24 سبتمبر 2020
الشعب بين الثورة والدولة؟
ماذا كانت تريد الجماهير العربية الغاضبة التي خرجت في تظاهرات ومسيرات، وقامت باعتصامات في شوارع أقطار عربية وميادينها، في موجة ثورية، اصطلح العالم، ونحن معه، على تسميتها الربيع العربي؟ ماذا جرى في تلك الأقطار على مدى نحو أربع سنوات ونصف، منذ انطلقت الشرارة الأولى من تونس الخضراء، حيث أدت حركة الجماهير الغاضبة إلى فرار رأس النظام زين العابدين بن على وأسرته، ورددت وسائل الإعلام الخبر في جملة مختصرة وغير مسبوقة في عالمنا العربي، وهي هروب بن علي.
كان ذلك في الرابع عشر من يناير 2011، وكانت رسالة بالغة الأهمية للجماهير في كل الأقطار العربية، هي أن التخلص من كل طاغية مستبد، لم يعد أمراً مستحيلاً. وتوالت الأحداث بسرعة، وانتقلت الحالة الثورية بين الأقطار العربية، مصر وليبيا وسورية واليمن، وطاول بعض الرذاذ أقطاراً أخرى، بدرجات أقل، مثل الجزائر والبحرين والمغرب والأردن، وحتى العراق على الرغم من ظروفه الخاصة. ونعود إلى السؤال: ماذا كان يريد الناس الذين يمثلون شعوب تلك الأقطار بالضبط؟ وماذا جرى؟
للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نسترجع تلك الأيام الرائعة التي انطلقت فيها الجماهير في الأقطار المختلفة. وعلينا أن نتذكر الشعارات التي تم رفعها، وترجمها الناس إلى هتافات، سنجدها كلها. وعلى الرغم من بعض الاختلافات، اشتركت في مطلب محوري، هو الحرية. هتف الثوار المصريون "عيش .. حرية"، وهتف الثوار السوريون "الله .. سورية .. حرية"، وهكذا في باقي الأقطار، ثم تبلور المطلب الجماهيري بشكل أشمل، وتحول إلى الشعب يريد تغيير النظام.
ومن دون الدخول في تفاصيل ما جرى في كل قطر من الأقطار التي هبت عليها رياح ثورات الربيع العربي، فإن المآلات، للأسف، كانت مأسوية، فلا الناس التي خرجت ثائرة تطالب بالحرية حصلت على أي قدر من الحرية، ولا النظم التي كانت قائمة بقيت كما هي، ولا سقطت.
ولكن المنطقة هي التي سقطت في دوامة من الاضطراب والفوضى، ما بين جماعات غاشمة وغاصبة تمكنت من السلطة، لجأت إلى القمع العسكري، سعيا إلى استعادة النظام، فأفرز حالة من العنف والعنف المضاد، والإرهاب، بدرجات متباينة.
أصبح الكل خاسراً، لا الشعوب تمكنت من تحقيق شيء من مطالبها، ولا أصحاب السلطة وسدنتها تمكنوا من الحفاظ على سلطتهم ثابتةً، كما كانت. ولكن، ما حدث أن المنطقة التي تعرضت لرياح الربيع العربي، بثوراته السلمية في مطلع العام 2011، تتعرض، اليوم، إلى عواصف التنظيمات والجماعات الإرهابية وضرباتها العشوائية، أحيانا، والمدبرة بدقة، أحيانا أخرى، في ظل مناخ استقطاب طائفي، وموجة تكفيرية متبادلة بين كل الأطراف.
في الأقطار التي تعاني من الفرقة والتمزق الحاد، نجد: العراق وتفجيرات الأسواق والمساجد المتبادلة شبه اليومية. وسورية وبراميل النظام المتفجرة، وداعش والنصرة وغيرها. وليبيا ما بين مجلسين وسلطتين وجيشين وعشرات المليشيات. واليمن وعواصف الحزم والأمل، وأيضاً الاقتتال والتفجيرات.
وفي الأيام القليلة الماضية، وقعت مجموعة من الحوادث الجسام في أقطار عربية تحكمها سلطات مركزية، تملك آلة عسكرية وأمنية قوية. وبالتسلسل الزمني، تعرضت السعودية لعمليتي تفجير بأحزمة ناسفة في مسجدين، والفاعل سعودي، ثم عملية تفجير قام بها انتحاري بحزام ناسف في مسجد بالكويت، والفاعل سعودي بتعاون مع مواطنين مقيمين. وفي اليوم نفسه، عملية إرهابية يطلق فيها شاب تونسي النيران على أجانب مصطافين في شاطئ أحد الفنادق السياحية في مدينة سوسة، عمليات راح ضحيتها عشرات، ثم جاء حادث استهداف موكب النائب العام المصري في القاهرة، في عملية تفجير إرهابية أسفرت عن اغتيال النائب العام، وسقوط عدد من الضحايا. وسبقت الحادثة بأسابيع عملية ارهابية راح ضحيتها خمسة من رجال النيابة والقضاء في مدينة العريش شمال سيناء. وللأسف، القادم قد يكون أسوأ.
