وأظهر شريط فيديو مسجل على مدار دقيقة ونصف عملية الدهس التي تمت دون تردد وبتركيز كامل في الدهس وعودة السائق للوراء والتقدم مجددا ليحصد أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى. واكتسح الفيديو جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ليضع الحكومة الإسرائيلية بحرج كبير، وأسئلة أكبر، منها كيف يهرب عشرات من الجنود المدججين بالأسلحة من الشاب الأعزل إلا من مقود شاحنته؟
وتكمن قوة عملية القنبر في أنها أكدت فشل سيطرة الاحتلال على القدس، وإخضاعها، فضلا عن أن العملية نفذت في مستوطنة مقامة على أراضي القدس الشرقية، ما يعني أن المقاومة مشروعة حسب الأعراف الدولية، ولا سيما أنها استهدفت جنود الاحتلال.
ويقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عادل شديد، لـ"العربي الجديد"، إن "العملية هزت كيان الجيش الإسرائيلي الذي قيل عنه يوما ما الجيش الذي لا يقهر، حيث هرب عشرات الجنود وضباطهم المسلحين وهم على رأس الخدمة العسكرية أمام الكاميرا".
وتابع: "الجنود كانوا يقومون بجولة في صلب عملهم العسكري حيث انتقلوا من قاعدة عسكرية إلى مستوطنات القدس الشرقية، وهذا الهروب الكبير من السائق وهو على بُعد 40 متراً على الأقل، وسيكون لهذه المشاهد انعكاسات كبيرة جدا على مكانة الجيش الإسرائيلي في المجتمع الإسرائيلي أولا، وعلى المستوى الفلسطيني وفي المنطقة بشكل عام".
ويرى شديد أنه "لو أن الجيش الإسرائيلي كان يعلم أن هذه المشاهد سوف تبثّ، لفضل أن يقتل جنوده على بثها لأنها ضربت مركزية مكانة الجيش وهيبته في المجتمع الإسرائيلي".
وتابع قائلا: "صحيح أن عدد القتلى الجنود كبير بالنسبة للاحتلال مقارنة بعملية مقاومة واحدة، لكن بعد يومين سينسى الرأي العام كم ومن قتل، وستبقى مشاهد هروب الجنود من الشاحنة محفورة في الذهن الفلسطيني والعربي، لذلك أجزم بأن الاحتلال سيصل للمصور وسيلاحقه وربما يسجنه لسنوات".
وحسب الإعلام العبري، فإن من بادر إلى إطلاق النار على المقاوم هو مدني إسرائيلي متواجد في المكان ومن مسدسه الشخصي. وأشار الإعلام إلى أن جنديين فقط أطلقا النار من أصل 300 مجند كانوا في المكان.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي ترصد فيها عدسات الكاميرات هروب الجندي الإسرائيلي من أمام المقاوم الفلسطيني، سبقتها الكثير من المشاهد وإن بقيت مشاهد عملية قنبر هي الأقوى.
ففي التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 رصدت الكاميرات أيضا عملية هروب جندي من أمام الشهيد مصباح أبو صبيح الذي نفذ عملية إطلاق نار وهو يقود سيارته قرب مقر قيادة الاحتلال، أدت لمقتل إسرائيليين وإصابة عدد آخر.
وقبل ذلك في مارس/ آذار 2016 ركض بشار مصالحة مسافة كيلومتر ونصف الكيلومتر قرب ميناء يافا القديم ليطعن من يراه في وجهه من الإسرائيليين الذين كانوا يهربون من أمامه، قبل أن يستشهد.
الأمر ذاته حصل في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 مع الشهيد إياد العواودة الذي كان يلاحق جنديا إسرائيليا وهو يشهر سكينه، لكن الجندي هرب منه، ليقوم جندي آخر بقتله.
وعودة إلى الدهس، تبدو هذه العمليات الأكثر إحباطا لجهاز المخابرات الإسرائيلي، إذ لا توجد أي طريقة حتى الآن تتم فيها معرفة السائق المقاوم والمكان الذي ينوي تنفيذ عمليته فيه. فسلاحه مرئي وكبير وخطير لكنه غير محظور، ما يعني أن أي شارع يسيطر عليه الاحتلال ويوجد فيه مستوطنوه وجنوده هو مكان متوقع للعملية القادمة، فضلا عن أن كل أساليب الردع الإسرائيلية باعتقال العائلة وهدم البيت أثبتت فشلها.
ورصد "العربي الجديد" 25 عملية دهس منذ اندلاع هبة القدس في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2015 وحتى الآن، فيما وصلت عمليات الدهس قبل ذلك إلى 20 عملية ما بين 2008 و2014.
وتنوع استخدام السيارات ما بين سيارات حديثة، كما هو الحال مع المقاوم الأسير ماهر الهشلمون الذي نفذ عملية دهس قتل فيها مستوطنة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، إلى استخدام الجرافات والسيارات العادية وصولا إلى شاحنة من نوع "مرسيدس" استخدمها الشهيد قنبر يوم أمس الأحد.
ويتقاطع الشهيد قنبر مع غيره من المنفذين الشهداء والأسرى لعمليات الدهس، فهو مواطن عادي لا توجد عليه أي رقابة أمنية إسرائيلية. ويتقاطع قنبر مع إبراهيم العكاري منفذ عملية دهس أدت لقتل مستوطن وإصابة 10 آخرين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، حيث يتشابه الشهيدان بالهدوء وكونهما أبوين لأطفال صغار، فالعكاري أب لخمسة أطفال، فيما ترك قنبر وراءه أربعة أطفال أكبرهم عز الدين (6 سنوات)، وجنى (5 سنوات)، وغزل (3 سنوات)، والرضيع محمد، باتوا لوحدهم بعد اعتقال أمهم.