ويقول مسؤول عراقي رافق رئيس الوزراء في زيارته إلى باريس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي صُدم خلال لقائه قادة الدول المشاركة في مؤتمر باريس، بعد أن وجد إجماعاً منهم على دعم العراق في حربه ضد داعش، لكن في مقابل تحقيقه للمصالحة السياسية مع خصومه".
ويلفت المسؤول نفسه، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أنّ "وزير الخارجية الفرنسية، لوران فابيوس، أبلغ العبادي أن جميع الدول متفقة على أنّ سياسته لا تختلف عن سياسة سلفه نوري المالكي تجاه العرب السنّة". ويوضح أنّ "فابيوس أكّد أنّ كافة الدول مجمعة على مساعدة العراق في حربه، وعدم تركه يواجه مصيره لوحده مع هذا التنظيم الخطير، لكن من غير المعقول أن يبقى البلد يعاني أزمات داخلية خطيرة قد تشعل حرباً أهلية بعد انتهاء ودحر داعش".
ويوضح المصدر أنّ "فابيوس أكّد للعبادي أنّه فشل في كسب خصومه السياسيين الذين منحوا الثقة لحكومته، كما تمرّد على الاتفاقات السياسية التي أبرمها معهم، وأنّ العرب السنة يعاملون اليوم وكأنّهم مواطنون من الدرجة الثانية، على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها البلد والتي تستدعي تكاتفاً وتوافقاً سياسياً".
ويشير المسؤول نفسه إلى أنّ "فابيوس اشترط على العبادي إصلاح الخلل الداخلي بشكل كامل، خصوصاً مع العرب السنة، ومن ثم سيتم توفير كافة أنواع الدعم لحكومة العبادي من الدول العربية والغربية للقضاء على داعش، كما يتم دعم العراق بعد داعش ليكون دولة مؤثرة وتأخذ دورها الحقيقي بين الدول".
ويؤكد المسؤول أنّ "العبادي لم يوافق ولم يرفض تلك الشروط، لأنّ الأمر ليس بيده وحده، فهو رهين لتحالفه الوطني (الحليف لإيران)، كما أنّ النفوذ الكبير للمليشيات في مؤسسات الدولة يفرض عليه بعض الالتزامات".
اقرأ أيضاً: مؤتمر باريس: العبادي يتظلّم وفرنسا توصيه بمعالجة الخلل الطائفي
من جهته، يرى عضو تحالف القوى العراقية، أحمد السلمان، أنّ "العبادي الذي حاز دعما دوليا وداخليا خلال تشكيل الحكومة، خيب ظن الجميع".
ويوضح السلمان، خلال حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "العبادي أسّس عقب تشكيله الحكومة دولة مليشيات، وسلّم زمام الأمور إليها على حساب المؤسسات الأخرى"، مبينا أنّ "العراق اليوم يمرّ بمنزلق خطير بسبب سياسات العبادي غير المدروسة، والتي قد تدفع البلاد إلى منعطف خطير لا يحمد عقباه".
ويعتبر عضو تحالف القوى العراقية أنّه "يتحتم على العبادي تدارك هذا الموقف الخطير وإعادة كسب العرب السنة وثقتهم وعدم اضطهادهم"، مؤكّداً أنّهم "يرزحون اليوم بين داعش وبين سياسات الحكومة الإقصائية".
كما يشير السلمان إلى أنّ "الشروط التي فرضها مؤتمر باريس على العبادي ليست شروطاً مستحيلة ولا تعجيزية، بل هي شروط تصبّ في صالح العراق من كل الجوانب، السياسية والأمنية والاقتصادية". ويشدد على أنّ "تحقيق المصالحة الوطنية هو إنقاذ للبلاد من فتنة طائفية قد تأتي على الأخضر واليابس، كما أن الدعم الدولي هو في صالح العراق الذي هو بأمس الحاجة إليه اليوم"، داعياً العبادي والتحالف الوطني إلى "تحكيم لغة العقل والقبول بتلك الشروط وإنقاذ العراق من هذا المستنقع الخطير".
في غضون ذلك، يرجّح الخبير السياسي محمود القيسي، "فشل الجهود الدوليّة في إقناع العبادي بتحقيق المصالحة الوطنية". ويقول القيسي لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي اليوم رهين لإرادات سياسية أقوى منه"، موضحاً أنّ "رئيس الوزراء أصبح اليوم ليس رجل دولة وليس رجل قرار سياسي، فلا يستطيع أن يتخذ قراراً بمعزل عن إيران وعن التحالف الوطني الذي يعاني انشقاقات ويحاول الإطاحة بالعبادي".
ووفقاً للقيسي، فإن "أيّ تصرف غير مدروس من قبل العبادي قد يؤدي إلى الإطاحة به من داخل التحالف الوطني والحشد الشعبي، الأمر الذي يحتم على رئيس الوزراء العراقي العودة إلى التعاون مع واشنطن وعزل إيران عن العراق ليتسنى له إنقاذ البلاد".
يشار إلى أنّ تحالف القوى العراقية (الذي يضم ممثلين عن العرب السنّة)، قد دعا، فرنسا والولايات المتحدة والمجتمعين في باريس بضمانات تلزم حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بتنفيذ الاتفاقات السياسية لحكومة الشراكة الوطنية.
اقرأ أيضاً: فابيوس بختام مؤتمر باريس: التحالف سيواصل مكافحة "داعش"