هل يعني ذلك أن الشعوب العربية وصلت إلى طريق مسدود؟ وهل مسيرة إراقة العرب الدم العربي وصلت إلى نقطة اللاعودة؟ هل تبخرت في الهواء كل أحلام الناس وأمانيهم التي راودتهم في مطلع العام 2011، عن الحرية والكرامة والعدالة؟ هل أصبح على من يتشبث بالسلطة أن يبقى شاكي السلاح، ولا يستطيع أن يبقى في سلطته إلا بقوة السلاح؟ أم أن الأمر يتعلق بخلل جسيم في البنية المجتمعية للشعوب العربية، بدأ مع بداية تطلع تلك الشعوب إلى بناء إطار الدولة الحديثة، ذلك الحلم الكاذب الذي روجته اتفاقية سايكس - بيكو، قبل مائة عام، الدولة الحديثة التي كانت الشعوب الأوربية قد وصلت إليها، قبل ذلك التاريخ بمائة عام أيضاً، ورسخت خلالها قيم الشراكة الاجتماعية ومفاهيمها، ومبادئ الديمقراطية ومدنية الدولة، والأهم خلق فهم شعبي عام لقواعد العقد الاجتماعي الذي بشر به مفكرون عظام، من أمثال توماس هوبز وفرنسيس بيكون وجان جاك روسو. أدت (سايكس - بيكو) إلى إقامة نظم حكم سلطوية بصور مختلفة تفرض سطوتها على الأقطار العربية، تحت مسميات الدولة، ملكية أو أميرية أو سلطنة أو جمهورية، وليس لها من الدولة سوى اسمها، بينما هي أبعد ما تكون عن مفاهيم وقيم الدولة المدنية، الديمقراطية، الحديثة، التي تضبطها قواعد العقد الاجتماعي.
خرج الناس في يناير، وهم يعتقدون أنهم يثورون من أجل تغيير نظام حكم في دولة، لكنهم لم يجدوا تلك الدولة. ووجدوا أنفسهم في مواجهة نظم أشبه ما تكون بالتنظيمات العصابية المسلحة، فآلت حركتهم الثورية إلى ما آلت إليه. والسلطات التي كانت في سدة الحكم اعتقدت أنها تملك مؤسسات دولة قادرة على التعامل مع الناس، وهم في حالة الثورة، لكنها لم تجد سوى هياكل مؤسسات ديناصورية، عاجزة أو متصدعة، بل بلغ الأمر درجة تلاشي بعض تلك المؤسسات في أكثر الأوقات حرجاً، ولم يبق أمامها سوى استخدام السلاح، وأيضاً آلت أركان السلطات القائمة إلى ما آلت إليه.
هل دخلت الشعوب العربية، محكومين وحكاماً، في نفق مظلم؟ أم أن هناك بصيص نور في نهاية النفق؟
ولأن الشعوب لا تموت، مهما طالت عهود الظلم والظلام، فإن النور قادم، وكلمة السر هي الدولة، بشرط أن تكون الدولة الحقيقية، الحديثة، المدنية، الديمقراطية التي يؤمن بها، ويلتزم بشروطها، ويعمل وفق قوانينها، الجميع. هذا هو المطلب الحقيقي الذي يجب أن تتحرك من أجله كل الشعوب في كل الأقطار العربية، تحت شعار واحد هو (الشعب يريد إقامة الدولة الحقيقية).
للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نسترجع تلك الأيام الرائعة التي انطلقت فيها الجماهير في الأقطار المختلفة. وعلينا أن نتذكر الشعارات التي تم رفعها، وترجمها الناس إلى هتافات، سنجدها كلها. وعلى الرغم من بعض الاختلافات، اشتركت في مطلب محوري، هو الحرية. هتف الثوار المصريون "عيش .. حرية"، وهتف الثوار السوريون "الله .. سورية .. حرية"، وهكذا في باقي الأقطار، ثم تبلور المطلب الجماهيري بشكل أشمل، وتحول إلى الشعب يريد تغيير النظام.
ولكن المنطقة هي التي سقطت في دوامة من الاضطراب والفوضى، ما بين جماعات غاشمة وغاصبة تمكنت من السلطة، لجأت إلى القمع العسكري، سعيا إلى استعادة النظام، فأفرز حالة من العنف والعنف المضاد، والإرهاب، بدرجات متباينة.
أصبح الكل خاسراً، لا الشعوب تمكنت من تحقيق شيء من مطالبها، ولا أصحاب السلطة وسدنتها تمكنوا من الحفاظ على سلطتهم ثابتةً، كما كانت. ولكن، ما حدث أن المنطقة التي تعرضت لرياح الربيع العربي، بثوراته السلمية في مطلع العام 2011، تتعرض، اليوم، إلى عواصف التنظيمات والجماعات الإرهابية وضرباتها العشوائية، أحيانا، والمدبرة بدقة، أحيانا أخرى، في ظل مناخ استقطاب طائفي، وموجة تكفيرية متبادلة بين كل الأطراف.
