بمساعدة من أقاربه، سار الحاج أحمد عبد الله دغمان (84 عاما)، في شوارع مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، مشاركا بالمسيرة المركزية لإحياء الذكرى الحادية والسبعين لنكبة فلسطين، التي نظمت اليوم الأربعاء، بعدما قدم من مخيم الفارعة، جنوب طوباس، شمال شرق الضفة الغربية.
الحاج دغمان قطع تلك المسافة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، "لنظهر بأن لنا وطنا، وما زلنا على موقفنا كفلسطينيين وبكل الطرق حتى تعود بلادنا"، فيما وجه رسالته للاحتلال الإسرائيلي ودول العالم التي تريد شطب حق العودة بالقول: "فلتضعوا قراراتكم في جيبكم، كلامكم لن يسري على الفلسطينيين المتمسكين بحقهم".
يقول دغمان وهو يقف بصعوبة خلال الفعاليات، إنه يحرص على زيارة بلدته الكفرين، قضاء حيفا، التي هجر منها وهو في سن الثالثة عشرة، كلما أتيحت له الفرصة، ليتذكر في كل مرة يوم التهجير، بعدما نفذ مستوطنون قدموا من ثلاث مستوطنات مجاورة هجوما على قريته، بينما لا يترك دغمان فرصة إلا ويحدث أحفاده عن القرية ليغرس فيهم ذلك الحق.
في جهة أخرى من المهرجان المركزي الذي أقيم على ميدان الشهيد ياسر عرفات وسط مدينة رام الله عقب المسيرة المركزية، وقف إبراهيم يامين ومعه أطفاله الأربعة، الذين أحضرهم، كما يقول لـ"العربي الجديد"، كي يتعرفوا على تاريخهم، كما هو الحال دائما حين يخبرهم عن يافا التي هجر منها جده ووالده، محاولا أن يرسخ في أبنائه ما لم يستطع أن يحققه الآباء ويمكنهم هم تحقيقه.
الفعاليات المركزية في رام الله لإحياء ذكرى النكبة الواحدة والسبعين، والتي نظمتها اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، بدأت قبيل ظهر اليوم، من جانب ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، بعدما وضع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إكليلا من الزهور على ضريح أبو عمار.
أمام الضريح، صرح اشتية للصحافيين قائلا: "إن أي حل سياسي تطرحه الإدارة الأميركية أو أية جهة كانت، ينتقص من حقوق شعبنا المبنية على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين، سيكون حلا مرفوضا من الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية والفصائل ومن كل أبناء الشعب الفلسطيني أينما وجد".
وانطلقت المسيرة بعد ذلك تتقدمها فرقة موسيقية عسكرية، وفرق كشفية لطلبة المدارس، فضلا عن شبان ساروا بعلم فلسطيني كبير، وبعضهم حمل أعلاما سوداء تشير إلى النكبة، وآخرون حملوا مفاتيح العودة، وأسماء القرى المهجرة التي أكدوا على حق العودة إليها، فيما أطلقت صافرات الإنذار لمدة 71 ثانية للدلالة على سني النكبة.
"من رماد النكبة إلى تجسيد العودة فلنسقط المؤامرات"
وتحت شعار "من رماد النكبة إلى تجسيد العودة، فلنسقط المؤامرات"، انطلقت الفعاليات هذا العام، كما صرح لـ"العربي الجديد" رئيس اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة محمد عليان. وأضاف أن "الذكرى تأتي هذا العام في ظل وجود تحد صارخ مصدره الدول العظمى المتحالفة مع الاحتلال بما تسمى بصفقة العصر، وبعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة للاحتلال"، مؤكدا أن المستهدف هو كل الحقوق الفلسطينية بما في ذلك حق العودة، داعيا إلى الوقوف صفا واحدا للحفاظ على تلك الحقوق.
وتشابه الخطاب الرسمي على منصة المهرجان مع كلمة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، والذي قال في كلمة له خلال المهرجان إنه "لا يمكن تمرير أي حل على الشعب الفلسطيني بالقهر والظلم والفرض، بعيدا عن الحق والعدل والشرعية والقبول الطوعي والرضا الحقيقي من قبل أصحاب القضية"، مؤكدا أن صفقة القرن لن تمر.
أما منسق القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله والبيرة، عصام بكر، فقد أكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المطلوب بهذه الذكرى وضع استراتيجية وطنية رفضا لصفقة القرن التي تحاول تصفية القضية الفلسطينية للشعب الفلسطيني وإنقاص حقوقه، نحن أمام فصل جديد من العلاقة مع الاحتلال والتي يجب أن تكون علاقة حركة تحرر وطني مع قوة احتلال تمثلها دولة تسعى إلى تطبيق أنظمة الفصل العنصري".
