيين عملية تذويب كاملة لكل مقومات تأسيس دولة عقب انهيارها في 2003، ركّزت، بالدرجة الأولى، على الإنسان، فاستبعد كل صوت حر وكل سياسي ناضج، وترك المجال لأبناء أنجبهم احتلال غير شرعي، فولدوا مشوهين، لا يعرفون من السياسة سوى ما يحصلون عليه من أموال وامتيازات... وعمالة أيضاً.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...