الصحراء تعيد العلاقات المغربية الجزائرية إلى نقطة الخلاف

06 مايو 2020
أثارت تصريحات تبون حول الصحراء غضب المغرب(بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

عادت العلاقات الدبلوماسية المغربية الجزائرية إلى دائرة التوتر، بعدما شهدت قمة مجموعة الاتصال لحركة عدم الانحياز، التي عقدت عن بعد أول من أمس الاثنين، مواجهة كلامية غير مباشرة بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بسبب نزاع الصحراء.

ودعا تبون، في كلمة له خلال القمة، مجلس الأمن الدولي إلى الاجتماع في أقرب الآجال واعتماد قرار ينادي من خلاله بصفة رسمية بالوقف الفوري لكل الأعمال العدائية عبر العالم، لا سيما في ليبيا، "من دون إغفال الأوضاع في الأراضي التي تعيش تحت الاحتلال، كما هو الحال في فلسطين والصحراء الغربية"، على حد قوله.

دعوة تبون أغضبت وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي ردّ من دون تسمية الجزائر. إذ عبّر، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية، عن أسفه لاستمرار دولة مجاورة "على الرغم من الظروف الاستثنائية الحالية، في تغذية الانفصال، وذلك في خرق للمبادئ المؤسسة لحركة عدم الانحياز". وأضاف "هذه الدولة، وعوض أن تستعمل مواردها لتحسين الوضعية الهشة لسكانها في سياق جائحة كورونا، تعمل على تحويل هذه الموارد بهدف زعزعة الاستقرار الإقليمي".

ولا تكاد العلاقات الجزائرية المغربية تتلمّس طريقاً لحلّ الخلافات بين البلدين، حتى تعيد التصريحات السياسية الأزمة إلى نقطة بداية الخلاف الحاد. ويشكل ملف الصحراء أبرز القضايا الخلافية بين الجزائر والمغرب، إذ تتهم الرباط الجزائر بتقديم الدعم لـ"جبهة البوليساريو" الانفصالية، فيما تعتبر الجزائر القضية مسألة أممية.

ولم تؤدّ دعوة العاهل المغربي محمد السادس، التي تضمنتها برقية التهنئة التي كان قد وجهها إلى الرئيس الجزائري في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى "فتح صفحة جديدة" في العلاقات بين بلاده والجزائر وطي صفحة الخلافات، إلى تحسّن العلاقات بين الدولتين الجارتين. وكان اتهام تبون، في فبراير/ شباط الماضي، ما سماه اللوبي المغربي – الفرنسي بعرقلة تطور العلاقات بين الجزائر وباريس والحد من كل المبادرات خدمة لمصالح الرباط قد ألقى بظلاله كذلك على العلاقات بين الدولتين.

وعلى امتداد الأشهر الماضية، أدخلت التصريحات السياسية العلاقات بين البلدين إلى مرحلة الأزمة، على خلفية موقف الجزائر من فتح دول أفريقية قنصليات لها في العيون والداخلة، أكبر مدن الصحراء، واتهامها بالسعي إلى إفشال منتدى "كرانس مونتانا" في الداخلة، جنوب المغرب. ومنتدى "كرانس مونتانا" الذي يقام سنوياً تحت رعاية ملكية يصبو إلى المساهمة في الاعتراف الدولي بالصحراء كجزء من المغرب.

وفي السياق، اعتبر مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتحي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "إقران الرئيس الجزائري نزاع الصحراء بالقضية الفلسطينية في ظرفية استثنائية هو تضليل وتدليس غايته تعطيل عمل حركة عدم الانحياز، في تجاذبات سياسية عقيمة". ورأى أنّ "إشهار سيف الانفصال والعمل على زعزعة الاستقرار الإقليمي في ظرفية عصيبة هو أمر يجهز على أي أفق للتعاون البيني من أجل التصدي لفيروس كورونا، وفيه خرق مقصود للمبادئ المؤسسة لحركة عدم الانحياز".

وتابع الفاتحي أنّ "إقران نزاع الصحراء بالقضية الفلسطينية لن ينطلي على أحد، ذلك أنّ المنتظم الدولي لا يرى أبداً أي وجه للمقارنة بين القضيتين".

من جهته، رأى مدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بكلية الحقوق في مراكش، إدريس لكريني، أنّ "المواقف التي تبديها السلطات الجزائرية أخيراً، بشأن المغرب وقضية الصحراء، تعكس أنّ ذهاب الأشخاص لا يعني زوال المرتكزات التي بُنيت عليها السياسة الخارجية الجزائرية"، وأن "القوى النافذة المتحكمة في مسارات السياسة الداخلية والخارجية في الجزائر ما زالت كما هي".

وأضاف لكريني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "التحركات والمواقف الجزائرية المعبر عنها في الأسابيع الماضية، تعكس حجم الانزعاج الذي يشعر به صانع القرار الجزائري وقادة البوليساريو إزاء النجاحات التي باتت تحققها التوجهات المغربية بإقناع عدد من الدول الأفريقية بافتتاح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية".

واستبعد الخبير المغربي حدوث انفراج في العلاقات بين البلدين في ظلّ استمرار النخب الحالية في الحكم، موضحاً: "إذا أتيحت الفرصة للنخب التي تدعو اليوم إلى التغيير بالجزائر، فإننا سنكون أمام مجموعة تؤمن بالمغرب الكبير وبتعزيز العلاقات بين الرباط والجزائر وبالمصالح الحقيقية للأخيرة، وكذا بتجاوز كل الخلافات وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. أمّا إذا ظلّت النخب التي تختلق الأزمات لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية، فإنّ الأمر لن يتغيّر، وهو أمر ليس في صالح البلدين ولا المنطقة المغاربية برمتها، التي تزخر بإمكانات قادرة على أن تشكل مدخلاً لإرساء تعاون إقليمي وازن على مستوى التحديات وطموحات الشعوب".

المساهمون