الطريق الصحراوي... موت متربص بالعابرين في الأردن

13 يناير 2020
تحويلات عدة على الطريق (صلاح ملكاوي/ Getty)
+ الخط -

ما زال الطريق الصحراوي الممتد من أطراف العاصمة الأردنية عمّان حتى مدينة العقبة، في أقصى جنوب المملكة، بتحويلاته الخطرة الناشئة عن عمليات إعادة تأهيله، يحصد أرواح كثيرين، وهي أزمة طال أمدها

الطريق الصحراوي في الأردن من أنشط الطرقات في المملكة، خصوصاً أنّه يمتد على مسافة طويلة تصل إلى 320 كيلومتراً بين عمّان والعقبة. لكنّ المواطنين والزائرين لم يسلموا من الحوادث المرورية عليه. "طريق الموت" كما بات يعرف، حصد أرواح 41 شخصاً العام الماضي 2019، كما شهد مقتل أربعين شخصاً العام ما قبل الماضي 2018، بنتيجة الحوادث المرورية التي وقعت عليه. كذلك، شهد مئات الإصابات والخسائر المادية في المركبات والبضائع وتجهيزات الطريق.

منذ عام 2016، بدأت وزارة الأشغال العامة الأردنية مشروع إعادة تأهيل وتنفيذ الطريق. ومن المتوقع انتهاء العمل في منتصف العام الجاري. يوم بدأت الوزارة مشروعها، كان الطريق يحتاج إلى الصيانة والتأهيل منذ عام 2006.

لا جسور مشاة

يقول وسام أحمد، وهو من المسافرين المعتادين على سلوك هذا الطريق من عمّان إلى العقبة كلّ شهر تقريباً، لـ"العربي الجديد"، إنّ معظم الحوادث المرورية التي وقعت في الفترة الأخيرة كانت في نقاط التحويلات المرورية التي يُعاد تأهيلها، ما يؤشر الى وجود خلل في هذه التحويلات. يطالب الجهات المعنية، لا سيما وزارة الأشغال العامة، بتنبيه المواطنين لأخذ الحيطة والحذر قبل الوصول إلى هذه "البؤر الخطرة" كما يسمّيها. يضيف أنّه خلال الأعوام الماضية، بات الموت على الطريق الصحراوي ومعه الإصابات بالجملة، وذلك نتيجة تردّي أحوال الطريق وغياب عناصر السلامة عليه، خصوصاً أنّ الطريق تسلكه الشاحنات والسيارات الكبيرة، بالإضافة إلى السيارات الصغيرة، تضاف إلى ذلك فوضى سلوك المسارب من جانب سائقي الشاحنات بالدرجة الأولى.

من جانبه، يقول محمد الفناطسة، أحد سكان مدينة معان لـ"العربي الجديد" إنّه في ظل مبادرة الحكومة إلى إعادة تأهيل الطريق الصحراوي الذي يقع جزء كبير منه في محافظة معان، تتطلع المحافظة إلى إنهاء حالة الخوف والفزع التي تنتاب مواطنيها السالكين لهذا الطريق بشكل كبير. يوضح أنّ من الممكن أن يجرى تلخيص أهم المخاطر التي تواجه المواطنين على هذا الطريق بعدم تنظيم مسير الشاحنات الناقلة للفوسفات والبضائع من ميناء العقبة وإليه، إذ إنّ هذه الشاحنات تشكل خطراً كبيراً أثناء مسيرها على الطريق نظراً لحمولاتها التي تتجاوز 40 طناً، بالإضافة إلى المخاطر التي تشكلها في منطقة رأس النقب تحديداً، فهناك تعاني الشاحنات من عدم قدرتها الكبيرة على الصعود إلى أعلى القمة، ما يهدد في مرات كثيرة بفقدان السيطرة، لا سيما في فصل الشتاء على الطريق المنحدر من قمة رأس النقب. يضيف أنّ الطريق يقطع كثيراً من القرى، وهو ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة على المشاة الذين يعبرون الطريق من الجهتين، نظراً لعدم توفر جسور المشاة في تلك المناطق. ويلفت الفناطسة إلى أنّ انعدام الصيانة الدورية للطريق - قبيل بدء مشروع إعادة تأهيله - لطالما شكّلت خطراً كبيراً لوجود كثير من التشققات والحفر الكبيرة التي تؤدي إلى انحراف سائقي المركبات فجأة عن الطريق، وهو ما كان يتسبب بكثير من الحوادث المرورية التي تؤدي الى الموت، وهذا ما يخشى منه بعد عمليات إعادة التأهيل. وتعاني أجزاء الطريق لدى مروره بمحافظة معان، في معظمها، من غياب الإنارة، والعواكس الضوئية، والإشارات التحذيرية، ما يؤدي إلى تكرار الحوادث المرورية في نقاط معينة من الطريق.



