الصراع الجيوسياسي على أسواق الطاقة

26 نوفمبر 2014
أزمات تتحكم بأسعار النفط(فرنس برس/getty)
+ الخط -
هبطت أسعار النفط بنسبة تخطت 25% خلال الفترة الماضية. واقع رفع من حدة التنافس على أسواق الطاقة. ما شكّل مؤشراً لقياس سلوكيات الدول المنتجة، وخصوصاً الكبرى منها، في إدارة العلاقة مع المستهلكين من الدول والشركات الكبرى، والمستثمرين أيضاً. وبالتالي نشهد اليوم مرحلة من التنافس الحاد يصل إلى درجة الصراع الناعم، بين الدول المنتجة للنفط سواء كانت داخل منظمة "أوبك" أو خارجها.

وحدات أبحاث
منذ نهاية الأزمة المالية العالمية وخصوصاً الخليجية منها والسعودية على وجه الخصوص، بدأت الدول المنتجة للنفط بالعمل على تطوير الأسواق وبناء وحدات الأبحاث لمراقبة تطورات السوق العالمية. وتقوم هذه الوحدات بقياس حجم الطلب على النفط، وفق الإحداثيات المعلوماتية.
هكذا، تقوم السعودية وغيرها من الدول الكبرى المنتجة للنفط، بالعمل على اتباع استراتيجية اقتحامية في إدارة التعامل مع الدول من خلال اتباع آلية "الترغيب والتثبيت". وهذه الاستراتيجية ساعدت المملكة العربية السعودية في التمتع بمرونة عالية في سوق الطلب العالمية. فالمملكة تقوم من جهة بتخفيض جزئي في الإنتاج لصالح سوق الولايات المتحدة الأميركية في إطار استراتيجية الترغيب والتكيف التكتيكي مع ثورة النفط الصخري. ومن جهة أخرى تعمل على تثبيت الأسعار مع السوق الآسيوية واللاتينية بهدف تحقيق التفاعل المتين من جهة، وتلبية الطلب المتزايد من جهة أخرى.
هذه المرونة في التعاطي مع الملف النفطي من قبل المملكة، حفز الدول الكبرى المنتجة للعمل على مراقبة العرض الفائض والذي يأتي من السعودية على حساب المنتجين الذي عانوا من أزمات كبيرة داخل "أوبك" (إيران، فنزويلا، العراق، ليبيا ). وهذا فعلياً، ما دفع مجموعة الدول المنتجة داخل "أوبك" إلى المطالبة بتقليص الإنتاج والعودة للمحافظة على المستويات المعهودة، خصوصاً أن اقتصاديات هذه الدول تواجه هفوات متوسطة منذ سنتين ولغاية الآن. وبالتالي فإن انخفاض أسعار النفط بنسبة 18 وصولاً إلى 25%، انعكس معاناة لعدد من الدول الريعية.
وقد أدى تصاعد وتيرة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في العراق وسورية وليبيا، إلى وضع أسعار النفط أمام تحدي الارتفاع تارة، وهذا ما تم بعد اجتياح الموصل من قبل داعش، وانخفاض الأسعار بعد مضي 40 يوماً من الاجتياح من 89 دولاراً إلى 84 دولاراً... وصولاً الى تأرجح الأسعار الحالية.
ويرى العديد من الدول أن الأسعار النفطية في السوق العالمية غير مقبولة. وهنالك من يذهب إلى سيناريو أكثر وضوحاً في دعوة السعودية إلى التأثير في أسعار النفط. إلا أن هذه الدعوات لا تعتبر واضحة تماماً في مقاصدها. خصوصاً أن الأسعار قد تم استغلالها من قبل المضاربين، كما أن هنالك مؤشرات أخرى تدحض افتراضات القدرة السعودية على التأثير في أسعار النفط. خصوصاً عند الحديث عن مشاكل تواجه الاقتصاديات النامية، وأهمها الدول الصاعدة (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا). ذلك أن حجم الطلب في هذه الدول، وحراك اقتصاداتها، بات يؤثر بنسبة 25% في حركة الاقتصاد الدولي.
يمكن القول إن الصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط وصل إلى نفق مغلق. وذلك رغم المؤتمرات والحوارات الجارية بين دول المنطقة والدول الكبرى. إذ إن الواقع يقول إن زمن اللعبة الصفرية قد انتهى، وإن الصراع الجيوسياسي على الأسواق، هو صراع مهذب وناعم ومقبول بنفس الوقت. لكن الصراع من خلال تحريك ديناميات العنف في مناطق الإنتاج النفطي أصبح خارج إطار القبول. وهذا ما أقدمت عليه هذه الدول منذ الأزمة السورية ولغاية صدور القرار الدولي 2170 في 15 أغسطس/آب 2014 الذي وضع الإطار العام لإيقاف حركة السوق السوداء لإرباك السوق النفطية في الشرق الأوسط.
كذلك، يمكن القول إن إدارة الصراع الجيوسياسي وفق تصوّر يحظى بقبول الأطراف، هو السبيل لتحقيق التوازن داخل السوق النفطية العالمية، وهو الذي يسهم في تطوير وإنعاش الأسعار.
أما بالنسبة إلى استشراف مؤشر أسعار النفط، فإن الوصول إلى سعر للبرميل يراوح بين 90 إلى 97 دولاراً، يبقى ضمن السياق الذي يمكن استيعابه في عام 2015. ولكن هذا السعر سيتحقق في حال توافرت عوامل الاستقرار في السوق النفطية وتعافت الاقتصادات المستهلكة للطاقة والنفط من أزماتها.
المساهمون