الشتاء على الأبواب... سوريون يبحثون عن وسائل تدفئة

02 أكتوبر 2019
هكذا يتدفأون (فادي حلبي/ فرانس برس)
+ الخط -

يستعدّ السوريون النازحون والمهجرون في الشمال السوري لفصل الشتاء القاسي، بما يحمله من أمطار وعواصف رعدية وسيول. ويبحث الأهالي عن وسائل للتدفئة تساعدهم على تحمل البرد، وإن كانت تختلف بحسب أوضاع النازحين

يؤرّق فصل الشتاء السوريين لما يحمله من أعباء ومعاناة، خصوصاً النازحين والمهجرين في الشمال السوري. لم يعد وقود التدفئة في متناول اليد لدى الجميع، كما أن الأوضاع المعيشية تلقي بثقلها عليهم، مرغمة إياهم على البحث عن بدائل قد تكون خطيرة وذات ضرر على صحتهم وصحة أطفالهم.

فاطمة المحمود التي خرجت من ريف حمص الشمالي برفقة زوجها وأطفالها الثلاثة، تتوقع شتاء صعباً هذا العام، كون المنزل الذي تقيم فيه في مخيم يقع بالقرب من بلدة دير حسان بريف إدلب الشمالي الغربي، هو منزل مؤقت وليس سهلاً العيش فيه خلال الشتاء. كما أن أطفالها صغار، وقد واجهت الشتاء الماضي معهم في البيت الضيق نفسه الذي سقفت إحدى غرفه بألواح الصفيح، لكنه أرحم عليها من الخيمة التي أقامت فيها لأشهر قبل انتقالها إليه.




تقول فاطمة التي بلغت عامها الثامن والعشرين، لـ"العربي الجديد": "فصل الشتاء مخيف. تأتي معه الأمراض التي تصيب الأطفال، وسيكون من الصعب على ابنتي في الصف الثاني الأساسي التوجه إلى المدرسة، إذ إن طرقات المخيم تصير طينية. في العام الماضي، اعتمدنا في التدفئة على المازوت المكرر الذي كاد يتسبب في إحدى المرات بحريق في بيتنا الصغير. رائحة المدفأة أيضاً كانت كريهة جداً، لكن لم يكن علينا سوى التحمل حتى انقضاء الشتاء الذي كان صعباً جداً. البرد العام الماضي كان قاسياً، والمنطقة التي نقيم فيها جبلية، والسيول فيها أيضاً خطرة، وقد جرفت خياماً لنازحين يقيمون فيها".

وعن كيفية استعداد فاطمة وزوجها لهذا الشتاء، تقول: "هذا العام قد يكون أفضل من العام الماضي، خصوصاً أننا تعلمنا من التجربة السابقة التي مررنا بها. خلال العام الماضي، عمد زوجي إلى افتتاح دكان لتأمين مصاريفنا. هذا العام سنشتري وقوداً أفضل حفاظاً على سلامتنا وسلامة أطفالنا، خصوصاً بعد قدوم مولودتنا الجديدة نهاية فصل الشتاء الماضي. الوقود السيئ سيسبب لها المرض، ومن الصعوبات التي كانت تواجهنا أيضاً تعطل المدفأة، ما يضطرنا لإزالتها وتنظيفها كل بضعة أيام، ولا مكان لتنظيفها إلا أمام البيت. وفي أحيان كثيرة، كنا ننظفها بينما يهطل المطر".

ولا يلقي الشتاء بأعبائه على النازحين فقط، بل يعاني سكان مناطق إدلب خلال هذا الفصل أيضاً. يرتفع سعر الوقود بشكل كبير، والبدائل المتاحة مثل الأخشاب يرتفع سعرها أيضاً. هذا ما يشير إليه ابن مدينة بنش في ريف إدلب مصطفى محمد لـ "العربي الجديد".
يضيف: "حتى الآن، لم نستعد لفصل الشتاء بسبب الواقع المعيشي وضعف الحالة المادية. المتاح لنا هو المازوت أو الحطب، وسعرهما متساوٍ تقريباً. لكن في الغالب، سأشتري المازوت لأن استخدامه أسهل وإشعاله أسهل على أولادي كوني أقضي معظم وقتي في الدكان".



حطب أو مازوت
تختلف وسائل التدفئة بين المنازل الريفية ذات الطابق الواحد أو الطابقين وبين المنازل ضمن المباني متعددة الطوابق، ما يجعل خيارات التدفئة محدودة لدى البعض. في الأبنية ذات الطوابق المتعددة، لا يمكن اعتماد الأخشاب في التدفئة، إذ لا تجهيزات فيها. لذلك، يوضح النازح من مدينة كفرنبل أحمد الخطيب (28 عاماً) في حديثه لـ "العربي الجديد": "اليوم وقد استقريت في بلدة كفرتخاريم، وأنا أسكن في مبنى مكون من طوابق عدة، بات خياري الوحيد للتدفئة هو المازوت، كونه الأنسب والأسهل. لكن لو عدت إلى مدينة كفرنبل، لكان الحطب خياري الأول، فهو في متناول اليد وأرخص نسبياً. كما أنه في الإمكان استخدام مدافئ مخصصة للحطب على عكس الوقت الحالي، إذ ليس لدي سوى مدفئة تعمل من خلال الوقود".