الانتهاء في يوليو

من جانبه، يقول رئيس لجنة النقل والمرور في نقابة المهندسين الأردنيين، ماجد مسلم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطريق الصحراوي يجرى حالياً العمل عليه بشكل جيد. والعديد من الحوادث المرورية التي تقع يكون خطأ السائق أحد أهم مسبباتها، لكن لا يمكن إغفال الحوادث التي يتسبب الطريق نفسه بها، فالطريق والتحويلات تتسبب بتشتيت تركيز السائق أيضاً". يشير مسلم إلى أنّ الحكومة أخطأت في اختيار النظام الذي اتبعته لإعادة تأهيل الطريق الصحراوي وصيانته: "كان من الأفضل إعادة تأهيل اتجاه واحد كامل من أول الطريق حتى النهاية في المرحلة الأولى، ثم الانتقال إلى الاتجاه المعاكس من البداية حتى النهاية، حتى لا تتسبب التحويلات والطرقات البديلة بتشتيت تركيز السائقين، كما هو واقع حالياً". يتابع أنّ القائمين على المشروع حاولوا عزل هذه التحويلات، ووضع الإشارات الإرشادية والتحذيرية للسائقين، وبالرغم من أنّها مكلفة لم تكن الخيار الأفضل، خصوصاً في ظل عدم مراعاة بعض السائقين ظروف الأشغال على هذا الطريق. ويعتقد مسلم أنّه بعد إنجاز المشروع ستتقلص الحوادث بشكل كبير، مشيراً إلى أنّ الحوادث تعود إلى ثلاثة مسببات؛ هي السائق والمركبة والطريق، وعندما تصبح الطريق أفضل ستكون أخطاء السائقين أقل.

الطريق السريع في العاصمة الأردنية عمّان (Getty)


بدوره، يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة الأشغال العامة والإسكان الأردنية، عمر المحارمة، لـ"العربي الجديد"، إنّ صيانة وتجديد الطريق الصحراوي سينتهيان منتصف العام الجاري، وبحدّ أقصى شهر يوليو/ تموز المقبل، بالرغم من أنّ الموعد الرسمي النهائي للتسليم هو شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. يوضح أنّ التحويلات صممت ونفذت من قبل اختصاصيين، بالتعاون مع إدارة السير، مشيراً إلى أنّ وزارة الأشغال العامة كانت حريصة على أن تكون هناك إشارات إرشادية نموذجية قبل كلّ تحويلة، وتكون هذه الإشارات متتالية حتى الوصول إلى التحويلة، وهي واضحة ودالة. يشير إلى أنّ هناك إضاءة كافية على هذه التحويلات، لكنّ عدم الالتزام بالشواخص التحذيرية من قبل بعض السائقين ما زال يتسبب بوقوع حوادث. ويلفت المحارمة إلى أنّ المعهد المروري أجرى دراسة حول الحوادث التي وقعت على الطريق الصحراوي العام الماضي، ليتبين أنّ 45 في المائة من الحوادث سببها السرعة الزائدة، و22 في المائة سببها التجاوز الخاطئ، و20 في المائة فقدان السيطرة، و3 في المائة لأسباب تتعلق بجاهزية المركبات أو الطريق. ويلفت إلى أنّ معظم الحوادث تعود لأخطاء بشرية، لافتاً إلى أنّ الحوادث عام 2019 انخفضت بنسبة 36 في المائة عموماً عن عام 2018. ويوضح أنّ المخصصات للمشروع متوفرة، وقد عمل المقاولون بالمواعيد المحددة، وأن المشروع يسير وفق ما هو مخطط له. يتابع أنّ هذا الطريق حيوي، وهو أهم طريق في الأردن، ولا يوجد له بديل، وبذلك، فإنّ عملية الصيانة والتجديد تجرى في وقت يجب خلاله الحفاظ على عملية السير بشكل مستمر، موضحاً أنّ عملية السير بقيت مستمرة ولم يغلق الطريق خلال كلّ هذه المدة، وكانت التحويلات تتغير بشكل مستمر، وكان لزاماً على مستخدمي الطريق إدراك أنّ هناك عملاً وصيانة، وبالتالي فإنّ استخدام الطريق يحتاج إلى تأنٍّ وحذر زائد. وحول السلامة المرورية، يوضح: "لا يوجد أيّ تحويلة، أو طريق بديلة يزيد طولها عن سبعة كيلومترات"، مشيراً إلى أنّ الوزارة تضع إشارات تحذيرية عدة قبل كلّ تحويلة" بالإضافة إلى تجهيز كلّ تحويلة في بدايتها بحواجز إسمنتية وأبراج إنارة على مداخل ومخارج التحويلة ووضع الإشارات المرورية المضيئة والعاكسات الفسفورية الأرضية واللوحات المضيئة.



خسارة يومية باهظة

من جهته، قال وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس فلاح العموش، في تصريحات صحافية، أخيراًَ، إنّ نسبة الإنجاز على الطريق الصحراوي وصلت إلى نحو 75 في المائة بعد فتح 246 كيلومتراً أمام حركة السير في الأجزاء الثلاثة من المشروع، ومنها 156 كيلومتراً على الجانب المتجه من العقبة إلى عمان، و89 كيلومتراً بالاتجاه المعاكس. وأشار العموش إلى أنّ مقاطع الطريق التي انتهى العمل عليها، هي ثلاثة مسارب تستخدم كتحويلات مرورية والسير عليها باتجاهين، فقد اعتمدت الوزارة في التحويلات أفضل المواصفات الدولية لتحقيق السلامة المرورية وضمان انسيابية المرور.

تنقل المصابين (فرانس برس) 


ووفق التقرير السنوي للحوادث المرورية في الأردن لعام 2018، فإنّ البلاد تخسر يومياً أكثر من 860 ألف دينار (مليون و213 ألف دولار أميركي) نتيجة الحوادث المرورية، في حين بلغ معدل الزيادة السنوية في كلفة الحوادث نحو 7 في المائة، خلال السنوات الخمس الماضية، ويبلغ مجموع حوادث الإصابات البشرية العام نحو 10.400، من بينها 502 حادثة نتجت عنها وفاة. ويقع وفقاً للتقرير حادث مروري كل 50.4 دقيقة تنتج عنه خسائر بشرية، سواء في الوفاة أو الإصابة.