الشعر والرواية.. سؤال بلا إجابة

12 نوفمبر 2015

عمل للفنان لؤي كيالي

+ الخط -

مرة أخرى، يطل سؤال التفاضل والتكامل بين الشعر والرواية بين الجموع الثقافية المنشغلة بقراءة الرواية وسماع الشعر، والواضح أنها لن تكون الأخيرة، فقد أصبح السؤال العامل المشترك الأدنى بين الجميع في كل فعالية ثقافية، أو أدبية تخص الشعر، أو تخص الرواية، أو حتى تخص الكتابة عموماً. وعلى كثرة ما استمعت لاجتهادات المنشغلين به، لا أعرف بالضبط ما الذي يهم الجمهور، أي جمهور، في هذا السؤال، لكي ينشغل نقاد كثيرون بحثاً عن إجابته. ولا إجابة حاسمة، يمكن أن تريح النقاد والباحثين والشعراء والروائيين، فالجمهور لا ينتظر مثل هذه الإجابة، لكي يحدد وجهته في أي مكتبة أو معرض للكتاب؛ رف الشعر أم رف الرواية؟

في الفعاليات المصاحبة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي يختتم في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كان هذا السؤال الأبرز في ندواتٍ ثقافية كثيرة، وفي الحوارات بين الكتاب والأدباء والقراء. وقد تكرس لدى المهتمين، وهم يرون تقاطر رواد المعرض، ومن مختلف الأعمار والجنسيات تقريبا، نحو رفوف الروايات، مكتفين بالاستماع إلى أصوات الشعراء، وهم يلقون قصائدهم في الأمسيات الشعرية التي اجتهد منظمو المعرض في بثها بين أروقة المعرض.

قال الشاعر يوسف أبو لوز، تقديماً لقصائده التي ألقاها في "المقهى الثقافي" في المعرض، إنه يشعر بيتم هذا المساء، في إشارة إلى تواضع عدد الحضور الذي لم يتجاوز أصابع اليدين، على الرغم من دفء القصائد التي ألقاها، وكذا قصائد شيخة المطيري التي سبقته ببث عطر قصيدتها المنعش بين حنايانا، بدد كثيراً من الشعور باليتم لدى أبو لوز، إلا أنه لم يفلح في تبديد الحيرة تجاه المعايير أو الاشتراطات التي تتحكم عادة بذائقة القارئ، وتوجهه حيثما تشاء.

طرح سؤالٌ في عنوان ندوة مهمة في المعرض: "هل الرواية سيدة الأجناس الأدبية؟ وحاول سعيد البازعي ورشيد أبو شعير والروائية الباكستانية ثريا خان الإجابة عن السؤال بأشكال مختلفة، ضاعفت من ثقله. ففي حين تطرق بو شعير إلى المعايير التي يعتمد عليها في تحديد ما إذا كانت الرواية بالفعل سيدة الأجناس الأدبية، قال البازعي إن جولة واحدة في ثنايا معرض الشارقة للكتاب كفيلة بأن تثبت أن الرواية هي المتصدرة لقائمة الفنون الأدبية، وأعاد تقدم الرواية على صعيد الانتشار إلى  دور الناشرين في ذلك. وتوقف بوشعير أمام معضلة المعايير التي أقنعت كثيرين بسيادة الرواية راهناً، بتساؤل؛ "ما هي المعايير المعتمدة في ذلك؟ فإذا كان معيار الذوق، نستطيع القول إن الأنواع الأدبية مثل الفاكهة، متنوعة في طعمها وشكلها، وإذا كان معيار الانتشار، فهو ليس دقيقاً، بسبب قدرة بعض الأعمال على تحقيق ذلك، على الرغم من أنها قد تكون فارغة. ولكن، في هذا الصدد، يمكن أن نتبنى معايير أخرى، مثل عدد الشعراء الذين تحولوا إلى كتابة الرواية، وعدد الذين حصلوا على جائزة نوبل للآداب، ومعظمهم من كتاب الرواية، وكذلك معيار النقد، حيث تحول كثيرون من نقد الشعر إلى نقد الرواية". وحاول البازعي الانتصار للشعر من خلال رفض فكرة السيادة برمتها، أولاً، ثم في وصف الشعر بأنه "من أكثر الأنواع الأدبية قرباً من النفس البشرية، إلى درجة يكاد يكون فيها شخصياً، ومعظم الكتاب يبدأون به، بينما الرواية تختلف في ذلك، فهي بمثابة الكتابة للآخرين وعن الآخرين". وعلى الرغم من أن ثريا خان بدت كأنها تحلق خارج سرب الندوة بسؤال العنوان وحيرة الناقدين إزاءه، وهي تتحدث عن تجربتها في كتابة الرواية، إلا أنها أجابت عن السؤال من حيث لا تقصد، عندما قالت إنها تجد الرواية أكثر انفتاحاً مقارنة مع الفنون الأخرى.

هل الرواية أكثر انفتاحاً من الشعر حقا؟ الرصد التاريخي للشعر والرواية في السجل الأدبي للبشرية يخبرنا أن هذا غير دقيق أبداً. يبقى السؤال، إذن، مفتوحاً بلا إجابة حاسمة، فالعالم أكثر اتساعا من مشاكسة غير منطقية أساساً بين القصيدة والرواية، أو ما بين الخيال والمعرفة. 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.