وبعيداً عن إدلب التي أصبحت تعجّ بالنازحين والمهجرين من كافة المناطق السورية نحو الشرق السوري باتجاه الحدود الأردنية، هناك معاناة ليست سهلة يعيشها نازحو مخيم الركبان مع قدوم فصل الشتاء. فهذا المخيم الموجود على حافة الموت لا يمنح سكانه أي وسيلة للتدفئة. يوضح عضو تنسيقية مدينة تدمر "أيمن الحمصي" لـ "العربي الجديد": "بدأ الأطفال في المخيم بجمع أكياس النايلون المتطايرة التي تحملها الرياح إلى منطقة الـ 55 التي يقع فيها المخيم، فضلاً عن بقايا الورق المقوى. فمصادر التدفئة المتاحة باهظة الثمن بالنسبة لنازحي المخيم، كون الحصار المفروض حرمهم منها، وقد يستفيدون أيضاً من السلل الإغاثية التي أدخلتها الأمم المتحدة إلى المخيم في سبتمبر/ أيلول الجاري. فلا يمكن لهم رمي الأكياس البلاستيكية أو صناديق الورق المقوى التي وضعت فيها الأغذية المقدمة لهم".




يتابع الحمصي: "حالياً، يبحث الأطفال في محيط المخيم عن أي شيء قابل للاشتعال لاستخدامه في التدفئة، ومن بقي من النازحين يعتمدون هذه الطريقة. وكما جرت العادة خلال السنوات السابقة، يرمم الأهالي المنازل الطينية ليستعدوا لفصل الشتاء خوفاً من انهيارها بسبب المطر والرياح. وفي العام الماضي، تعرض عدد من النازحين لمثل هذه الحوادث، وانهارت جدران تلك المنازل عليهم. ومن جانب آخر، من يقطن الخيم وضعه أسوأ بكثير ممن يقيم في المنازل الطينية التي تعد أفضل نسبياً في فصل الشتاء".

ثياب
ليست مشكلة التدفئة هي الوحيدة التي يعاني منها السوريون، فملابس الأطفال أيضاً تعد قضية ذات أهمية وأولوية كبيرة، وهذا ما توضحه خولة خضر من ريف إدلب. الأطفال بحالة نمو مستمر وهم في حاجة دوماً لملابس جديدة. تقول لـ "العربي الجديد": "بالنسبة لأطفالي الثلاثة، يمكن للطفلتين الاستفادة من ثياب بعضهما بعضاً، ما يخفف عني أعباء شراء ملابس جديدة، خصوصاً ملابس الشتاء". لكنها تضطر إلى الشراء لابنها (ثلاثة أعوام). "نحن كبالغين نستطيع ارتداء نفس الملابس، لكن الصغار لا يمكن لهم ذلك". تضيف: "بسبب الظروف، نكتفي بشراء الملابس في أوقات محددة من العام كالأعياد فقط، فليست الأمور كما في السابق ودخلنا لا يكاد يكفينا، ومع قدوم الشتاء هناك أعباء كثيرة علينا الاستعداد لها، منها ملابس الأطفال ومونة الشتاء، إضافة إلى التدفئة التي من غير الممكن الاستغناء عنها مهما كانت الظروف".



بدائل
هناك طرق للتدفئة يلجأ إليها السوريون في الوقت الحالي تعد بدائل مفيدة عن الوسائل التقليدية. محمد جلول من بلدة الهبيط ويقيم في منزله في بلدة قاح في ريف إدلب الشمالي، يقول لـ "العربي الجديد" إنه "سيستخدم مدفأة تعمل على قشور الفستق الحلبي كونها مناسبة جداً وتعد مصدراً جيداً ورخيصاً نسبياً للحرارة". لكن سعر المدفأة يتجاوز المائة دولار، وهذا الأمر يثني كثيرين عن الشراء. كما أنها في حاجة لمصدر كهرباء مستمر وغالباً ما يمكن شحنها. وهذه المدفأة تعد من وسائل التدفئة المشهورة في بعض مناطق ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، نظراً إلى تركز زراعة الفستق الحلبي في المنطقتين هناك.

وفي العاصمة دمشق، يترقب الأهالي مخصصات وقود التدفئة التي حددها النظام بمائة لتر، إذ خصصت هذه الكمية لثلاثة أشهر يليها نفس الكمية التي من المقرر أن توزع مع بداية عام 2020. ويوضح سعيد م. (42 عاماً) المقيم في دمشق لـ "العربي الجديد": "هناك من سيعتمد في التدفئة هذا العام على الكهرباء، نظراً لكمية الوقود المحدودة، وهي لا تصل إلى ثلث الكمية المطلوبة لكل عائلة، وسعر الليتر في السوق السوداء يتجاوز 500 ليرة سورية (نحو 1.15 دولاراً)، فضلاً عن أن التدفئة بالغاز مكلفة. وفي كل شتاء، تحدث أزمة قد تحرم الأهالي من الغاز.




ويختم سعيد: "الحياة كلها معاناة، سواء في الصيف أو في الشتاء. وكأن الهواء الذي نتنفسه يجب أن يكون بثمن ومقابل. في أيدي المتنفذين في النظام كل شيء في هذا البلد، والناس العاديون مثلي كتبت عليهم المعاناة. يجب أن نقف في طوابير لنحصل على أسطوانة الغاز، ويجب أن نعاني للحصول على ليترات من الوقود كي يشعر أطفالنا بقليل من الدفء".

وتبقى السيول والعواصف في فصل الشتاء الخطر الأكبر الذي يهدد النازحين في المخيمات في شمال سورية. وقد أطلقت جهات عدة نداءات تحذير بضرورة اتخاذ خطوات لما قبل الكارثة، إذ نشهد في كل عام سيولاً تجرف مخيمات النازحين وغرق مخيمات بكاملها في المياه، فضلاً عن وفيات ناجمة عن مصادر التدفئة.
دلالات
المساهمون