في الأقطار التي تعاني من الفرقة والتمزق الحاد، نجد: العراق وتفجيرات الأسواق والمساجد المتبادلة شبه اليومية. وسورية وبراميل النظام المتفجرة، وداعش والنصرة وغيرها. وليبيا ما بين مجلسين وسلطتين وجيشين وعشرات المليشيات. واليمن وعواصف الحزم والأمل، وأيضاً الاقتتال والتفجيرات.
وفي الأيام القليلة الماضية، وقعت مجموعة من الحوادث الجسام في أقطار عربية تحكمها سلطات مركزية، تملك آلة عسكرية وأمنية قوية. وبالتسلسل الزمني، تعرضت السعودية لعمليتي تفجير بأحزمة ناسفة في مسجدين، والفاعل سعودي، ثم عملية تفجير قام بها انتحاري بحزام ناسف في مسجد بالكويت، والفاعل سعودي بتعاون مع مواطنين مقيمين. وفي اليوم نفسه، عملية إرهابية يطلق فيها شاب تونسي النيران على أجانب مصطافين في شاطئ أحد الفنادق السياحية في مدينة سوسة، عمليات راح ضحيتها عشرات، ثم جاء حادث استهداف موكب النائب العام المصري في القاهرة، في عملية تفجير إرهابية أسفرت عن اغتيال النائب العام، وسقوط عدد من الضحايا. وسبقت الحادثة بأسابيع عملية ارهابية راح ضحيتها خمسة من رجال النيابة والقضاء في مدينة العريش شمال سيناء. وللأسف، القادم قد يكون أسوأ.
هل يعني ذلك أن الشعوب العربية وصلت إلى طريق مسدود؟ وهل مسيرة إراقة العرب الدم العربي وصلت إلى نقطة اللاعودة؟ هل تبخرت في الهواء كل أحلام الناس وأمانيهم التي راودتهم في مطلع العام 2011، عن الحرية والكرامة والعدالة؟ هل أصبح على من يتشبث بالسلطة أن يبقى شاكي السلاح، ولا يستطيع أن يبقى في سلطته إلا بقوة السلاح؟ أم أن الأمر يتعلق بخلل جسيم في البنية المجتمعية للشعوب العربية، بدأ مع بداية تطلع تلك الشعوب إلى بناء إطار الدولة الحديثة، ذلك الحلم الكاذب الذي روجته اتفاقية سايكس - بيكو، قبل مائة عام، الدولة الحديثة التي كانت الشعوب الأوربية قد وصلت إليها، قبل ذلك التاريخ بمائة عام أيضاً، ورسخت خلالها قيم الشراكة الاجتماعية ومفاهيمها، ومبادئ الديمقراطية ومدنية الدولة، والأهم خلق فهم شعبي عام لقواعد العقد الاجتماعي الذي بشر به مفكرون عظام، من أمثال توماس هوبز وفرنسيس بيكون وجان جاك روسو. أدت (سايكس - بيكو) إلى إقامة نظم حكم سلطوية بصور مختلفة تفرض سطوتها على الأقطار العربية، تحت مسميات الدولة، ملكية أو أميرية أو سلطنة أو جمهورية، وليس لها من الدولة سوى اسمها، بينما هي أبعد ما تكون عن مفاهيم وقيم الدولة المدنية، الديمقراطية، الحديثة، التي تضبطها قواعد العقد الاجتماعي.
خرج الناس في يناير، وهم يعتقدون أنهم يثورون من أجل تغيير نظام حكم في دولة، لكنهم لم يجدوا تلك الدولة. ووجدوا أنفسهم في مواجهة نظم أشبه ما تكون بالتنظيمات العصابية المسلحة، فآلت حركتهم الثورية إلى ما آلت إليه. والسلطات التي كانت في سدة الحكم اعتقدت أنها تملك مؤسسات دولة قادرة على التعامل مع الناس، وهم في حالة الثورة، لكنها لم تجد سوى هياكل مؤسسات ديناصورية، عاجزة أو متصدعة، بل بلغ الأمر درجة تلاشي بعض تلك المؤسسات في أكثر الأوقات حرجاً، ولم يبق أمامها سوى استخدام السلاح، وأيضاً آلت أركان السلطات القائمة إلى ما آلت إليه.
هل دخلت الشعوب العربية، محكومين وحكاماً، في نفق مظلم؟ أم أن هناك بصيص نور في نهاية النفق؟
ولأن الشعوب لا تموت، مهما طالت عهود الظلم والظلام، فإن النور قادم، وكلمة السر هي الدولة، بشرط أن تكون الدولة الحقيقية، الحديثة، المدنية، الديمقراطية التي يؤمن بها، ويلتزم بشروطها، ويعمل وفق قوانينها، الجميع. هذا هو المطلب الحقيقي الذي يجب أن تتحرك من أجله كل الشعوب في كل الأقطار العربية، تحت شعار واحد هو (الشعب يريد إقامة الدولة الحقيقية).