ودعا بكر إلى "ضرورة تكامل الجهد السياسي والشعبي لتطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني بالتحلل من كل أشكال العلاقة مع الاحتلال، والعمل على مراجعة شاملة في المرحلة المقبلة، والتوجه بخطاب سياسي واحد للعالم قوامه إسدال الستار على عملية التسوية التي دفنتها إسرائيل تحت جرافاتها، والذهاب إلى الأمم المتحدة بتطبيق قراراتها والمطالبة بعقد مؤتمر دولي على غرار مؤتمر مدريد، والعمل على إلزام إسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي".
ودعا كذلك إلى تذليل العقبات أمام "كافة أشكال المقاومة الشعبية المكفولة بالقانون الدولي وخاصة في مناطق ج المزمع ضمها وفق صفقة القرن، وكذلك العمل على فرض كافة أشكال المقاطعة على دولة الاحتلال حتى تنصاع للقانون الدولي، والعمل على خلق حاضنة عربية لمواجهة صفقة القرن وغيرها من المشاريع التي تنتقص من حقوق الفلسطينيين المكفولة بالقانون الدولي".
من جهة ثانية، أكد بكر على استمرار الفعاليات في ذكرى النكبة طيلة هذا الشهر وحتى مطلع الشهر القادم، في مختلف محافظات الضفة الغربية وفي مخيمات الشتات، وفعاليات في نحو 47 عاصمة في العالم، وذلك بالتزامن مع الموعد المحتمل لإعلان صفقة القرن تأكيدا على رفض الصفقة.
الاعتداء على صحافيين
وإلى الجنوب من الضفة الغربية، اعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي على الصحافيين خلال وجودهم في منطقة المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، لتغطية مسيرة شعبية انطلقت من باب الزقاق في مدينة بيت لحم إحياء لذكرى النكبة، بمشاركة العشرات من الفلسطينيين الذين حملوا الأعلام الفلسطينية ولافتات تؤكد على حق العودة.
وقال الصحافي رائد الشريف لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الاحتلال حاولت منعنا من التغطية ودفعت الصحافيين ووجهت إليهم ألفاظا وشتائم نابية".
في هذه الأثناء، نظم العشرات من الطلاب الفلسطينيين في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة وقفة احتجاجية داخل أسوار الجامعة، رفعوا خلالها اللافتات ورددوا هتافات إحياء لذكرى النكبة الحادية والسبعين.
في مقابل ذلك، تظاهر العشرات من الطلبة اليمينيين في الجامعة ذاتها قبالة الطلاب الفلسطينيين وهتفوا بعبارات عنصرية، رافعين أعلام دولة الاحتلال، وسط انتشار لشرطة الاحتلال في المكان.
وفي الخليل، جنوب الضفة الغربية، أحيا الفلسطينيون ذكرى النكبة بوقفة جماهيرية وسط المدينة رافعين لافتات تؤكد على حق العودة، ورفعوا كذلك الأعلام الفلسطينية، فيما أحيت فعاليات محافظة قلقيلية الذكرى الحادية والسبعين للنكبة بوقفة ومسيرة وافتتاح جدارية، إذ بدأت الفعاليات بإطلاق صافرة العودة، ومن ثم انطلق المشاركون في مسيرة باتجاه مدرسة الصديق لافتتاح جدارية العودة للفنان سامح تيم.
وشهدت مدينة طوباس، شمال شرق الضفة، وقفة جماهيرية وسط المدينة، يوم أمس الثلاثاء، إحياء لذكرى النكبة، وكذلك مسيرة جماهيرية في مخيم الفارعة، جنوب طوباس، الليلة الماضية، حيث رفع المشاركون الأعلام السوداء والأعلام الفلسطينية ولافتات تؤكد على حق العودة، فيما شاركت فرق كشفية في المسيرة، فيما أقيمت أمسية وطنية في البلدة القديمة من مدينة نابلس، شمال الضفة، إحياء للذكرى الـ71 للنكبة، والـ17 لاجتياح المدينة، وأزيح الستار عن صرح شهداء إبريل/نيسان الذين ارتقوا دفاعا عن مدينة نابلس خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 2002.
شارك في التغطية: القدس، رام الله ــ محمد محسن، جهاد بركات، محمود السعدي