الصين والدولار والنفط

19 أكتوبر 2015
البيانات الاقتصادية الصينية مليئة بالتناقضات (Getty)
+ الخط -
قبل أيام عدة، ارتفعت أسعار النفط من أدنى مستوياتها التي سجلتها في أغسطس/آب الماضي، إلى ما فوق مستوى الـ 50 دولاراً للبرميل. لكن هل هذا الارتفاع إشارة إلى عودة أسواق الطاقة إلى وضعها الطبيعي بعيداً عن التذبذب الكبير الذي أصاب الأسعار في معظم تعاملات العام الحالي؟

تأثرت التداولات خلال الأيام الأخيرة بإعلان الاحتياطي الفيدرالي عن محضر جلسة لجنة السوق المفتوحة لشهر سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما أدى إلى استمرار المخاوف بشأن النمو العالمي والتحفظات حول رفع أسعار الفائدة على المدى القريب. منذ ذلك الحين، وجدت أسواق الأسهم والطاقة العالمية ضالتها مسجلة ارتفاعات جيدة، حيث قفز مؤشر شنغهاي بنسبة 2.9% في يوم واحد، ما قلص المخاوف من حدوث انكماش اقتصادي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وعزز ثقة المتعاملين في أسواق النفط.

في الواقع، كانت البيانات الاقتصادية الصينية مليئة بالتناقضات في الآونة الأخيرة، إذ رغم حدوث تباطؤ أكثر من المتوقع في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال شهر يوليو/تموز الماضي، الذي بلغ فقط 3.5%، إلا أن الطلب على النفط استمر قوياً بشكل حيّر مراقبي الأسواق. وفقاً للبيانات الرسمية الصينية، ارتفع الطلب الصيني على البنزين ووقود الطائرات، على حد سواء، بأكثر من 19% في يوليو/تموز الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وارتفع الطلب على النفط الخام أكثر من 5.5% خلال نفس الفترة. في الوقت ذاته، أظهر تقرير الجمعية الصينية لمصنعي السيارات أن مبيعات السيارات لشهر أغسطس/آب الماضي انخفضت بنسبة 3.5% على أساس سنوي. ما هو التفسير الصحيح لهذه البيانات المتناقضة؟ هل يتجه الاقتصاد الصيني إلى التعافي التدريجي المبكر، أم نحو الانزلاق إلى نوع من الركود؟

أثارت عمليات البيع المكثفة على الأسهم الصينية، خلال الصيف الماضي، قلق المستثمرين في العالم حول الآفاق الاقتصادية للبلاد. على النقيض من ذلك، فإن الاستقرار والصعود الأخير لمؤشرات الأسهم الصينية قد أزال بعض من هذه المخاوف، على الأقل في المدى القصير. رغم ذلك، هناك من يرى بأن الضعف الاقتصادي الحالي في الصين هو نتاج المبالغة في تقييم عملتها المحلية، اليوان.

قد يكون ذلك صحيحاً. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تقلص العجز التجاري الأميركي في مادة النفط بشكل ملحوظ نتيجة لارتفاع إنتاج النفط الصخري، وانهيار أسعار النفط اعتبارا من منتصف عام 2014. أدى ذلك إلى تحسن كبير في التجارة الأميركية، ما نتج إلى إعادة تقييم الدولار مقابل عملات جميع شركائها التجاريين، ما عدا الصين. باستثناء تعديل صغير في الشهر الماضي، رفضت السلطات النقدية الصينية خفض قيمة اليوان مقابل عملات رئيسية مثل الين واليورو والدولار. نتيجة لذلك، وجد قطاع الصادرات الصينية نفسه في وضع تنافسي غير مؤات، وعانى وفقا لذلك، فقد أظهر قطاع المستهلكين في الصين تماسكاً قوياً يحسد عليه، في حين عانى قطاع الصناعات التحويلية والصادرات من ضعف شديد. تدعم البيانات الأخيرة إلى حد كبير، ولكن ليس تماما، هذه النظرة التحليلية.

من ناحية أخرى، إذا كان لنا أن نعزو ارتفاع العملة الأميركية إلى ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من الصخر الزيتي، فإن الدولار، على الأرجح، قد بلغ ذروته. ورغم أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة آخذ في الانخفاض، إلا أن النمو في الاستهلاك المحلي للنفط لا يزال قوياً، وهو ما أظهره ارتفاع واردات الولايات المتحدة من النفط على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. في الواقع، هذا السيناريو قد يتسبب في عودة العجز التجاري الأميركي في مادة النفط من جديد، فإذا كنا نعتقد أن ارتفاع إنتاج الصخر الزيتي كان وراء ارتفاع قيمة الدولار، فإن انخفاضه، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، سوف يقللان من قيمة الدولار الأميركي.

المستفيد الأول من تخفيض قيمة العملة الأميركية هو الصين، ذلك أن، باستثناء التخفيض الأخير لقيمته، يبقى اليوان مربوطاً بثبات مقابل الدولار. لذلك، فإن مشكلة الصين، المتمثلة في ارتفاع قيمة عملتها، سوف تتبدد، نسبيا، جراء تراجع الدولار الأميركي، ما قد يتسبب في عودة التوازن إلى أسواق النفط، وازدياد منسوب الثقة في مستقبل الاقتصاد الصيني. إعادة توازن أسواق النفط، اعتمادا على السيناريو، قد يتأخر من 6 إلى 18 شهراً، مع عودة الطلب العالمي على النفط وتراجع الإنتاج.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون