على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، كانت الطائرات الحربية الروسية تحلق على مستوى منخفض جداً فوق سفينة "دونالد كوك" العسكرية الأميركية في بحر البلطيق. تلك الحادثة، ليست الأولى ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، في ما يطلق عليه خبراء عسكريون ومراقبون سياسيون "استفزازاً وعرض عضلات" روسيا.
في دول الشمال، جرت حوادث عدة مشابهة في السنتين الماضيتين. ففي اليوم نفسه لحادثة السفينة الأميركية، كانت طائرات "أف 16" الدنماركية تنطلق بسرعة فائقة من قواعدها، وقد شوهدت من قبل مواطنين عاديين، باتجاه جزيرة بورنهولم الدنماركية. التوتر في هذه المنطقة سيد الموقف منذ 2014، ويبدو أن الروس لم يأبهوا كثيراً للتحالف العسكري الذي عقد بين استوكهولم وكوبنهاغن أخيراً.
ويقول خبراء عسكريون لوسائل الإعلام الإسكندنافية إن "التصرفات الروسية أصبحت أكثر من روتينية، وبالنسبة لوزارة الدفاع السويدية يحمل الأمر الكثير من الاستفزازات التي اقتربت من التصادم بين طائراتهم والطائرات الروسية في مناسبتين على الأقل في العام الماضي".
ولا يخفي الاسكندنافيون خشيتهم من تلك التحركات الروسية، لكن أصواتاً أخرى باتت تشكو من الموقف الأميركي أيضاً في مسائل الدفاع. ويقول الخبير في قضايا الدفاع يوهانس ريبر نوردبي: "على الرغم مما قاله الأميركيون عن تلك الحادثة، فهم (الروس والأميركيون) ليسوا في أسوأ العلاقات حالياً. هم يتعاونون في المسائل السياسية الكبرى، سواء تعلّق الأمر بالحرب السورية أو ببرنامج إيران النووي، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري كان في موسكو قبل أسبوعين من تلك الحادثة. وبالتالي يتحدث الطرفان مع بعضهما حول قضايا مختلفة، لكن ذلك لا يمنع الروس من أن يمارسوا سياسة مختلفة في المناطق القريبة منهم لإظهار وجودهم".
وتخشى دول الشمال من "حرب باردة" في هذه البقعة الجغرافية. ويشير أصحاب تلك الخشية إلى "جرأة غير معهودة حتى في الحرب الباردة، فطائرات موسكو الحربية لا تغادر الرادارات الإسكندنافية. بل إنهم (الروس) يطاردون طائرات الاستطلاع قرب بورنهولم".
تبعد جزيرة بورنهولم عن كالينينغراد 300 كيلومتر، وهي جزيرة تابعة للدنمارك وشكّلت قاعدة تنصّت ومراقبة متقدّمة في الحرب الباردة. وهي قريبة من الشواطئ الجنوبية الغربية للسويد. وبحسب التقارير العسكرية، فإن الطائرات الروسية انطلقت من كالينينغراد، على بُعد 70 ميلاً بحرياً عن الباخرة الأميركية. وتقول مصادر متخصصة في الشؤون الدفاعية لـ"العربي الجديد"، إن طائرات عسكرية روسية كانت تطارد طائرات مراقبة سويدية في يناير/كانون الثاني الماضي و"كانت على وشك الاشتباك مع مقاتلات غريبن السويدية"، قبل أن تنسحب باتجاه كالينينغراد.
اقــرأ أيضاً
المقلق في الشمال ليس فقط التحركات الجوية الروسية، بل ما يدور تحت سطح مياه البلطيق، فالغواصات الروسية باتت تقترب أكثر من شواطئ إسكندنافيا، وتوسّع طلعاتها الجوية لتشمل النرويج، العضو في حلف شمال الأطلسي.
وفي العام الماضي قامت فنلندا برمي ألغام بحرية لمنع الغواصات الروسية من الاقتراب من مياهها، وبحسب ما تقوله تقارير أكاديمية الدفاع في كوبنهاغن، فإن تلك الخطوة كانت "إشارة للروس بأن تحركاتهم مكشوفة". لكن الروس لا يخفون تلك التحركات أصلاً، بل إن مضائق الدنمارك شهدت مرور 8 غواصات روسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ووفق تحقيق أجرته صحيفة "بيرلينغسكا" الدنماركية، اطلعت فيه على وثائق من وزارة الدفاع، فإن تلك الغواصات "خرقت السيادة الدنماركية بشكل مرئي".
يشير نيلس كريستيان فانغ من الأكاديمية الدفاعية، إلى أن "الدنمارك تشكّل عنق الزجاجة للبلطيق، ولا يمكن مرور عسكري من دون أن يقطع ذلك الطريق البحري الدنماركي". فيما يرى خبراء في مجال التحركات الروسية، أن الأمر لا يتعلق باستفزازات، بل بمخاوف روسية متعاظمة عقب أزمة أوكرانيا. ويبدو الروس قلقين وفق هؤلاء من نقاط عدة، لعل أهمها الاحتشاد الذي يقوم به حلف شمال الأطلسي في بولندا والبلطيق، والإصرار على دعم دوله الثلاث، والمضي قدماً في نظام الدرع الصاروخي. ويشير هؤلاء إلى أن المناورات الروسية "تهدف إلى إجبار أوروبا على القبول بالنفوذ الروسي ورفع العقوبات والإقرار بما جرى في أوكرانيا". وهناك من يرى بأنها محاولة مقايضة، لكنه رأي لا يأخذ به كثيرون.
الأخطر فيما يجري بالنسبة لسياسيي وعسكر الشمال الأوروبي، يتمثّل بسياسة روسيا المقبلة تجاه دول البلطيق وألمانيا. وفي لقاء مع موقع "فوكوس" الألماني، قال عضو البرلمان عن الحزب المسيحي الديمقراطي كارل جورج فيلمان، إنه يصعب فهم سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "لكنه يكرر أخطاء أميركا في العراق بسياساته في سورية وتحالفه مع مليشيات شيعية من كل حدب وصوب. وهو في الوقت نفسه يلعب لعبة إشاعة التوتر وخلق عدم استقرار في الدول المحيطة أوروبياً. وكانت سياسته حتى في سورية تريد خلق جو يُضعف من خلاله المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمزيد من تدفق اللاجئين، للضغط على ألمانيا التي تقف صلبة في مسألة العقوبات على روسيا". واعترف فيلمان بأن بوتين على علاقة جيدة باليمين المتطرف، مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا" و"ان بي دي" نازيّ التوجّه وحركة "بيغيدا". لكن ما علاقة كل ذلك بالتحركات العسكرية في البلطيق؟
لا يغفل بعض الساسة الغربيين، ومنهم فيلمان، أن بوتين "يوجّه رسائل تهديد جدية ومباشرة أنه يمكنه خلال 4 أسابيع أن يكون في وارسو"، معتبرين أنه "علينا بالفعل أن نكون مستعدين لصراع مع بوتين". وهي بنظر هؤلاء محاولة لضرب زعامة ألمانيا التي تستند إليها كثير من الدول في شرق أوروبا ومحيط البلطيق.
أخذت الدوائر العسكرية، منذ بداية العام الحالي، التحركات الروسية على محمل الجد. بدأت مناورات ضخمة في البلطيق، وتعزيز تواجدها العسكري في بولندا وقرب سواحل الدول المطلة على بحر البلطيق. وتقول مصادر عسكرية مطلعة لـ"العربي الجديد": "كالينينغراد تحت الأنظار لما تشكّله من خطر وجودي حقيقي لبولندا وليتوانيا، والشواطئ الإسكندنافية". ومن هنا فإنه "ليس من الصدفة أن تحلّق الطائرات الروسية فوق المدمرة الأميركية في المنطقة".
أحد البرلمانيين المطلعين على صناعة السياسة الخارجية في دولة إسكندنافية يقول لـ"العربي الجديد": "مثلما هي مشكلة حلفاء أميركا في الخليج العربي بعدم وضوح وجدية إدارة باراك أوباما، فإن الأمر عينه ينطبق هنا. الفرق البسيط أن دول الحلف، وحتى التي خارج حلف الأطلسي، تتصرف من دون الوجود الأميركي، الذي يحضر أحياناً رمزياً". ويضيف: "إيران في منطقتكم تتصرف بالتحالف مع مليشيات تدمر مصداقية الدول وجيوشها ومؤسساتها بتبعية علنية لطهران، مشكلتنا تشبه ما لديكم، لكن تحت ستار من ساسة في موسكو يرتدون ربطات العنق وهم يقيمون علاقات مع يمين متطرف ويدّعون أنهم ولاة على الأقليات الروسية، أو حتى الناطقين بالروسية. هذه سياسة كارثية ذقنا طعمها في أوكرانيا وهم يهددون بتكرارها في دول أخرى".
ويذهب مختصون في مسائل الدفاع إلى اعتبار ما يجري "تحت ستار من التحالفات الموزعة لابتسامات التهدئة"، أمر أخطر مما يظن البعض. ويستشهد هؤلاء بكلمة رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في مؤتمر الأمن بميونخ، "فهو تحدث عن السلام، بينما الحقن السامة هي التي كانت تبث في الغرب".
في مايو/ أيار من العام الماضي، وتحت وطأة الخوف من التحركات الروسية، طالبت دول البلطيق بمساعدة حلف شمال الأطلسي. فليتوانيا المحاصرة بكالينينغراد لديها نظرتها لما يجري من تعزيز عسكري روسي، وتهديدات علنية لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي. حلف شمال الأطلسي أوكل لطائرات الدنمارك وبريطانيا بحماية المجال الجوي لدول البلطيق. وأعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، من إستونيا العام الماضي، أن الأميركيين "سينشرون سلاحاً ثقيلاً و250 دبابة في بولندا ودول البلطيق". وكان بوتين قد أعلن بأنه سيزود صواريخ بالستية بـ40 رأساً نووياً.
ما تخشاه دول البلطيق، وهو يتجاوزها إلى دول أخرى في الشمال، هو اعتماد بوتين في سياسته القومية المتشددة وعلى ما اعتمد عليه في تدخّلاته السابقة في جورجيا وأوكرانيا، أي حجّة "الأقلية الروسية" أو الناطقين بالروسية. وعلى الرغم من أن ليتوانيا لا تحتوي سوى على 6 في المائة من هؤلاء من مجموع سكانها، إلا أن "الاستغلال القومي قائم على قدم وساق، ويخشى أن يكون التسليح قد بدأ من المقاطعة المجاورة". وفي إستونيا لا يبدو الأمر أقل قلقا، فحوالي 25 في المائة من السكان يصنفون أنفسهم كروس. وفي لاتفيا 27 في المائة من الشعب هم أقلية روسية وولاؤهم للكرملين وسيّده.
لكن هناك من يرى أن سياسة بوتين هي سياسة "مقامرة" للحصول على مزيد من التنازلات لمصلحة "الاعتراف بدولته كدولة عظمى". بينما آخرون لا يرون ذلك ممكناً اقتصادياً إذا بقيت العقوبات، ولا حتى عسكرياً. ويعتبر هؤلاء أن رهانات الكرملين هي تقسيم الأوروبيين وتجزئة مواقفهم بإغراقهم في مسائل شتى.
اقــرأ أيضاً
في دول الشمال، جرت حوادث عدة مشابهة في السنتين الماضيتين. ففي اليوم نفسه لحادثة السفينة الأميركية، كانت طائرات "أف 16" الدنماركية تنطلق بسرعة فائقة من قواعدها، وقد شوهدت من قبل مواطنين عاديين، باتجاه جزيرة بورنهولم الدنماركية. التوتر في هذه المنطقة سيد الموقف منذ 2014، ويبدو أن الروس لم يأبهوا كثيراً للتحالف العسكري الذي عقد بين استوكهولم وكوبنهاغن أخيراً.
ويقول خبراء عسكريون لوسائل الإعلام الإسكندنافية إن "التصرفات الروسية أصبحت أكثر من روتينية، وبالنسبة لوزارة الدفاع السويدية يحمل الأمر الكثير من الاستفزازات التي اقتربت من التصادم بين طائراتهم والطائرات الروسية في مناسبتين على الأقل في العام الماضي".
وتخشى دول الشمال من "حرب باردة" في هذه البقعة الجغرافية. ويشير أصحاب تلك الخشية إلى "جرأة غير معهودة حتى في الحرب الباردة، فطائرات موسكو الحربية لا تغادر الرادارات الإسكندنافية. بل إنهم (الروس) يطاردون طائرات الاستطلاع قرب بورنهولم".
تبعد جزيرة بورنهولم عن كالينينغراد 300 كيلومتر، وهي جزيرة تابعة للدنمارك وشكّلت قاعدة تنصّت ومراقبة متقدّمة في الحرب الباردة. وهي قريبة من الشواطئ الجنوبية الغربية للسويد. وبحسب التقارير العسكرية، فإن الطائرات الروسية انطلقت من كالينينغراد، على بُعد 70 ميلاً بحرياً عن الباخرة الأميركية. وتقول مصادر متخصصة في الشؤون الدفاعية لـ"العربي الجديد"، إن طائرات عسكرية روسية كانت تطارد طائرات مراقبة سويدية في يناير/كانون الثاني الماضي و"كانت على وشك الاشتباك مع مقاتلات غريبن السويدية"، قبل أن تنسحب باتجاه كالينينغراد.
المقلق في الشمال ليس فقط التحركات الجوية الروسية، بل ما يدور تحت سطح مياه البلطيق، فالغواصات الروسية باتت تقترب أكثر من شواطئ إسكندنافيا، وتوسّع طلعاتها الجوية لتشمل النرويج، العضو في حلف شمال الأطلسي.
وفي العام الماضي قامت فنلندا برمي ألغام بحرية لمنع الغواصات الروسية من الاقتراب من مياهها، وبحسب ما تقوله تقارير أكاديمية الدفاع في كوبنهاغن، فإن تلك الخطوة كانت "إشارة للروس بأن تحركاتهم مكشوفة". لكن الروس لا يخفون تلك التحركات أصلاً، بل إن مضائق الدنمارك شهدت مرور 8 غواصات روسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ووفق تحقيق أجرته صحيفة "بيرلينغسكا" الدنماركية، اطلعت فيه على وثائق من وزارة الدفاع، فإن تلك الغواصات "خرقت السيادة الدنماركية بشكل مرئي".
يشير نيلس كريستيان فانغ من الأكاديمية الدفاعية، إلى أن "الدنمارك تشكّل عنق الزجاجة للبلطيق، ولا يمكن مرور عسكري من دون أن يقطع ذلك الطريق البحري الدنماركي". فيما يرى خبراء في مجال التحركات الروسية، أن الأمر لا يتعلق باستفزازات، بل بمخاوف روسية متعاظمة عقب أزمة أوكرانيا. ويبدو الروس قلقين وفق هؤلاء من نقاط عدة، لعل أهمها الاحتشاد الذي يقوم به حلف شمال الأطلسي في بولندا والبلطيق، والإصرار على دعم دوله الثلاث، والمضي قدماً في نظام الدرع الصاروخي. ويشير هؤلاء إلى أن المناورات الروسية "تهدف إلى إجبار أوروبا على القبول بالنفوذ الروسي ورفع العقوبات والإقرار بما جرى في أوكرانيا". وهناك من يرى بأنها محاولة مقايضة، لكنه رأي لا يأخذ به كثيرون.
الأخطر فيما يجري بالنسبة لسياسيي وعسكر الشمال الأوروبي، يتمثّل بسياسة روسيا المقبلة تجاه دول البلطيق وألمانيا. وفي لقاء مع موقع "فوكوس" الألماني، قال عضو البرلمان عن الحزب المسيحي الديمقراطي كارل جورج فيلمان، إنه يصعب فهم سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "لكنه يكرر أخطاء أميركا في العراق بسياساته في سورية وتحالفه مع مليشيات شيعية من كل حدب وصوب. وهو في الوقت نفسه يلعب لعبة إشاعة التوتر وخلق عدم استقرار في الدول المحيطة أوروبياً. وكانت سياسته حتى في سورية تريد خلق جو يُضعف من خلاله المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمزيد من تدفق اللاجئين، للضغط على ألمانيا التي تقف صلبة في مسألة العقوبات على روسيا". واعترف فيلمان بأن بوتين على علاقة جيدة باليمين المتطرف، مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا" و"ان بي دي" نازيّ التوجّه وحركة "بيغيدا". لكن ما علاقة كل ذلك بالتحركات العسكرية في البلطيق؟
لا يغفل بعض الساسة الغربيين، ومنهم فيلمان، أن بوتين "يوجّه رسائل تهديد جدية ومباشرة أنه يمكنه خلال 4 أسابيع أن يكون في وارسو"، معتبرين أنه "علينا بالفعل أن نكون مستعدين لصراع مع بوتين". وهي بنظر هؤلاء محاولة لضرب زعامة ألمانيا التي تستند إليها كثير من الدول في شرق أوروبا ومحيط البلطيق.
