الصحافة الجزائرية بين السلطة والصمود

03 مايو 2016
(Getty)
+ الخط -
يأتي الثالث من مايو متزامنا مع تراجع الجزائر بـ 10 مراتب في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود".

 وكشف التصنيف أن الجزائر احتلت المرتبة 129 بعد أن كانت تحتل المرتبة 119 السنة الماضية. وأرجعت "مراسلون بلا حدود" خسارة الجزائر للمراتب إلى الضغوط المباشرة وغير المباشرة التي تعاني منها الصحافة المستقلة في البلاد.


وتعيش الصحافة المكتوبة في الجزائر أزمة غير مسبوقة، بعد اتساع دائرة الصحف التي تعاني من أزمات مالية لتصل 40 صحيفة، أغلبها موالية للسلطة، إلى حد التهديد بتعليق الصدور وتسريح الصحافيين، بفعل تراجع الإعلانات والإشهار التي كانت توزعها الوكالة الحكومية للنشر والإشهار، والتي تحتكر منذ أكثر من 15 سنة توزيع الإشهار الحكومي، والتي تستعملها السلطة كورقة ضغط على الصحف والمؤسسات الإعلامية، التي تحاول الخروج من تحت مظلتها.

هذا الواقع عجّل بغلق خمس صحف يومية، منها يومية "الأحداث" التي علقت صدورها منذ 16 فبراير/شباط المنصرم، كما طلبت العديد من الجرائد من الطاقم الصحافي العامل لديها بالتوقف عن العمل إلى إشعار آخر، بعد عجزها عن دفع رواتب الصحافيين وباقي العمال لعدة أشهر كما هو حال يومية "اليوم" التي ظل بقاء عمالها دون رواتب لـ 5 أشهر.

وكانت "المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحافي الجزائري"، قد دقت ناقوس الخطر حيال هذه الوضع المزري الذي تعيشه الصحافة المكتوبة في الجزائر، حيث اعتبرت في تقرير لها أن الصحافيين العاملين في الصحف المستقلة يتعرضون منذ سنة إلى مضايقات خطيرة تحولت إلى عملية "سحق اجتماعي" ومساس خطِر بكرامة الإنسان نتيجة سياسة خاطئة في عملية إصلاح المنظومة الإعلامية المحكومة بالفوضى والارتجال، محذرةً من توجه 40 إلى 50 صحيفة إلى الغلق وتسريح الصحافيين.



وفي السياق يرى الصحافي حمزة الهواري، مؤسس الموقع الإخباري "الجزائر 24"، أنّ "الصحافيين في الجزائر يواجهون العديد من التحديات من أجل الحفاظ على كرامتهم، فالقطاع لازمته الفوضى لحظة ولادته وحالت دون ترقية العمل الصحافي، فرغم تحيين النصوص القانونية وخطابات السلطة حول تنظيم القطاع، إلا أن الواقع يزداد تعفنا، خاصة في الشق الاجتماعي".

ويضيف الهواري لـ"العربي الجديد" أن "أغلب الصحافيين يعانون من مشاكل اجتماعية ومهنية في الأساس، خاصة ما تعلق بالسكن وتدني الأجور وغياب التأمين الاجتماعي. ويبقى الحديث عن حرية الصحافة في ظل هذه الظروف غير عقلاني، فالتحرر من الضغوطات الاجتماعية هي أول خطوة نحو حرية الصحافة، التي بالتأكيد لن تكون هدية من السلطة، بل تؤخذ بنضال هذه الفئة، فالفوضى التي يعيشها القطاع مقصودة حتى يبقى الصحافي يلهث وراء الحاجات الاجتماعية، بدل المطالبة بالحرية".

ولعلّ أبرز الحوادث التي ميزت المشهد الإعلامي في الجزائر منذ اليوم العالمي الأخير لحرية الصحافة هو غلق وتشميع قناة "الوطن تي في" الخاصة مع حجز عتادها في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بقرار من وزارة الاتصال الجزائرية، بحجة "ممارسة نشاط غير قانوني" وبث "مضامين تحريضية".

كما عرفت الجزائر أيضًا سجن الصحافي حسان بوراس بتهمتي "تحريض مواطنين على التمرد على سلطة الدولة" و"إهانة هيئة نظامية، بسبب شريط فيديو نشره يتضمن شهادات أشخاص، يتهمون الجيش بتحطيم منازلهم بسبب انتمائهم إلى التيار الإسلامي".

ومعروف أن القنوات الخاصة في الجزائر والبالغ عددها أكثر من 20 قناة، لا تزال تعمل خارج القانون بسبب عدم تفعيل الحكومة الجزائرية سلطة ضبط السمعي البصري رغم صدور القانون المنظم للنشاط السمعي البصري نهاية 2014. وهو الوضع الذي يسمح، حسب المتابعين، بغلق القنوات في أي لحظة بحجة الوضعية القانونية.

ويعتبر الصحافي السابق في قناة "الوطن تي في" "عدلان. ح" في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "السلطة بالغت في ممارسة الخناق على مختلف وسائل الإعلام، ووصل الأمر إلى غلق منابر إعلامية على غرار قناة الوطن الجزائرية، بحجة عدم امتلاكها الترخيص في الوقت الذي تنشط أغلب القنوات الخاصة الجزائرية دون ترخيص ولا اعتماد، وهو ما فسر بتضييق من طرف السلطة على حرية الصحافة، ناهيك عن استعمال ورقة الإشهار في وجه بعض وسائل الإعلام للي الذراع والدخول في الصف".

وفي خطوة منها لتبييض صورتها، ألغت السلطات الجزائرية العقوبات السالبة للحريات أي السجن على الصحافيين بسبب حرية الرأي والتعبير، وذلك بموجب الدستور الجزائري الجديد المصادق عليه في 7 فبراير/شباط المنصرم من طرف البرلمان الجزائري، في وقت يقر القانون العضوي للإعلام الصادر سنة 2012 عقوبات مالية على المؤسسات الإعلامية، التي يرتكب أحد صحافييها أفعالا منافية للقوانين الجزائرية.

ويربط المتابعون للشأن الإعلامي في الجزائر المخاض العسير التي تمر به الصحافة في البلاد، مع عملية إعادة ترتيب المشهد السياسي في البلاد، حيث تسعى السلطة لاحتواء أكبر عدد ممكن من المنابر الإعلامية إلى جانبها وإجهاض المنابر المتاحة أمام المعارضة الجزائرية.​

المساهمون