العالم على موعد مع أزمة ديون

17 يوليو 2020
أزمة مالية واقتصادية عالمية على الأبواب (العربي الجديد)
+ الخط -

خلال السنوات الأخيرة، زادت التكهنات بقرب وقوع أزمة مالية واقتصادية عالمية تفوق في حدتها أزمة عام 2008، بل وقد تتجاوز تداعياتها خسائر أزمة الكساد الكبير التي اندلعت في العام 1929 وأدت إلى إفلاس نحو 11 ألف بنك وانهيار أسواق وبورصات كبرى.

وقبل سنوات توقع البعض أن تكون 2018 موعدا للأزمة المقبلة، أي بعد مرور 10 سنوات على الأزمة السابقة، وآخرون توقعوا العام 2019، خاصة مع تصاعد الحرب التجارية الشرسة بين واشنطن وبكين، وما واكبها من قلاقل اقتصادية وتجارية وحرب عملات، وتعقد أزمة البريكست، وتفاقم أزمة المديونية العالمية، والظروف الصعبة التي كان مر بها الاقتصاد الدولي حينئذ حيث ساد الركود وتراجع معدلات النمو وكساد الأسواق، وتوقفت دول عن سداد الديون الخارجية كما حدث مع الأرجنتين، وتصاعد التوتر في منطقة الخليج بسبب تصاعد الخلافات بين إدارة ترامب وإيران. إضافة إلى مشاكل أخرى منها زيادة معدلات التضخم بشكل قياسي كما في فنزويلا وإيران والسودان.

في حين توقع طرف ثالث أن تقع الأزمة الاقتصادية العالمية في العام الجاري 2020، مع تهاوي أسعار النفط ودخول أكبر منتجين للنفط، السعودية وروسيا، في حرب أسعار شرسة، دفعت بأسعار البرميل لأقل من 17 دولارا، كما دفعت لتهاوي إيرادات الدول النفطية الكبرى وحدوث اضطرابات اقتصادية ومالية بها كما في روسيا ودول الخليج والجزائر ونيجيريا.

لكن أحدا لم يتوقع أن تأتي الأزمة المالية والاقتصادية الجديدة من بوابة أخرى غير متوقعة على الاطلاق وهي أزمة كورونا التي دفعت حكومات العالم والبنوك المركزية الكبرى إلى ضخ أكثر من 18 ألف مليار دولار في الأسواق للحيلولة دون انهيار الاقتصاد والشركات، والحد من تفاقم أزمات البطالة والفقر وزيادة الأسعار، كما أدت الأزمة إلى حدوث زيادات غير مسبوقة في عجز الموازنات العامة، والسحب من الاحتياطيات الخارجية كما حدث مع السعودية التي سحبت أكثر من 50 مليار دولار خلال 3 أشهر فقط.

وعربيا دفعت أزمة كورونا دولا عربية عدة نحو الوقوع في مصيدة صندوق النقد الدولي والتوسع في الاقتراض، كما حصل مع مصر والمغرب والأردن وتونس، كما تجري السودان والعراق ولبنان مفاوضات للحصول على قروض خارجية ضخمة لمعالجة الأزمات المالية، فيما يبحث مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، الإذن للحكومة بالحصول على قروض بقيمة 65 مليار دولار لمدة 30 عاما.

العالم بات إذا مع أزمة مالية واقتصادية جديدة مع زيادة الديون وتفاقم عجز الموازنات وتهاوي الإيرادات العامة، وأرقام الديون مرشحة للزيادة مع استمرار أزمة كورونا والحديث عن موجة ثانية قد تسبب المزيد من توقف الأنشطة التجارية والاقتصادية وحركة الطيران والسفر.

والأرقام الصادرة عن معهد التمويل الدولي اليوم تؤكد ذلك، فالدين العالمي شهد ارتفاعا حادا في الربع الأول من 2020 ليصل إلى مستوى قياسي عند 258 تريليون دولار في ظل توقف الأنشطة الاقتصادية في أنحاء العالم لاحتواء جائحة فيروس كورونا، ومعدلات الدين في صعود، خاصة وأن تأثيرات كورونا الاقتصادية في الربع الثاني فاقت كثيرا تأثيرات الربع الأول، وهو ما أكده المعهد الذي قال إن القروض التي حصل عليها العالم تضاعفت أكثر من مرتين، وإن إجمالي إصدار الدين سجل رقما قياسيا "مذهلا" في الربع الثاني بلغ 12.5 تريليون دولار، مقارنة بمتوسط فصلي بلغ 5.5 تريليون في 2019.

إذاً، على العالم أن يستعد من الآن للتعامل مع حالات تعثر مالي ضخمة، ليس على مستوى الأفراد والشركات، ولكن على مستوى الدول التي ستستنزف كورونا مواردها المتراجعة أصلا في مواجهة الجائحة وتغطية الخسائر الاقتصادية والصحية الناتجة عنها. 

وعلى العالم أيضا أن يستعد لمرحلة شح السيولة الدولارية، وزيادة كلفة الاقتراض الخارجي، بل وصعوبة الحصول على القروض أصلاً في ظل حالة الانكماش المتوقع أن تصيب الاقتصاديات الكبرى، وهو ما سيدفع دولا عربية إلى الانضمام إلى موقف لبنان والإعلان عن توقف سداد ديونها الخارجية.

المساهمون