أخذت الدوائر العسكرية، منذ بداية العام الحالي، التحركات الروسية على محمل الجد. بدأت مناورات ضخمة في البلطيق، وتعزيز تواجدها العسكري في بولندا وقرب سواحل الدول المطلة على بحر البلطيق. وتقول مصادر عسكرية مطلعة لـ"العربي الجديد": "كالينينغراد تحت الأنظار لما تشكّله من خطر وجودي حقيقي لبولندا وليتوانيا، والشواطئ الإسكندنافية". ومن هنا فإنه "ليس من الصدفة أن تحلّق الطائرات الروسية فوق المدمرة الأميركية في المنطقة".
أحد البرلمانيين المطلعين على صناعة السياسة الخارجية في دولة إسكندنافية يقول لـ"العربي الجديد": "مثلما هي مشكلة حلفاء أميركا في الخليج العربي بعدم وضوح وجدية إدارة باراك أوباما، فإن الأمر عينه ينطبق هنا. الفرق البسيط أن دول الحلف، وحتى التي خارج حلف الأطلسي، تتصرف من دون الوجود الأميركي، الذي يحضر أحياناً رمزياً". ويضيف: "إيران في منطقتكم تتصرف بالتحالف مع مليشيات تدمر مصداقية الدول وجيوشها ومؤسساتها بتبعية علنية لطهران، مشكلتنا تشبه ما لديكم، لكن تحت ستار من ساسة في موسكو يرتدون ربطات العنق وهم يقيمون علاقات مع يمين متطرف ويدّعون أنهم ولاة على الأقليات الروسية، أو حتى الناطقين بالروسية. هذه سياسة كارثية ذقنا طعمها في أوكرانيا وهم يهددون بتكرارها في دول أخرى".
ويذهب مختصون في مسائل الدفاع إلى اعتبار ما يجري "تحت ستار من التحالفات الموزعة لابتسامات التهدئة"، أمر أخطر مما يظن البعض. ويستشهد هؤلاء بكلمة رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في مؤتمر الأمن بميونخ، "فهو تحدث عن السلام، بينما الحقن السامة هي التي كانت تبث في الغرب".
في مايو/ أيار من العام الماضي، وتحت وطأة الخوف من التحركات الروسية، طالبت دول البلطيق بمساعدة حلف شمال الأطلسي. فليتوانيا المحاصرة بكالينينغراد لديها نظرتها لما يجري من تعزيز عسكري روسي، وتهديدات علنية لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي. حلف شمال الأطلسي أوكل لطائرات الدنمارك وبريطانيا بحماية المجال الجوي لدول البلطيق. وأعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، من إستونيا العام الماضي، أن الأميركيين "سينشرون سلاحاً ثقيلاً و250 دبابة في بولندا ودول البلطيق". وكان بوتين قد أعلن بأنه سيزود صواريخ بالستية بـ40 رأساً نووياً.
لكن هناك من يرى أن سياسة بوتين هي سياسة "مقامرة" للحصول على مزيد من التنازلات لمصلحة "الاعتراف بدولته كدولة عظمى". بينما آخرون لا يرون ذلك ممكناً اقتصادياً إذا بقيت العقوبات، ولا حتى عسكرياً. ويعتبر هؤلاء أن رهانات الكرملين هي تقسيم الأوروبيين وتجزئة مواقفهم بإغراقهم في مسائل شتى.